كنيسة سيدة التلة أقدم الكنائس المريمية في لبنان
كنيسة سيدة التلة هي كنيسة مارونية تقع في بلدة دير القمر الواقعة على ارتفاع 850 متر فوق سطح البحر والتابعة لقضاء الشوف في محافظة جبل لبنان بلبنان، وتُعدّ واحدة من أهم المواقع التاريخية والدينية الموجودة في البلدة حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن السادس عشر الميلادي.
يشغل الأب جوزيف أبي عون في الوقت الحالي منصب رئيس كنيسة سيدة التلة في دير القمر.
وكنيسة سيدة التلة العجائبيّة تُعتبَر مركز حج مريميا وهي من الكنائس المريمية الأقدم في لبنان.
لمحة تاريخية
أُقيمت أوّل كنيسة في الموقع الحالي لكنيسة سيدة التلّة على يد الراهب نقولا سميساطي على أنقاض معبد فينيقي قديم كان مُخصّصًا لعبادة الإلهة عشتروت، وفي عام 859 تعرضت الكنيسة للتدمير بالكامل بفعل الزلزال الذي ضرب المنطقة، ثُمّ أعيد بناؤها من جديد على يد جماعة فرسان الهيكل، وفي هذه المرّة دُمرت الكنيسة خلال الحروب الصليبية، ثُمّ أعيد بناؤها مرّة أخرى في عهد الأمير فخر الدين الأول معن (1518-1544) أحد أمراء جبل لبنان. وفي عام 1673 قام الشيخ أبو فارس كرم حاكم منطقة إهدن وسكرتير الأمير أحمد معن وأخوه الشيخ أبو نادر بتوسيع الكنيسة وألحقوا بها قبوًا. وفي عهد الأمير بشير الثاني شهاب (1789-1840) تم توسعة الكنيسة مُجدّدًا وتجديد مبانيها وأثاثها.
استلمت الرهبانية الكنيسة من أهالي البلدة، وفي عام 1745 تأسست إلى جوار الكنيسة مدرسة عُرفت باسم «مدرسة الديمقراطية الأولى في الشرق» وخُصصت لتعليم أبناء الطائفة المارونيّة وأبناء الموحدين الدروز. وفي عام 1760 رُمّمت كنيسة سيدة التلّة وتمت توستعها في اتجاه الغرب، وفي عام 1831 أضيفت قنطرة جديدة الى الكنيسة في الطرف الغربي منها. وفي عام 1860 شهدت الكنيسة مقتل اثنا عشر راهبًا من رهبانها خلال المجازر التي تعرض لها المسيحيون في منطقة دير القمر، ولم ينجُ من تلك المجزرة سوى الراهب سابا دريان الذي صار فيما بعد رئيسًا عامًا في عام 1877.
وتخليدًا لذكرى هؤلاء الشهداء، تمّ دفنهم في مكان بجانب الكنيسة، وأقيم نصب تذكاري لهم، عام 1950، فخلّدت لوحة رخامية على الحائط كتب عليها: «هنا يرقد بالرب شهداء دير القمر في سبيل الدين والوطن سنة 1860».
في التراث الشفهي
تقول الأسطورة المارونيّة، وفقًا لما أورده موقع التراث الماروني، أنه أحد الأمراء الدروز في بلدة بعقلين نظر ذات مرة إلى تلة دير القمر، فرأى نوراً يخرج من التلة فما كان منه إلا أن جمع جنوده وأمرهم بالدخول إلى التلة، والحفر في الأرض، وقال لهم: “إذا وجدتم رمزا للإسلام فابنوا مسجدا، وإذا وجدتم رمزا للمسيحية فابنوا كنيسة.”
وفي الصباح ذهب الجنود ووجدوا صخرة نُحت عليها صليب وأسفل الصليب كان هناك نحت للقمر وللإلهة فينوس. وكانت تلك بمثابة علامة على أنه في الماضي البعيد كان هناك معبد مخصص لعبادة إلهة القمر والإلهة فينوس ثم أصبح فيما بعد كنيسة. ورُبّما تكون الزلازل والحروب هي السبب وراء اختفاء ذلك الأثر المقدس.
الحجر يرجع الى العهد البيزنطي نقش عليه صليب وقمر يلتفّ بشكل قوس على الشمس، وهذا رمز للعذراء. فمريم، بالنسبة الى يسوع، مثل القمر بالنسبة الى الشمس. منه تستمدّ نورها وهذا الحجر عثر عليه فريق من الموارنة قدموا من منطقة بشري بشمال لبنان بقيادة بعض الرهبان ليقيموا في دير القمر، في بدء القرن السادس عشر.
ويمكن العثور على الصخرة التي اكتشفها الجنود فوق البوابة القديمة للكنيسة، كما يُمكن العثور على عمود حجريّ مُصمم على الطراز المعماري البيزنطي داخل الكنيسة. وبداخل كنيسة سيدة التلة وخلف المذبح توجد أيقونة سيدة التلة العجائبية التي رسمها الفنان الإيطالي غيرا في عام 1867.
وعندما شاء رئيسهم الأب عبدالله معربس، أن يبني ديره في هذا المكان الذي كانوا يسمونه “التلّة”، وجدوا “الحجر البيزنطي” بين الأنقاض، ففرحوا جميعا برؤية الصليب المنقوش عليه، لأن في ذلك دلالة على أن المسيحيين سبقوهم الى إقامة معبد لهم في المكان نفسه. وتبيّن لهم من القمر المنقوش تحت الصليب ان هذا المعبد كان للسيدة العذراء على هذه التلّة. فسموا كنيستهم “سيدة التلة” وسمى الاهالي بلدتهم “دير القمر”.
إذاً، سنة 1750، استلمت الرهبانية من أهالي دير القمر كنيستهم المشيّدة على اسم السيدة العذراء والدة الله، في محلّة “التلّة” بوسط البلدة. كما وهبت الست أمّون، والدة الأمير يوسف المعني للرهبانية، الاقبية الاربعة والدكاكين الموجودة فوقها والتي تقع الى جانب الكنيسة، من اجل تعليم الاولاد وفائدة الشعب الروحية. فأقامت الرهبانية أول مدرسة ديموقراطية في الشرق حيث كان يتعلم مجاناً أولاد الأمراء الى جانب أولاد الفلاحين، من دروز ومسيحيين. وسنة 1760، تمّ ترميم كنيسة سيدة التلّة وتوسيعها نحو الغرب. وفي سنة 1831، تمت زيادة قنطرة جديدة الى الكنيسة في الطرف الغربي.
سنة 1860، استشهد اثنا عشر راهباً من أبناء الرهبانية خلال المجازر التي تعرض لها المسيحيون في دير القمر (2300 شهيداً)، ولم ينجُ سوى الأب سابا دريان الذي صار فيما بعد رئيساً عاماً، عام 1877.
ماذا عن البناء؟
يتألّف البناء من الطابق السفلي وفيه صالون الرعية، الموجود تحت باحة الكنيسة. اما الطابق الارضي ففيه: كنيسة سيدة التلة الرعائية، والمزار ومعبد سيدة شهداء دير القمر والمتحف، ونصب تذكاري يمثل القديسة رفقا في حادثة تخليصها صبياً من الموت في حوادث سنة 1860، ونصب تذكاري لشهداء البلدة. الطابق الاول يضمّ المطبخ والمائدة، وغرفة نوم، و3 أقبية من العقد، وغرفة سهرة.
اما الطابق الثاني فيتألّف من صالون كبير وآخر صغير، ومكتبين، و4 غرف للنوم، وغرفة للغسيل.
وفي الآونة الاخيرة، يتمّ تشييد مركز رعوي جديد الى جانب الكنيسة وهو شارف على النهاية متماشيا مع طابع دير القمر التراثي العريق.
أم المسيحيين وغير المسيحيين
أجمع المسيحيّون والمسلمون والدروز على اعتبار “سيدة التلة” حكما بينهم في خلافاتهم. فكانوا يقصدونها ليحلفوا اليمين أمامها إثباتا لصدق قولهم.
وإن مذبح الكنيسة كان شاهداً على تحالفات بين الامارة والكنيسة، وبين الامارة وبلاد الغرب عبر البطاركة الموارنة، لذلك دعيت الكنيسة باسم “سيدة القسم أو الحلفان”. كما اصبحت مخبأً لبيارق الامراء لا تخرج منها إلا لمعركة ولا تعود اليها الا بعد انتصار. الى جانب الانطش، قامت أول “مدرسة ديموقراطية” مجانية في الشرق.
ولغاية اليوم، يقصد الكنيسة الزوار والمؤمنون من أية طائفة انتموا فكلّما زرنا الكنيسة لصلاة وطلب الشفاعة نلتقي بمن أتى يحمل همّه وألمه وكذلك فرحه لمريم العذراء ملتمسا نعمة لموجوع ومريض ومتألّم ومحتاج وهي لا تردّه خائباً.
عيد سيدة التلة
سنة 1937، جرى أول احتفال رسمي بعيد سيدة التلّة في الاحد الاول من آب، وذلك بمنشور صادر عن راعي الابرشية آنذاك المطران اوغسطين البستاني سليل الرهبانية.
وسنة 1995، تمّ ترميم كنيسة سيدة التلة وتجديد مذبحها.
سنة 2001، في 5 آب، عيد سيدة التلة، بارك السيد البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، بحضور رئيس الجمهورية، تمثال القديسة رفقا المنحوت من حجر دير القمر، والموضوع في الباحة الخارجية لكنيسة سيدة التلة بالقرب من السكرستيا.
سنة 2003، في عيد سيدة التلة، تمّ رفع تمثال برونزي جديد لسيدة التلة فوق قبة جرس الكنيسة.
سنة 2004، في 1 آب، وبمناسبة عيد سيدة التلة، تم تدشين “معبد سيدة شهداء دير القمر” الموجود لجهة مدخل باب الكنيسة الرئيسي، وافتتاح متحف صغير في الجهة المقابلة لمزار سيدة التلة. كما تم ترميم غرفة النوم في الطابق الاول، ورفع الردم الذي اظهر وجود ثلاثة اقبية من العقد.
العجائب
إحدى أهم عجائبها التي يتناقلها الناس من جيل إلى جيل، هي عندما سرقت أواني القداس الثمينة من الكنيسة، فظهرت سيدة التلة لرئيس الأنطش في الحلم، ودلّته على السارق وعلى المكان الذي خبأ فيه الآنية. وإذا بالسارق هو من رجال الشيخ ناصيف النكدي، والمسروقات مخبّأة في منزله، فذهب وفد برفقة رئيس الأنطش لزيارة الشيخ، وأخبره الرئيس بالحادثة.
فاتجه الشيخ ناصيف نحو النافذة وقال للرئيس: أترى اللص الذي دلتك عليه السيدة، فتمكن الأب الرئيس من التعرف عليه. ثم اتّجها سوية إلى الاسطبل ليدلّه على مكان الآنية المسروقة بحسب ما أوحت إليه العذراء، فاستدعوا السارق وأمروه بالحفر فبانت المسروقات، عندها أمره الشيخ بمتابعة الحفر حتى أصبحت الحفرة بطوله، فدفعه دفعة أسقطته داخلها، وأمر بطمره فيها حيًا. وهي رواية متناقلة حتى اليوم في البلدة.
فيا سيّدة التلة، ساعدينا أجمعين!!
مراجع
-
^ “كنيسة سيّدة التلّة في جبل لبنان..محجّ للمسيحيين والمسلمين والدروز وتاريخ يعانق جمال الالوهة!”. نورسات. بيروت، لبنان. 14 أكتوبر 2015. مؤرشف من الأصل في 2023-10-03. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-16 – عبر noursat.tv.
-
^ “ذكرى الرئيس كميل شمعون وعقيلته في كنيسة سيدة التلة في دير القمر”. وكالة أخبار اليوم. بيروت، لبنان. 7 أغسطس 2021. مؤرشف من الأصل في 2023-09-30. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-13 – عبر www.akhbaralyawm.com.
-
^ “سيّدة التلة “تحضن” عون: صورة تشعل الجدل… القصّة بدأت مع شمعون FactCheck#”. النهار. بيروت، لبنان. 26 أغسطس 2019. مؤرشف من الأصل في 2021-02-12. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-13 – عبر www.annahar.com.
-
^ تعدى إلى الأعلى ل:ا ب Ministry of Tourism in Lebanon نسخة محفوظة 2021-09-06 على موقع واي باك مشين.
-
^ “ليلة عيد سيدة التلة العجائبية دير القمر”. شرقنا. بيروت، لبنان. 1 أغسطس 2021. مؤرشف من الأصل في 2023-09-28. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-16 – عبر www.charqouna.com.
-
^ ماريا جمعة (15 أغسطس 2016). “خاص موقع “القوات”: كنائس السيدة.. حكاية اللبنانيين مع مريم”. القوات اللبنانية. بيروت، لبنان. مؤرشف من الأصل في 2023-09-30. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-13 – عبر www.lebanese-forces.com.
-
^ “Deir el Kamar”. Maronite Heritage. 2010. مؤرشف من الأصل في 2023-08-27.
-
^ “الرئيس عون يشارك في القداس الالهي في كنيسة سيدة التلة في دير القمر”. الجمهورية. بيروت، لبنان. 25 أغسطس 2019. مؤرشف من الأصل في 2023-09-28. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-16 – عبر www.aljoumhouria.com.
-
^ “صورة رئيس الجمهورية اللبنانية مع سيدة التلة تثير جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي”. القدس العربي. بيروت، لبنان. 28 أغسطس 2019. مؤرشف من الأصل في 2020-02-10. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-16 – عبر www.alquds.co.uk.
-
^ “بالصور- عيد سيدة التلة…عرس في دير القمر والشوف!”. الكتائب. بيروت، لبنان. 15 أغسطس 2019. مؤرشف من الأصل في 2023-10-03. اطلع عليه بتاريخ 2023-09-13 – عبر www.kataeb.org.