يعود تاريخ بناء الدير إلى القرن السادس . تحوي مكتبة هذا الدير على أقدم مخطوط ماروني لحياة القديس أنطونيوس الكبير أبي الرهبان ويعود تاريخ النسخة إلى سنة 1533م.
تسلمته الرهبانية اللبنانية المارونية في 10 كانون الأول سنة 1863م
دخلت القديسة رفقا الدير سنة 1871 الذي عاشت فيه مايقارب ال26 سنة أمضتها بالصلاة وآلام المرض الذي عانت منه وواجهته بمحبة المؤمن وتفانيه فأضحت بقداستها علامة الدير الفارقة.
لمخة تاريخية عن الدير:
يقع دير مار سمعان العمودي – أيطو على تلةٍ غربي قرن أيطو على علو 1150م على أنقاض معبد كنعانيّ. يعود وجود هذا الدّير إلى القرن السادس، ويقول عنه البطريرك اسطفان الدويهي (1668-1704) في كتابه “تاريخ الازمنة”: “في عام 1556 إضطجع بالرب.. الأسقف جبرائيل الإهدني…وخلع نفسه وسار إلى دير مار سمعان أيطو…” يضمُّ هذا الدير في مكتبته أقدم مخطوط لحياة أب الرهبان، القدّيس أنطونيوس الكبير، ويعود تاريخه إلى سنة 1533، ما يؤكد أنّ الدّير كان مأهولاً في القرن السادس عشر. وفي العام 1556 تنسّك فيه الخوري يوحنّا ابن نمرون. إلى أن تسلّمته الرهبانية اللّبنانية المارونية عام 1863، وأصبح بعهدة الراهبات المارونيات اللبنانيات.
ففي العام 1846 كُلّف الخوري يوسف الرزي من قبل الرئيس العام للرهبنة، بتشييد دير للرّاهبات. ليدبّر شؤونه المادّية من أموال وأرزاق وترميم وبناء.وعاونه ابن خاله الخوري يوسف معوض من بسلوقيت في ترميم الدّير وأضحى الدّير مؤلفاً من: كنيسة صغيرة ,وسبع غرف ,وفرن ,وبيتين للمؤنة ,وبيت صغير للماشية ,ومراح للماعز. دخل الدّير في عهد رئاسة الخوري الرّزي أربع بنات بمثابة عابدات,انتمين فيما بعد الى الرّهبانيّة اللّبنانيّة وهن : مريم لحوّد الخوري من أيطو , وبريسيّطا طنّوس الحمصي من مزيارة ,وسوسان أبي جبّور من أيطو ,وحنّة الياس بطرس من أيطو . وجدّد المطران بولس موسى هذا الدّير سنة ١٨٤٨، وطلب نقل الأخت أغاثا البانيّة من دير مار الياس الراس في جعيتا، لتستقرّ في دير مار سمعان وتدير شؤونه وتكون رئيسة على الراهبات فيه، وذلك بإذن من البطريرك يوسف الخازن، والرئيس العام لورنسيوس الشبابي. استمرّت أغاثا في الرئاسة مدّة ثلاث سنوات عادت بعدها إلى ديرها. وعيّن الأب فنيانوس أيطو، الراهب اللبناني مرشداً للراهبات، سنة ١٨٥٠ وذلك لمدة تقارب سنة واحدة تقريباً. ما لبثت في العام 1862، أن تقدّمت الراهبات بطلب للانضواء تحت قوانين الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، فَقُبِل طلبهنّ في العام التالي، وفق ما جاء في صك الوقفية: “…أنّه بتاريخه بموجب ولايتنا على دير مار سمعان القرن…الذين ابتدوا في عمار الدير المرقوم…الراهبات قاطنات الدير…وتكون تحت قانون الرهبانيّة بحسب منطوق قوانينهم…”.
وفي العام 1903 شُيِّد دير جديد بمحاذاة القديم، خُصّص للسكن، وضّم أقبية مُصلّبة وبرميلّية ومماشي متناسقة وغيرها… إلى أن انهار الدير القديم عام 1923 ولم يتبق منه إلا الأقبية الشرقيّة، فشُيِّدت فوق أنقاضِه غرف، ومؤخراً تمّ ترميمه وتأهيله وتوسيعه.
وقد قال الأب إيلي القزي عن دير مار سمعان – أيطو في دراسته: “الإرث النسكي في حياة الراهبات اللبنانيّات المارونيّات”.
“وسنة ١٨٦٣ ، اشترى رئيس عام الرهبانيّة دير مار سمعان القرن أيطو- بمبلغ وقدره عشرون ألف قرشٍ، وأوفى ديونه البالغة أربعة عشر ألف قرشٍ ليكون الدير الثالث للراهبات اللبنانيات، ووسّع أبنيته لكي تكون قابلة لاستقبال عشرين راهبة. إلّا أنّ الرهبانيّة لم تؤمّن كافّة المتطلّبات الّتي تحتاجها الراهبات لتتوفّر لهنّ حياة ملائمة في الدّير. ففي ٩ حزيران ١٨٧٥ ، رفع الأب لورنسيوس الكفيفاني كتابًا إلى البطريرك بولس مسعد، بناء على طلب الرئيسة يفيده فيه أن الدير “لم يزل دون حاجز روحي كبقيّة أديار الراهبات”، ويسأله أن يصدر مرسوماً يمنع بموجبه دخول الرهبان إلى الدير بدون سبب شرعي وبصحبة المرشد، ويمنع أيضاً إقامة الرهبان في الدير مدّة طويلة. ونلاحظ بأنّ الموقع الجبلي لديري مار سمعان القرن أيطو ومار ساسين بسكنتا، انعكس معاناة على حياة الراهبات المحصّنات، فبالإضافة إلى الصقيع في فصل الشتاء، كان الديران يعانيان من حالة فقر أوحتى عوز أحياناً، أضف إلى ذلك حالة بنائهما التعيسة. نظراً لهذه الظروف وغيرها، انبثق من الديرين الجبليين ديران جديدان للراهبات: الأول هو دير مار يوسف جربتا، والثاني هو دير مار مارون القنيطرة. تجدر الإشارة إلى أنّ الدّير كان مقرّاً أسقفياً من العام 1871 إلى العام 1898”.
يُذكر أنه عند انبثاق دير مار يوسف جربتا عن دير مار سمعان في العام 1897 ، كُلّفت سِت راهبات من دير مار سمعان – أيطو، بمهمة تأسيس الدير الجديد، ومن بينهن الأخت رفقا، التي كانت قد أمضت في الدير 26 سنة من ضمنها 12 سنة من الألم، وذلك من العام 1871 إلى العام 1897.
مار سمعان
بالعودة إلى مار سمعان فإنه ولد سنة 521 في أنطاكيا في بيت مسيحي، كبر ودخل الدير وتتلمذ على يد القديس يوحنا العمودي الذي عاش على عمود ضمن أسوار الدير. بعدها اتخذ له عموداً في الجبل وأقام فيه متقشفا مصلياً متأملاً
فشرفه الله بصنع المعجزات من طرد الشياطين وشفاء أمراض النفس والجسد. فتقاطر اليه الناس يلتمسون بركته والشفاء من أمراضهم. وجاء لزيارته أسقفا انطاكية وسلوقية، فوجدا فيه الفضائل كما سمعا عنه، فرقياه الى درجة الكهنوت. فازداد غيرة على النفوس ومثابرة على الصلاة. وقد تسامى بالصلاة العقلية والانخطاف الروحي. وكثيراً ما ذهب بالروح الى مسافات بعيدة وحضر امام مرضى وطلبوا شفاعته فشفاهم
قال المؤرخون: انه كتب رسالة الى الملك يوستينيانوس يحثه بها على المحاماة عن إكرام الأيقونات ضد الهراطقة. ويدحض بهذه الرسالة مزاعم النساطرة والاوطيخيين أي اليعاقبة. وقد تليت هذه الرسالة في المجمع النيقاوي المنعقد سنة 787. وبها استشهد آباؤه على وجوب تكريم الأيقونات. وقد أثبت هذه الرسالة البابا أدريانوس الأول وأساقفة الشرق. وبعد ان بقي مدة خمس واربعين سنة على عموده صانعاً العجائب، ومرشداً لتلاميذه الكثيرين الذين اتخذوا طريقته، رقد بالرب سنة 596
ميزات المكان:
على تلة مطلة على البحر الأبيض المتوسط ومشرفة على مناطق زغرتا والكورة وشكا وطرابلس وعكار وبشري. يقع دير مار سمعان القرن للراهبات اللبنانيات المارونيات. متحصنا في ربوعه مزار القديسة رفقا والدير القديم الذي عاشت فيه مدة ست وعشرين سنة. فإعلان رفقا طوباوية في 17 تشرين الثاني 1985 ومن ثم قديسة في 10 حزيران 2001 شكل حدثا بالغ الأهمية تحول على أثره دير مار سمعان إلى محج وطني وعالمي. يؤمه عشرات آلاف المصلين والزائرين سنويا للصلاة والتبرك.
يحد الدير شرقا جبل قرن أيطو وشمالا بلدة أيطو وغربا أطلال قرية أذنيت الأثرية وجنوبا عربة قزحيا. وهو يعلو 1150متر عن سطح البحر ويبعد عن العاصمة بيروت 113 كم. كما يمكن الوصول إليه عبر سلوك طريق بيروت، طرابلس، زغرتا، أيطو أو طريق بيروت، شكا، أميون، طورزا، إجبع، أيطو.
كلما اقترب الزائر مجتازا بلدة أيطو صعودا نحو الدير يشعر برهبة وقدسية المكان. ففي كتف طبيعة خلابة يبرز الدير لؤلؤة بديعة تزدان ألقا بالمزار الذي تتمتزج فيه ابتهالات المؤمنين مع صدى تضرعات رفقا والصلوات المتعالية من وادي القديسين .
دير مار سمعان الحالي هو القسم الحديث من الموقع. يعود تاريخ بناءه إلى العام 1901 وتسكنه الراهبات وقد تم ترميم هذا الدير وإضافة غرف عليه خلال العشر السنوات المنصرمة. أما الدير الذي عاشت فيه القديسة رفقا من سنة 1871 إلى سنة 1897 فهو دير قديم يقع في الجهة الشمالية الشرقية للدير. ويضم آثارا متبقية من كنيسة مار سمعان إضافة إلى كنيسة مار شليطا. وثد تم ترميمه وإضافة بناء عليه ليتحول إلى مزار وكنيسة خاشعة على اسم القديسة رفقا تحتوي على صور لها وذخيرة مقدسة من ذخائرها. وفي الباحة الخارجية للمزار نصب تمثال حجري للقديسة يرنو إليه تمثال شاهق لمار سمعان يعلو على الصخرة المقابلة للكنيسة ويشرف على مجموعة من قلايات عتيقة تحتوي لوحات زيتية قديمة وأواني كنسية من أيام رفقا وأدوات يدوية كانت تستخدمها. إضافة إلى منحوتة رخامية لرفقا على سرير الألم. وقد خصصت غرفة جانبية للتذكارات والمنتوجات الديرية.
الاحتفالات والأنشطة الدينية:
يفتح المزار أبوابه من الساعة الثامنة صباحا حتى الثامنة مساء في الصيف والخامسة بعد الظهر في الشتاء وتتواجد فيه الراهبات بصورة دائمة.
تقام في الدير الصلوات اليومية: صلاة الصبح في الساعة السابعة وصلاة وقداس المساء في الساعة الرابعة والنصف صيفا والثالثة والنصف شتاء.