إلى عروسَين في المسيح
الأحد 24 تموز 2005
تدخلان اليوم سرّ الزواج، فعلى بركة الله!
الزواج عندنا سرّ. لا هو اتفاق ولا هو عقد بين طرفَين، بل سرّ إلهي.
والسرّ معناه الحقيقة التي تفوق مدارك الناس لكنّها تتجلّى في مطرح في حياة الناس. هذا المطرح، اليوم، هو أنتما.
الله يقيم بنعمته فيكما كإناء. يجعلكما واحداً، خليّة إلهيّة واحدة في جسد المسيح الواحد الذي هو الكنيسة.
ليس اتحادكما لا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله (يو 1: 13).
تأتيان بقربان، بتقدمة، كما يأتي المؤمنون إلى سرّ الشكر.
وتقدمتكما هي نذرُكما أن تسيرا معاً إلى وجه ربّكما باتفاق عزم واليدُ باليد، والربّ الإله يقتبل تقدمتكما ويبارك عزمكما ويعطيكما ذاته ويجمع ما بينكما إلى واحد.
الزوجان في العالم وجه كل منهما إلى الآخر. يشكِّلان حلقة مقفلة
نوعاً من أنانية ثنائية، يطغى فيها، عادة، الرجل، وأحياناً المرأة.
أما أنتما فوجهُكما إلى المسيح إلى أن يصير المسيحُ وجهَكما.
وهو كذلك معكما وفيما بينكما. أنتما حلقة مفتوحة على المسيح وبه على العالم أجمع. لستما لنفسيكما بل للذي افتداكما واختصّكما بحياته.
اليوم تدخلان فردوس محبّة الله. هذا تنعمان به بالطاعة لله، بحفظ وصاياه أولاً وأخيراً.
كل منكما للآخر جحيم أو فردوس:
جحيم إذا ما أقام معانداً في أنانيته، وفردوس إذا ما خرج من نفسه وانعطف صوب شريكه.
كل منكما للآخر علامةٌ منظورة لحضور المسيح غير المنظور. كل منكما للآخر أمانة ومدرسة وامتحان. مرآة لشريكه. هنا تُعطَيان أن تتروّضا على محبّة الله وعِباد الله.
على كل منكما أن ينسى نفسه بإزاء شريكه. همّه ينبغي أن يكون شريكَه. لا تأتي، أيّها الرجل، إلى البيت بأتعابك. اترك لزوجتك أن تتّخذها من ذاتها بالمحبّة.
أنتَ اهتمَ بأعبائها هي. خفِّف عنها بانتباهك لها، بعطفك عليها. وأنتِ، أيّتها الزوجة، افعلي لزوجك الشيء نفسه.
ليس ما يخفِّف ثقل الحياة أكثر من الحنان. بمحبّتك لا تخفِّف عن شريكك وحسب بل تخفّ أحمالك أنت أيضاً.
ليسمع كل منكما الآخر جيِّداً، بانتباه، من القلب.
لا يكن همُّكَ، أيّها الرجل، أن تُسمِع امرأتك رأيك، ولا أنتِ أيّتها المرأة. هذا بحاجة من كليكما إلى بعض الجهد: أن يصمت كلٌّ منكما عن نفسه.
كلمة مَن تسري في البيت، كلمتُكَ أنتَ أمْ كلمتُكِ أنتِ؟ لا بل كلمة المسيح!
وهذه تَعِيانِها إذا ما كان كلٌّ منكما مستعداً لأن يُفْرِغ نفسه من مشيئته الخاصة. لا يتّخذن أحد منكما كلامَ المسيح باطلاً دعماً لرأيه الخاص. تعلّما أن تطلبا الحقّ وأن تسلكا فيه.
اعترفا بالحقّ أينما وجدتماه.
هذا يتسنّى لكما إذا ما كانت عينُ كلٍ منكما على خطاياه هو، إذا ما كان مستعداً لأن يقول في أي وقت:
“أخطأتُ، سامحني/سامحيني!”
فقط باتضاع القلب يتحسّس كلٌّ الحقّ. شريكك يخطئ أيضاً؟ طبيعي! أصلحه، ولكن بالرفق! دعه يشعر أولاً بأنّك تحبّه. نقّ نيّتك قبل ان توجّه ملاحظاتك. لا تَأْتِه متوتّراً، مشحوناً، معانداً.
خير لك أن تلزم الصمت إذا لم تكن نفسك هادئة. أجّل الكلام إلى وقت موافق.
وفي كل حال ليكن ذكر اسم الربّ يسوع في ذهنك وعلى لسانك دائماً. لا تعمل شيئاً إلاّ بعد ذكر الله.
الصلاة خير منظّم لشؤون الحياة. وأبسط الصلاة وأغناها صلاة يسوع: “أيّها الربّ يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمنا”.
لتكن قاعدة الحياة لكما في الأسرة الصلاة والصوم وقراءة الكلمة الإلهية والإحسان واستفقاد المثقلين بالآلام. ليكن لكل منكما صلاته اليومية الخاصة به وصلاته المشتركة مع شريكه. هذه لا تُخلِفا فيها لأنّ لكما في الصلاة قوّة ولا أقوى وتقديساً على حمل أعباء الحياة.
والأصوام الكنسيّة، الأسبوعية والسنوية، التزِماها بأمانة لأن فيها تحرّراً من سطوة الأهواء عليكما.
والصوم ليس صوماً عن الطعام وحسب، بل عن كل ما لا حاجة إليه ولا ضرورة أيضاً. ليصْم كل منكما عن شريكه، لا سيما في الصوم الكبير ومساء السبت، لتتهيّأا لاستقبال العريس السماوي.
والكلمة الإلهية اقرأاها بانتظام كل يوم لتتعلّما كيف تسلكان بلياقة وترتيب.
لا تنسيا سِيَر القدّيسين ليكون لكما ما تقتديان به. واتّخذا كتاباً من الكتب الروحية المغذّية كل شهر.
أما الإحسان فلا تتهاونا فيه. اقتطعا، بصورة تلقائية، عشرة في المائة من دخلكما للفقراء.
وكونا مستعدَّين للمزيد متى امتحنكما الربّ الإله بإيفاد مَن له حاجة ماسة إليكما. قرش الفقير قَبْل حاجاتِكما ليباركَ الربّ سعيكما. وأما المضنوكون والمتعَبون فافتقداهم بتواتر لأنّكما رسولان للمسيح شاهدان له، ولكي يعلموا، من خلالكما، أنّ الله محبّة ومحبّةٌ حقّانية.
هَيِّئا البيت حسناً لاستقبال الوافدين الجدد أي الأطفال إذا ما منّ عليكما الربّ الإله بثمرة البطن.
وأنتما البيت: سيرتكما، نقاوتكما، صلاتكما، محبّتكما… هذه اعكساها في محيط البيت حضوراً منظوراً لله بخوراً وإيقونات وصلوات وقراءات. أما الاشتراك في الصلوات الكنسيّة فلا تُخلفا فيه.
خليق بأولاد المسيح أن تتفتّح نفوسُهم، حتى وهم في بطون أمّهاتهم بعد، في مناخ النعمة الإلهية والتراتيل والتسابيح وتناول القدسات. هذه بيئتهم السماوية فلا تحرموهم غنى المسيح في كنيسته.
وما أجمل، في كل حال، أن ينطلق كل نهار جديد، بعد الصلاة، بتناول أهل البيت قليلاً من قربان البركة وجرعِ قليل من الماء المقدّس!
صلّيا، بخاصة، أن يُلهمكما الربّ الإله كيف تعتنيان بخليقته لديكما. أولادكما أمانة. ليسوا لكما بل أنتما وإيّاهم لله.
أعدّاهما للقداسة، ليصيرا خدّاماً للمسيح وشهوداً.
اهتمّا أولاً بتربيتهم على الفضيلة. هذه هي المدرسة الأساس في حياتهم. هذا ما أنتما مُطالَبان به لدى الله. ما تبقّى تعينانهم عليه بما تيسّر وللمنفعة ليتسنّى لهم أن يكونوا للمسيح شهوداً بما أوتوا من مواهب وطاقات.
كل شيء في تنشئتِكما ينبغي أن ينطلق من مخافة الله وأن يكون القصد منه تمجيدَ الله.
وإذا لم يعطكما الربّ الإله ثمرة البطن فلا يتزعزع إيمانكما. استزيدا من الصوم والصلاة والإحسان ومساهمة القدسات فقد يعطيكما ثمرة النعمة فيما بعد.
وإذا لم يعطكما ذرّية بالمرّة فهذا لأنّه يريدكما أن تكونا نظيره، تتّخذان الدنيا، باسمه، إخوة وأبناء وبنات.
الخصب الروحي هو الأهم.
حين لا تُخْصِبُ الأرحام فقصد الله أن يُعتِقَكما من هموم البيت وهو واجد فيكما طاقة من الحبّ يشاؤها أن تتوزّع على المحرومين في أوساطكما. الله أعلم في كل حال.
والمؤمن المتّضع يقبل، بشكر، ما يصيبه من أنعام الله، بالشكل الذي يشاؤه الله. وكل ما يعطيه الله نعمةً يكون، حتى الألم والضيق والحرمان.
بالعكس المبتَلُون بالتجارب حصّتهم من نعمة الله أوفر إذ يُحرَمُون مما هو للطبيعة ليحظوا بما هو سماوي.
أما التذمّر فلا يكن له مكان فيكما. اقتبلا المرّ كما تقتبلان الحلو. المرّ الذي تقتبلانه لأجل المسيح يشفيكما من قلّة الصبر ويؤهلكما لتواضع القلب ويملأكما من حلاوة النعمة الإلهية. كذلك الإدانة. لا تدينا أحداً على شيء. ارأفا بالمُسيء. أدينا إساءته.
لا تنسيا مَن أوصاكما: “أريد رحمة لا ذبيحة”.
الخطيئة مرض والخاطئ مريض. المريض يُعالَج ولا يُدان. والعلاج، في كل حال، المحبّة والصبر والصلاة.
المُدين لا يعرف نفسه. وإذا ما عرف نفسه امتنع عن إدانة الغير لأنّه هو أيضاً بحاجة إلى رحمة القائل:
“لا تدينوا لكي لا تُدانوا لأنّكم… بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم” (مت 7: 2).
ثمّ لا يُعِدْ أحدٌ منكما الخيرَ الذي يجري على يديه لنفسه بل لله. أعطيا المجد لله. لتكن عيونُكما على خطاياكما وضعفاتكما وتقصيركما لئلا تُجرَّبا بالكبرياء المُفسِدة.
هذه كالنملة تسرق المحاصيل حبّة حبّة مهما كانت عظيمة وتترككَ منتفخاً ولكن خاوياً.
أخيراً ليكن قلبُكما، في كل حال، هناك، لديه، لدى العليّ. نحن في الأرض عابرون. ليست لنا ههنا مدينة باقية بل نطلب الآتية.
Discussion about this post