مغارة القدّيسة مارينا – وادي قنّوبين
“وادي قاديشا” يُعرَف بهذا الاسم نسبةً إلى مغارة قاديشا الواقعة فيه، ولكن طغى عليه اسم الدير الشهير الذي يقوم فيه ويُدعى “دير سيّدة قَنّوبين”. وموقع هذا الوادي جغرافياً هو في جِبَّة بشرّي، تلك الناحية الجَبلية العالية في شمال لبنان، ولأجل ذلك اكتسبت اسم “الجِبَّة” لأن هذه الكلمة تعني بالسريانية العلوَّ والإرتفاع. أمّا كلمة “قَنّوبين” فَمُتحَدِرَة من اللغة اليونانية Koinobion التي تعني “جماعة تعيش حياةً مُشتركة عِمادُها المَحَبة والصلاة”. وكلمة “قاديشا” آرامية آتية من جَذْرٍ ساميّ، وأصلها “قاديشو” بمعنى “المُقدَّس”، فوادي قاديشا هو الوادي المقدَّس ولكنَّ هذه الصِفَة لم تُطلَق عليه الاَّ منذ القرن السابع، حين قَصَده الموارنة وانتشر نُسّاكهم وحبساؤهم في مَغاورِه والمحابس التي زرعوها على جانبيه، وتَكرَّسَ هذا الاسم نهائياً في القرن السابع عشر على يد المُرسَلين الغربيين والبطريرك اسطفان الدويهي. وهو يُسمّى أيضاً “وادي الذخائر”، نِسبةً لذخائر القِديسين الذين زُرِعوا بالمِئات في مَغاوِرِه وحَفافيه، إذ توالى عليه كثير من المُتَعبِّدين على اختلاف مُعتَقَداتِهم، ولكنَّ الموارنة طَبعوه بِطابِع نُسكِهِم أكثر من غيرهم لأنهم لجأوا اليه ليس فقط للتعبُّد، بل للحماية من الاضطهادات، وطلباً للعيش والصمود والقداسة. ويَمتَدّ هذا الوادي من موقِع مَغارة قاديشا التي يتدفَّق منها نبعٌ تنحدر مياهه نزولاً حتى مزرعة النهر، حيث يلتقي هناك بوادي قزحيّا. وهو يَتَمَيز عن سائر الأودية بكونه يبدأ بخسوفٍ حادّ، يوحي بأن الأرض قد تكون تَعرَّضَت لعوامِل طبيعية أدَّت إلى هذا التجويف العميق.
تقوم مغارة القديسة مارينا على مَقرُبة من دير سيّدة قَنّوبين ، وقد جُعلت مَدفناُ للبطاركة الذين كانوا يُوْصون بِدَفنهم فيها تيمُّناً بهذه القديسة البارَّة التي عاشَت فيها بعد أن اتُهِمت زوراً بقَضية شائنة هي منها براء، فَصَمَتت صابرةً إلى ان اكتُشفت براءتها من هذه التُهمَة بعد مَوتِها. في العام 1909 بُنيَت أمام هذه المغارة كنيسة صغيرة مُلاصِقَة لها تحوي الرخامة التي تحمل أسماء البطاركة السَبعَة عشر المدفونين هناك. وفي 17 تمّوز من العام 2018، وفي ذكرى عيد القديسة مارينا اللبنانية، نُقِلَت ذخائرها من مدينة البندقية – إيطاليا إلى وادي قَنّوبين.
بالأصل هذه المحبسة مغارة طبيعيّة بقرب دير قنّوبين، قصدها الحبساء للخلوة.
إلى هذه المغارة لجأت القديسة مارينا والولد اللقيط الذي ربّته واهتمّت به بعد طردها من الدّير، وفيها ماتت ودفنت. بحسب البطريرك الدويهيّ أخذ الصليبيّون جثمانها الى البندقيّة حوالي 1113م وبقيت يدها اليسرى في المغارة. أصبحت هذه المغارة محجًّا ومدفنًا لسبعة عشر بطريركًا سكنوا في دير قنّوبين، من يوحنّا الجاجيّ الى يوحنّا الحلو. سنة ١٩٠٩ خلال حبريّة البطريرك الياس الحويّك ، رُمّم المدفن، وبنيت للمغارة واجهة حجريّة، ووضع في داخله مذبح رخاميّ جديد.