النبي السابق يوحنا المعمدان
يوحنّا اسم عبري مؤلّف من كلمتين: “يهوه أي الله و”حنان” أي الرأفة.
والده زكريّا ووالدته أليصابات. (مولده: الإصحاح الأوّل من إنجيل لوقا).
– النبي السابق يوحنا المعمدان:
تقيم الكنيسة في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من كلّ عام تذكارًا حافلاً للنبي السابق المجيد يوحنا المعمدان على غرار العيد الجامع لوالدة الإله الذي احتفلنا به في اليوم التالي من عيد الميلاد المجيد. هكذا جرت العادة في بعض الأعياد السيّدية أن يُكرَّم الشخص المرتبط مباشرة بالحدث السيّديّ.
ولد القدّيس يوحنا المعمدان من والدين تقيين طاعنَين في السنّ هما الكاهن زكريا ووزوجته أليصابات التي كانت عاقرًا. فكان ميلاده عجيبًا. (راجع إنجيل لوقا الإصحاح الاوّل)
– أعياد القدّيس:
للقدّيس يوحنا المعمدان ستّة أعياد على مدار السنة وهي:
* تذكار مولده في 24 حزيران.
* تذكار قطع رأسه في 29 آب.
* تذكار الحبل به في 23 أيلول.
* تذكار العيد الجامع في 7 كانون الثاني.
* تذكار وجود أوّل وثاني لهامته في في 24 شباط.
* تذكار ثالث لوجود هامته في 25 آيار.
– الرّب يسوع تكلّم عنه وعن لباسه ورسالته:
“ابْتَدَأَ يَسُوعُ يَقُولُ لِلْجُمُوعِ عَنْ يُوحَنَّا: «مَاذَا خَرَجْتُمْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لِتَنْظُرُوا؟ أَقَصَبَةً تُحَرِّكُهَا الرِّيحُ؟ لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَإِنْسَانًا لاَبِسًا ثِيَابًا نَاعِمَةً؟ هُوَذَا الَّذِينَ يَلْبَسُونَ الثِّيَابَ النَّاعِمَةَ هُمْ فِي بُيُوتِ الْمُلُوكِ. لكِنْ مَاذَا خَرَجْتُمْ لِتَنْظُرُوا؟ أَنَبِيًّا؟ نَعَمْ، أَقُولُ لَكُمْ، وَأَفْضَلَ مِنْ نَبِيٍّ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي كُتِبَ عَنْهُ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ يَقُمْ بَيْنَ الْمَوْلُودِينَ مِنَ النِّسَاءِ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ، وَلكِنَّ الأَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ أَعْظَمُ مِنْهُ (. (متى ٧:١١-١١).
يشرح القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن عظمة النبي يوحنا فيقول: “تنبأ الأنبياء الآخرون عن يسوع أنّه قادم، أمّا يوحنا فأشار بإصبعه أنّه جاء حقًا، قائلاً: “«هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!” (يو ٢٩:١). لم يكن المعمدان مجرّد نبيّ، ولكنّه عمّد المسيح أيضًا.
بهذا حقّق نبوءة ملاخي إذ تنبأ عن ملاك يسير أمام الرّب. يوحنا انتمى إلى طغمة الملائكة، ليس حسب الطبيعة، بل في حياته ورسالته. فكلمة “ملاك” بالعبرية تعني أيضًا رسول، وهنا هو الرسول الذي يعلن مجيء الرّب.
وهذا بالتالي ما تردّده الكنيسة في طروباريته:
تذكار الصدّيق بالمديح، امّا أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرّبّ، لأنك بالحقيقة قد ظهرت أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد استأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به، لذلك إذ شهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بالإله الظاهر في الجسّد، الرافع خطايا العالم والمانح إيانا الرحمة العظمى.
الليتورجية تخبر عن القدّيس يوحنا:
– هو الوسيط بين العهدين القديم والجديد وخاتمة الأنبياء
– هو مقام من الشريعة والنعمة في آن، مختتماً الأولى ومفتتحاً الثانية
– هو خاتمة الناموس وباكورة النعمة الجديدة
– هو مساوِ للملائكة بسيرته الغريبة وقد أجاز حياته كمثل ملاك على الأرض، وسكن القفر “منذ عهد الأقمطة”
– هو نموذج الزهد والبتولية وحياة التوبة واللاهوى.
– هو زعيم الرهبان وساكن القفار.
– هو لا يكفّ عن الإعداد لمجيء السيّد فينا.
– شهادة القدّيس يوحنا للمسيح هي في كلّ جيل ولكلّ جيل. “أعدّوا طريق الرب. أجعلوا سبله قويمة”.
أسماؤه وألقابه:
القدّيس يوحنا المعمدان له عدّة أسماء أو ألقاب مرتبطة برسالته:
1- ملاك الصحراء:
هذه التسمية أو اللقب نتيجة نبوءة أتت في سفر ملاخي في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا.
كلمة ملاخي هي كلمة عبريّة تعني “ملاكي” أو “رسولي”. وهي تعني هنا ملاك الرّب المرسل من قبله والذي يُعلن خلاصه.
أتى هذا السفر في خضم مرحلة فساد كبيرة جدًا عند الشعب اليهودي، فقد طلّق رجال يهوذا زوجاتهم اليهوديات وتزوّجوا بوثنيات، وعاشوا في زنى وغش وظلم للبائسين، وأهملوا خدمة الهيكل ودفع العشور والتقدمة ودنّسوا السبت، وكانت مخافة الله شبه معدومة.
.كان بعضهم يفسّر أقوال الأنبياء تفسيرًا زمنيًا أي يحدّها ويحصرها في فترة الحكم الملوكي الأرضي وبالتالي لم يدخلوا في مقاصد الله وتدبيره الخلاصي
بالمقابل ساد منطق القوّة والشر بشدّة، فأمام المجاعات التي اجتاحت الشعب شكّوا في محبة الله لهم، وقالوا إنّه لا فائدة تجنى من فعل الصلاح وطاعة الوصايا، فالشرير والمتكّل على ذاته هو الذي ينجح، لذلك يحدثهم السفر عن حقيقة خطاياهم وريائهم الذي أوصلهم إلى هذه الحالة المظلمة.
وأبرز دعوة دعاهم إليها النبيّ هي التوبة وترك خطاياهم لتعود لهم البركات.
والجدير بالملاحظة أن النبيّ ملاخي ذهب أبعد من التوبة ليقول بمجيء المسيح الذي سيأتي بالخلاص وملء البركات. لذلك فلقد تنبأ ملاخي عن مجيء المسيح بصورة واضحة.
هذه النبوءة ينتهي بها الكتاب في العهد القديم لتلهب القلوب بانتظار المسيح شمس البر، وبهذه النبوءة ينتهي زمن الأنبياء، فلن يأتي أنبياء بعد ملاخي، وأوّل من سيأتي هو القدّيس يوحنا المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيح.
وهنا كان من المفترض أن يأتي دور الكتبة والفرّيسيين والكهنة الذين كان يجب أن يفسّروا النبوءات بروح العفة والطهارة.
آية ملاخي والنبي وتفسيرها:
نقرأ في الإصحاح الثالث من هذا السفر “«هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (ملاخي ١:٣). وبهذه الآية بالذات افتتح مرقس الإنجيلي بشارته ليتكلّم عن يوحنا النبيّ (مرقس ٢:١).
كلمة ملاك في آية ملاخي مذكورة مرّتين:
* في المرّة الأولى تمثّل المرسَل أيّ الملاك الذي سيرسله الرّب ليعدَ طريقه، إذ أن المتكلّم هنا هو ربّ الجنود، أي الله نفسه.
* في المرّة الثانيّة تعني المسيح الذي هو ملاك العهد. والذي سيأتي قبله من يهيئ الطريق أمامه كملاك أيضًا. وهذا هو الارتباط بين اسم النبي وموضوع نبوءته.
فهذه الآية هي تهيئة لمجيء المسيَّا وجواب لأيّة تسبقها مباشرةً، يظهر فيها استهزاء الأشرار واستخفافهم بمجيء الربّ وخلاصه: “أين إله العدل؟” (ملاخي ١٧:٢).
لقد هيأ الله البشريّة لمجيئه منذ سقوط آدم وحواء إذ أعطاهما الوعد:“وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ،وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَه”(تك ٣: ١٥). وجاء الآباء البطاركة الأول (لثلاثة الأوّلون) ثم الأنبياء يقدّمون رموزًا ونبوءات عن مجيئه، وأخيرًا أرسل الله يوحنا المعمدان كملاكٍ يهيئ الطريق للمسيّا المخلّص الموعود به،فكان خاتم أنبياء العهد القديم، والسابق والصابغ للربّ يسوع المسيح.
وتتوافق هذه الآية مع أمرين:
– الأمر الأوّل ما قاله الملاك جبرائيل عن الصبي يوحنا لزكريا الشيخ والده:
“وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ. وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا».” (لوقا١٦:١-١٧).
– الأمر الثاني ما تنبئ به زكريّا بنفسه بعد أن حل الله رباط لسانه فور ولادة يوحنا، وتدوين اسمه على لوحٍ: “وَأَنْتَ أَيُّهَا الصَّبِيُّ نَبِيَّ الْعَلِيِّ تُدْعَى، لأَنَّكَ تَتَقَدَّمُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ لِتُعِدَّ طُرُقَهُ.” (لوقا ٧٦:١).
واضحٌ أنّ رسالة القديس يوحنا المعمدان هي نبويّة إلهيّة مسيانيّة. إنّها رسالة استلمها من السماء لأهل السماء، أيّ البشريّة التي أضاعت غالبيّتها هويّتها الحقيقيّة.
لقد خُتمت كتُب العهد القديم بهذا الوعد بانتظار من يأتي ويحقق الوعد ألا وهو واضع الشريعة والناموس صاحب العهد القديم، ويفتتح عهدًا جديدً بتجسّده وصلبه وقيامته.
المفارقة هنا هي التالية:
“الخلاص ليس بالانتماء الجسدي العضوي لإبراهيم أبي الآباء، بل بمجيء ذاك الذي ترجّى إبراهيم مجيئه أيّ الرّب يسوع المسيح. “وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ.” (غلاطية ١٦:٣).
يؤكّد النبي ملاخي أن المسّيا الرّب يأتي بغتة إلى هيكله، الذي يطلبه الأتقياء، خائفوا الربّ، منذ أيام آدم وحواء. إنهم ينتظرونه بفرحٍ عظيمٍ.
– “كانوا ينتظرون تعزية إسرائيل (لو٢٥:٢)، والجميع ينتظره (لو٣٨:٢)، إذًا هو ” وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الأُمَمِ” (حجي٧:٢). ويجد الناس كلّهم فيه مسرّة قلوبهم.
– “يأتي بغتة”: وهنا معنى زمني واسخاتولوجي (أخرويّ).
فعن ميلاده الزمني أكّد الكهنة أنّه يولد في بيت لحم أفراتا، لكنّه جاء بالنسبة إليهم بغتة، إذ لم يتهيؤوا لمجيئه، رغم معرفتهم بذلك.
وبالنسبة إلى مجيئه الاسخاتولوجي أي المجيء الأخروي (الثاني، في آخر الأزمنة)، فيسوع هو فاتح الأسفار والكتب، وهو الديّان العادل.
– “إلى هيكله”: والهيكل هنا هو أبعد بكثير من الهيكل الحجري، بل هو الإنسان نفسه. “فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُماَ: «اذْهَبَا وَأَخْبِرَا يُوحَنَّا بِمَا رَأَيْتُمَا وَسَمِعْتُمَا: إِنَّ الْعُمْيَ يُبْصِرُونَ، وَالْعُرْجَ يَمْشُونَ، وَالْبُرْصَ يُطَهَّرُونَ، وَالصُّمَّ يَسْمَعُونَ، وَالْمَوْتَى يَقُومُونَ، وَالْمَسَاكِينَ يُبَشَّرُونَ” (لو٢٢:٧).
صحيح أنّ المسيح لم ينقض الناموس ولا الشريعة، ولكنّه بالمقابل ذكّر اليهود والفريسيين أن الله جعل السبت لخدمة الإنسان وليس العكس. وصحيح أنّه علمّنا احترام الهيكل وحرمته، إلّا أنّه أكّد أنّه يريد أن يسكن في قلوبنا. هذا هو العهد الجديد.
“بَلْ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا.” (إرميا ٣٣:٣١).
2- خاتمة أنبياء العهد القديم:
هو آخر نبيّ أعلن مجيء الرّب يسوع المسيح فكان وسيطًا بين العهدين القديم والجديد.
الأناجيل الأربعة ذكرته بدورها:
– «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّماوَاتِ. فَإِنَّ هذَا هُوَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً» (مت ٢:٣-٣).
– “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً» (مرقس٢:١-٣).
– “فجاء (يوحنا) إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. كما هو مكتوب في سفر أشعياء النبي: «فَجَاءَ إِلَى جَمِيعِ الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ بِالأُرْدُنِّ يَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ أقْوَالِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: «صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً. كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَالشِّعَابُ طُرُقًا سَهْلَةً، وَيُبْصِرُ كُلُّ بَشَرٍ خَلاَصَ اللهِ»” (لو٣:٣-٦).
– “وَهذِهِ هِيَ شَهَادَةُ يُوحَنَّا، حِينَ أَرْسَلَ الْيَهُودُ مِنْ أُورُشَلِيمَ كَهَنَةً وَلاَوِيِّينَ لِيَسْأَلُوهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَاعْتَرَفَ وَلَمْ يُنْكِرْ، وَأَقَرَّ: «إِنِّي لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ». فَسَأَلُوهُ: «إِذًا مَاذَا؟ إِيلِيَّا أَنْتَ؟» فَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا». «أَلنَّبِيُّ أَنْتَ؟» فَأَجَابَ: «لاَ». فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ، لِنُعْطِيَ جَوَابًا لِلَّذِينَ أَرْسَلُونَا؟ مَاذَا تَقُولُ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: «أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ، كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ» (يو١٩:١-٢٣).
3- السابق Πρόδρομος:
كلمة سابق أي سبق مجيء الرّب. وقد نادى يوحنا بيسوع فاديًا ومخلّصًا وأعظم منه بكثير. هذه هي قداسته أنّه اعتبر نفسه لا شيء أمام إلهه.
“وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلًا: «يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِه» (مر٧:١).
“أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ” (يو٣: ٢٨-٣٠).
كونه السابق نشاهد دائمًا في الإيقونسطاس (أي حامل الأيقونات) أيقونة القدّيس يوحنا المعمدان على يسار أيقونة السيّد أيّ الرّب يسوع.
4- الصابغ:
كلمة الصابغ مشتقّة من فعل صبغ وهذا يعني التغطيس الكامل من أجل محو ما هو قديم وأخذ حلّةً جديدة.
ولهذا الفعل معنى لاهوتيٌّ كبير جدًا في المسيحية فهو يشير إلى موت يسوع وقيامته.
جواب يسوع لابني زبدة بشأن طلبهما الجلوس عن يمينه وعن يساره، هو خير جواب لكلمة اصطباغ ويعطي المعنى الكامل والحقيقي لفعل صبغ وكلمة “الصابغ”: «فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الَّتِي سَوْفَ أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟» قَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ» (مت٢٢:٢٠).
ملاحظة: فعل “صبغ” باللغة اليونانيّة βαπτίζω Baptízō وترجم إلى اللغة الإنكليزية To Baptize.
وإذا أنعمنا النظر، وجدنا ما يلي: “أَنَا أُعَمِّدُكُمْ بِمَاءٍ لِلتَّوْبَةِ، وَلكِنِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي هُوَ أَقْوَى مِنِّي، الَّذِي لَسْتُ أَهْلًا أَنْ أَحْمِلَ حِذَاءَهُ. هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَار” (مت ١١:٣).
النار تحرق الخطايا ولكنّها أيضًا قوّة. فعمادة الرّب لا تعادلها أي معمودية أخرى. وهذا ما قاله سابقًا النبي أشعياء: “إِذَا غَسَلَ السَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ الْقَضَاءِ وَبِرُوحِ الإِحْرَاقِ” (أش٤:٤).
الخصائص المشتركة في أيقونات القدّيس يوحنا المعمدان:
– رشاقة قامته: دلالة على حياة النسك والصوم. كان طعامه جراداً وعسلاً برّيًا.
– الطابع النسكي على وجهه: تحمّل حياة الجفاف والفقر في الصحراء، وكان مجاهداً الله ودائم الاستعداد لإعلان كلمته.
– ثيابه: لونها أخضر ترابي من وبر الإبل. هذا ما ورد في الإنجيل، وفي هذا يشبه نموذج إيليا.
– ملاحظة:
في معظم الأيقونات نرى رأسه مقطوعًا لأنّه استشهد من أجل الحق ا لذي هو المسيح. يوحنا لم يساوم على إعلان الحق وأعلن لهيرودس خطيئته جهارًا.
لماذا يظهر القديس يوحنا المعمدان في العديد من الأيقونات ذات الأجنحة؟
“كانت الحياة التي عاشها يوحنا في الصحراء ملائكية لسببين. فمن ناحية أعلن مجيء المسيح ، يسوع المسيح ، ليصبح مبشرًا لله مثل الملائكة. ومن ناحية أخرى ، عاش حياة العفة والامتناع والصلاة ، غير مدرك للاحتياجات المادية ، ولكن مع تركيزه على السماء. هذه هي حياة الملائكة ، ولماذا يُطلق أحيانًا على طريقة الحياة الرهبانية اسم “ملائكي” ، وكذلك سبب كون القديس يوحنا راعي الرهبان والنساك والزهد. لكلا السببين ، من المناسب إظهار القديس يوحنا بأجنحة حمامة روحية “.
© Copyright Greek Orthodox Patriarchate of Antioch and All the East