البساطة
القديس مارفيلوكسينس
-
هذا المكان هو سوق الخيرات، حيث يليق بنا أن نتحدث دائما عن المنافع الروحية،لأنني أراكم أيضا تريدون أن تسمعوا حديثا نافعا وليس لمجرد التسلية أو كفرصة للمسرة.
فالأحاديث التي تقال لتسر الأذان أ لتثير الإستحسان وتجلب مديح السامعين لا تناسب مكان التواضع هذا،إذ ينبغي بالأحرى أن تماثل المكان الذي تقال فيه.فالمكان الذي نجتمع فيه هو مكان الأرباح والمعونات الروحية إذا، لنتكلم ببساطة ونقدم المنفعة السرية لمن يتكلم ولكل من يسمع؛ لأنه مكتوب “ليشارك الذي يتعلم الكلمة المعلم في جميع الخيرات”(غل6:6).
-
تكلمنا في حديثنا السابق عن البساطة والنقاوة.وعن هذا الموضوع النافع عينه سوف احدثكم الأن أيضا. فالبساطة هي فضيلة تناسبنا وهي تخصنا: ونحن بغيرها لانستطيع أن نحيا في ممارسة الأعمال الصالحة.فكما أن الأعضاء لاتقدرأن ترى بغير العين، هكذا فإن الأعمال الصالحة لايمكن ممارستها بدون البساطة، وكما أن كافة الأعضاء تصير في ظلام عند فقدان البصر، هكذا فإن جميع الخيرات تتوقف عند غياب البساطة.
-
البساطة تناسب سيرتنا الرهبانية بوجه خاص، ونقاوة القلب تليق بالأكثر بمن تركوا العالم ويعيشون خارجا عنه ليس للمكر مايفعله هنا حيث لا يوجد أي شيء من أمور العالم فليس عندنا بعد لاشراء ولابيع ولا تجارة تطلب أرباحا زائلة المرء هنا لا يتعالى فوق أخوته ولا يمتلك سلطة على رفقائه. والأخ هما لايتعظم عللى الأخرين ولا أحد يتعظم عليه،لأنه ليس لدينا أي سبب للتعظم. لاتوجد حقول ولا كروم للقسمة ولاأراضي لحفظ حدودها.ليس هنا من يريد أن يكون أغنى من أخيه أو يمتلك خيرات العالم أكثر من رفيقه الإنسان هنا لايتباهى بالثياب الفاخرة طالما أن نحن جميعا لانلبس غير ثوب واحد، هو ثوب النسك والتواضع، الأخ هنا لا يستعبد لبطنه ولا يطلب أصناف الاطعمة ، لأن جميعنا نتناول طعامنا على مائدة واحدة عادية، الإنسان هنا لايريد أن يخطف لنفسة كرامة اخيه طالما أننا مطالبون جميعنا أن يكرم كل واحد منا الاخر. المرء هنا ليس له دعوى على رفيقه مادمنا ندافع كل واحد عن حقوق الأخرين. الإنسان هنا لايشتهي أن يبنى أو يشيد قصرا، لأننا نحن جميعا لنا مسكن واحد هو ديرنا هذا، وهو صغي وضيق فالمرء هنا لايطلب أن يوسع مسكنه ويقتني لقلايته اسرة فخمة ، طالما نحن نرقد على الأرض باتضاع في المكان الذي يتسع لجسدنا فقط.
4- هنا حيث الأمور تختلف عما هي في العالم، يجب بالأولى الا يوجد فيها مكر العالم وهنا حيثأ قصيت وانتفت تدابير العالم، من الائق ايضا أن يرفض مكره وخداعه لقد ازدرينا الأشياء المادية، فلنتحتقر أيضا المكر الذي يصارع من أجلها.لقد صلبنا الأنسان العتيق مع كل شهواته، فلنصلب أيضا المكر الذي هو المحام يعن الانسان العتيق لقد رفضنا الكذب ، فلنرفض أيضا المكر الذي يلده لقد طردنا عن الرياء ، فلنطرد أيضا معه أباه وأمه. فالمكان الذي اختفى منه الخداع وانتفى منه الكذب من الواجب أيضا أن يزدرى فيه بالمكر والرياء اللذن هما أباهما وأمهما تحت ثوب الشعر الذي نرتديه فلنكرم البساطة التي تليق به؛ فرداء الكتان لم يعد ملائما لمظهرنا الخارجي، والثياب المطرزة والمزينة لم تعد شيئا جميلا يناسبنا، فكم بالاكثر يكون المكر غير ناسب لتدبير التلمذة، والرياء غير لائق بسيرتنا ليس يناسبنا أن نزين رؤوسنا مثل الفسقة والمنحطين لايليق بنا أبدا أن نكون منافقين الرياء هو أول أعمال العدو؛ والمكر هو قنية المنافق وجميع خدامه أما البساطة فهي غنى المسيح وجميع تلاميذه.
5- المكر لايفيد إلا في الأمور العالم وللذين ينصرفون الى السلب والاغتصاب،والخداع لايلزم ألا للظلم والغش.فكما قال سليمان الحكيم:”إن الحكمة لا تلج النفس التي تهذ بالشر ،ومعرفة الروح لا تحل في الجسد المغلوب للخطية.(حك4:1). النفس التي تهذ بالشر هي ممتلئة بالمكر، لأن المكر هو الذي يخترع الشر. من يريد أن يخدم الشهوات يسعى لكي مايصير تلميذا للمكر، فهو بتعليمه وبمكائد الإثم التي يظهرها يتفنن في إختفاء أعماله الرديئة ويتغاضى عن الأفعال البغيضة التي يأتيها. أما أولئك الذين قد رفضوا الشهوات وقمعوا الأوجاع البشرية فإنهم يقتلعون أيضا جذورها. ويقطعون ويطرحون عنهم الأسباب التي جعلتها تنمو فيهم.
6- ولأنه لايوجد مكر في السماء، فلا يوجد غش ردىء عند جبرائيل وميكائيل،ولا يوجد رياء أو تدابير رديئة في تلك المواضع الروحانية ليس هناك نفاق في أورشليم المنيرة مدينة الحياة. ولا يوجد هناك من ينغلب للكذب، لأن الكذب لا مكان له في ذلك البلد ، ولا يحتاج الإنسان أن يخفى أعماله البغيضة أو يتحايل لكي يستر مافعله من شر. وكما أن مثل هذه الأمور لاتوجد في بلد الروحانيين، فلا ينبغى أن توجد في موضعنا هذا الذي هو مثال لما هو هناك؛ لأن تدبيرنا هو نفسه تدبير أولئك الكائنات الروحية،ومسكنا هو شبه المنازل السمائية، وعملك الذي من أجله أنت لابس جسدا هو مساو لعمل الكائنات العلوية غير المتجسدين. ومايليق بك هو ماكرز به بولس الرسول : “أعينكم تلرى جسديا لكن خدمتكم كلها روحية تلبس أجسادا، مسكنكم جيد وصاف ونقي ومقدس، وهو صورة مطايقة للمسكن العلوي الذي للكائنات الروحية.
7- كل تدبير تلاميذ الرب يسوع يتضمن البساطة، فغذا تركت البساطة ألم بك القلب والانزعاج البساطة هي لنا عنوان المجد،من يقتنيها حكيم وكما أن الانسان البسيط يعتبر عند الناس مثل ابله هكذا فان الماكر يعتبر عند حكماء ذلك البلد الروحاني مثل أحمق ، لأنه اقتنى في ذلك الموضع شيئا لايناسبه ووجد هناك ماليس له أتبحث عن الأشجار والنباتات وسط أمواج البحر؛ أو تطلب أن ترى الأمواج والأنوار على الأرض الناشفة ؟ كل شيء من هذه الأشياء إنما يطل بفي موضعه وهناك نجده.وهكذا ليس من الللائق أن يوجد المكر في البلد النقي الذي للروحانيين مكان المكر هو العالم لأنه ممتلىء بالشر، وكما أن الغناء لا يناسب الجنازات ولا البكاء حفلات العرس، هكذا إنه من غير الللائق أن يوجد مكر الشر ف بلد البساطة وفي موضع الأرباح الروحية يعتبر المكر خسارة عظيمة لجماعة الروحانيين.
8- لايكن كلامك مع أخيك بغش في أي شيء يلزمك المكر؟ أنت لم تأت الى الدير لكي ماتقتل البار في الخفاء،فما هي فائدةالمكر والخداع لك؟ لماذا تفتخر أيها الجاهل بما أنت مطالب أن تعمله؟ لماذا تتعظم بما يخزيك؟ أتستعلي بما تستحق عليه التوبيخ ؟ لماذا تفتخر بما هو ليس لك؟
أن ماتعلمته من مكر هو من العالم، وبواسطته أنت مدان موجود كل سيئات العالم عندك، لأن الثمار ترتبط بالشجرة الت يتحملها، والمكر هوشجرة الشر،وحيثما توجد تكون معها كافة الشرور وإن كانت فقد لاترى في الأعمال الظاهرة فهي مخفية في الافكار ، لأن المكر هو مرض النفس كما أن البساطة هي صحتها ، هل رايت قط مريضا يفتخر بمرضه، أو معذبا يتباهى بعذاباته ؟
الراهب الماكر ينبغي أن يخجل لأنه وجد فيما لايليق به: فكما أنه أمر مخزي وشائن له أن يتحدث مع إمرأة زانية،هكذا هو أمر معيب إن وجد عنده المكر الذي هو يشبه الزانية لأن المكر هو بداخل النفس يشبه الزانية وسط الساحة وكما أن تلك المرأة تتكلم مع جميع الناس وتتزين بكل نوع لكي مايجدها كل واحد حسبما يشتهي، هكذا أيضا فإن المكر يتراءى بكل نوع يناصب كل النفوس ويظهر بأشكال مستعارة ومزينة لكي مايصير مقبولا عند كل شخص المكر يعمل بعكس ماكتبه الرسول بهذا الخصوص : “صرت للكل كل شيء لكي أريح كل الناس” (اكو22:9)؛فهو (أى المكر) كل شيء للكل لكي يهلك كل الناس ويهزأ منهم ويضحك عليهم. فإذا كان هذا هو عمل المكر، كيف يكون لائقا لتلميذ المسيح وكيف يسمح له أن يجد موضعا عند الرهبان والبسطاء؟
9- تأمل بعين المعرفة وافهم أن سائر الشرور تنشأ من المكر “فالنفاق يكون بواطته، والكذيب يوجد فيه، والافتراء قريب منه ، والاستهزاء صديقه، والخداع وكره، والاغتياب الردىء مسكنه، والغش وعدم الأمانة هما تعليمه، والاختلاس شريكه، والتزييف نصيره،والفسق محاميه، والرياء ثوبه المزدوج، وهو ينصب الفخاخ ويقدم شهادات الزور، وهو ام لكثرة الأكاذيب .وبإختصار فإن كل الخطايا تتخذه مدافعا يدافع عنها ، وبإخفاء بعضها والتماس الاعذار لبقيتها،وهو بمضا عفة الجدال واختلاق الملل يدفع ببطلانها، ويجتهد أن يظهرها بأشكال أخرى ويقول إنه لا موضع لها وأنها لم ترتكب عن قصد، فكل بلاغه الكذب تتجمع عنده.
10- المكر يصاحب القضاة عندما يريدون الخداع،والرؤوساء يستعملونه لكي مايحصلواعلى الرشوة،وهو يرافق المجرمين عند محاكمتهم ، والزوجة التي تريد أن تخدع زوجها تتخذ المكر صديقها وتخرج في طريق الفساد التلاميذ يستخدمونه لكي يكذبوا على معلميهم، والمحامون الذين يترافعون أمام القضاة يثرون أقوالهم به ويصنعون شهرتهم بنفخته المكر ينصب فخاخ الإثم ويثبت الشراك في طرق المسافرين، ويخفى شباك الخداع ويحفر حفر الهلاك المكر يطالب مرة ثانية بسداد ديون قد تم دفعها ، من قبل أن يقترب منه لايقبلل الكذاب التراضي ، فهو مستعد أن يكذب، ولكن المكر هو الذي يعلمه كيف يكذب الإرادة الرديئة تهيء الكذب والمكر يشير عليه كيف يستخدمه ويبدأ في السير معه في الطريق المخالف للحق ، ويدعو المكر قائلا: تعال في صحبتي إثم يمضي في الطريق.
11- المكر هو معلم جميع الشرور والمدافع المستعد تماما لكافة الأعمال البغيضة .إنه يحمل شكل الكل ويترافع ويلتمس الاعذار للكل كأنما المكر يقول للخبث: افعل الشر كما تريد ولتتلذذ جميع أعضائك بالشهوات التي تروق لها، ولتتمتع كافة حواسك بكل ماتحب، ولتكن ثمارك حلوة لمذاقتها،ولتنمو وتنضج استمع بكل ما تشتهيه ولا تحبس عن نفسك شئا ابتهج ولا تغم عينيك : تحرك بالإثم الذي يسرك،واعمل الخطية والشهوة كما يحلو لك وامضي ف يطريق الشر حتى النهاية ولا تخف، كن ماهرا تماما في كل الأعمال البغيضة ولا تتردد. لاترعبك انذارات القوانين، ولا تخيفك تهديديات الدينونة، ولا تفزع من صوت الحكام،ولا تهتم بصراخ الرؤساء إنني -والكلام للمكر- قد جندت نفسي من أجلك ضد الكل ، وأنا أتكفل بالدفاع عنك مقابل كل الذين يتهمونك فمن السهل عندي أن أضفر المدحمع كل أخطائك، وأجعل كل ما يفكر الاخرون في إدانتك به إكليل غلبة لك كل اهتمامي هو بك، وأنا أقضي الليل والنهار متفكرا فيك وفي المحاماة عنك كلما دعت الضرورة أنت أيها الخبث تلذذ بمسراتك، وأنا – المكر- أتعلم فن الخطابة من أجلك سوف أسد أفواه المدعين عليك، وأغلب العدالة التي تتهمك، وأسكت صوت ضمير الذين يحكمون على أخطائك.أنا المكر لسانك أيها الخبث، لقد تهيأت أن أكون لك فما فصيحا، وكل لسان يريد أن يرتفع ضدك أنا أسكته وأدينه هذه هي التشجيعات التي يقدمها المكر للخبث ،الكلام الذي يستحثه به ويدفعه للإثم.
12- المكر هو شر الخبث وقوة الخطية وحياة الحسد في الأعمال البغيضة وإذا لم يوجد المكر ربما يتوقف الخبث خوفا من الحكم والدينونة التي أعدها العدل فالمكر إذا هو أسوأ كافة الشرور، إنه حصن الخطية، فبعد أن يكمت الخبث في الطرق وينهب كل الناس يسرع لكي يحتمي فيه من مداينيه، ويختفى عن أنظار طالبي العدالة الذين يتتبعون أثاره.
13- ها أنت ترى أي شيء تفتخر أيها التلميذ البائس، وبماذا تتباهى أيها الذئب اللابس ثوب الحمل! إن كان المكر فيك فإن كل الاثام هي عندك، وأن كان الخداع في نفسك فكافة الخطايا هي ساكنة فيك وإن كانت حياتك تمضي في مكائد الغش والنفاق، فكل الخبث كامن فيك أعمالك البغيضة لا ترى في الخارج لأن المكر يخيفها، لأنه يعد الذي يصير له تلميذا أن يتستر على خطيته فالمكر إذا لايناسبك، لأنه أم جميع الشرور، والخبث لا يليق بتدبيرك الروحاني، لأنه وكر لكافة المساوئ.
14- أها أنت أيها التلميذ المخلص فافرح ببساطتك التي تسعى بها في طريق البر، ولا تخجل من أن تدعى طفلا فهذا الإسم يوافقك، وهذا اللقب أنت أهل له: فبواسطته تعرف أنك أنقى من كل إثم، لأن إسم الطفل يشهد لنقاوته، وإسم البسيط يعلن أنه لايوجد عنده أي مكر أو خداع فكما أن الصناع في العالم أو الجنود أسماؤهم تعرفنا بصنعتهم أو برتبتهم، هكذا أيضا إسم التلميذ يعرفنا هنا أنه بسيط اجتهد إذا أن تدعى بذات الإسم الذي يدعى به الله ! لان إسم البسيط يعرفنا بمن هو وحيد فريد(غير منقسم).
15- البسيط لاتجد عنده رياء أو نفاق، وهو لاينصب الفخاخ، وليس للكذب عنده مكانا ولا للغش ولا للافتراء وهو لايغتاب رفيقه في السر، ولا يسعى لعمل الشر، ولا يفكر في الإساءة، ولايسلك بخداع من قريبه، ولا يعمل بخبث ضده ويجلس مع أخيه بسلام البسيط إناء مختار نقي، وجيرانه هم أبناء النور ليس شيء من الشرور يوجد عند الطفل في هذا العالم، كم بالأولى لمن كان قلبه بسيطا، فلا شيء عند الطفل من أجل طفولته، ولا شيء عند البسيط لسبب بساطته.
16- في اسم البساطة تجتمع كل الصالحات، كما أنه تحت سم المكر تتجمع كل الشرور البساطة هي حقل مفلوحة تقبل بذار وغروس الفضائل والمكر أرضا مملوءة شوكا وحسكا التي هي الأفكار المتقسمة والباطلة. وكما أن البذرة الجيدة تتوقف عن النمو في حقل مملوء شوكا وحسكا، هكذا أيضا فإن النمو البسيط للإيمان توقف بسبب أفكار المكر المنقسمة وكما أن نمو البذرة الجيدة يكون سليما في أرض نقيت من أصول الأشواك، هكذا أيضا فإن نمو كلمة الحق يزهو في النفس البسيطة، ولأن البساطة لا تفحص.
قول الإيمان ، ولا نبحث لماذا أوصى الله هكذا ، فليس عندها أي انشغال سوى بما طلب منها أن تعمله ، إنها تنصت بإستقامة ، وتقبل بنقاوة وتلاحظ ببساطة . البساطة تتحرك بغير ألم ، وهي لا تنهمك بأفكار تناقض بعضها بعضاً.خدة البر سهلة جداً عندها ، وهي تتقدم بلا معوق في طؤيق أعمالها .
17- لقد علم ربنا تلاميذه نقاوة الأطفال لكي يجعلهم يقتنون البساطة ، لانه رفض الماكرين واختار البسطاء، لقد أبعد عنه المرائين والكتبة وقرب إاليه العاميين والجهال . كان حنان مخادعاً وقيانا ماكراً والفريسيون محتالين والكتبة مزيفين ، ورفضهم ربنا جميعاً .عوض قيافا اختار سمعان ، وعوض حنان اهتار يوحنا ، واندريا بدلاً من الكتبة ومتى بدلاً من الفريسيين ، وفيلبس مكان الحكماء ، وبرثولماوس مكان المخادعين ، ويعقوب بدلاً من الماكرين ، وجماعة البسطاء مكان مجمع المحتالين ، والذين لا يعرفون شيئاً مكان الذين يظنون في أنفسهم كاملون في المعرفة ، لأن الحق يضيء كل حين في البساطة والإيمان يزهو في الطفولة.
18- وبعد أن رفض الرب مجامع الحكماء وجماعات الماكرين والمرائين ، واختار عوضاً عنهم الخطاة والجهال العاميين ،علمهم أن يضيفوا إلى بساطتهم أمراً أخر ولا يكتغون بالوقوف عند الدرجة الأولى من طفولتهم ، فقد دعا إليه ولداً أقامه في وسطهم وقال : “إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هذا الولد فلن تدخلوا ملكوت السموات” ( مت 18=3 ). وقد فعل ذلك لأنه رأهم قد ابتعدوا عن روح بساطتهم بسؤالهم عن الكرامة وطلبهم أن يصير الواحد منهم أعظم درجة من الأخرين : والتلاميذ لم يضعوا سؤالاً مثل هذا ، لكنه تولد عندهم من روح ماكر ، وقد أوقفه الرب عند حده وقال لتلاميذه موبخاً إياهم بشدة : إذا كنتم حقاً تلاميذي فكونوا بسطاء ، وإن رغبتم في ملكوت السموات تمثلوا بهذا الولد ، وإن أردتم أن تحظوا بالحياة الأبدية كونوا أنقياء ، وإذا كنتم تطلبون أن تصيروا حكماء في كلمة الحياة امكثوا كما أنتم جهلاء . كبسطاء لست أريدكم أن تصيروا ماكرين ، بل كبسطاء كونوا حكماء. الذي يتحول من البساطة الى المكر ينحدر إلى أسفل، أما الذي ينطلق من الطفولة الى الحكمة فهو يسمو الى فوق ، فالمكر لا يستطيع أن يقبل تعليمي . لقد اخترتكم لكي تصيروا أطفالاً . إن ما رذلته عند الأخرين هو المكر ، فاحترزوا من أن يكون عندكم لئلا أرفضكم بسببه .وليكن هذا الولد مثالاً لكم = فكما أنه لا يرغب في أي شيء من العالم ، ولا يطلب شيئاً من الناس ، لا درجة ولا كرامة ولا غنى ولا سلطاناً ، بل غذاؤه وكساءه فقط ، لان هذا هو ما تحتاجه طفولته ، هكذا أنتم أيضاً كونوا أطفالاً مثله ، أبرياء وبسطاء بشبهه ، لكي تصيروا تلاميذي المختارين ، ولكي ما أجدكم كما اخترتكم . هوناربنا يسوع من خلال وصيته هذه يحثنا على البساطة ويحرضنا على النقاوة وعلى البراءة.
19- لا ينبغي أن نخجل من البساطة أو نرفضها كأنها شيْ من العالم لا يفيدنا . ولا ينبغي أن يكون البسطاء محتقرين في أعيننا ، أو أن نعتبرهم كمن لا يصلحون لشيْ . إنهم غير لازمين للعالم ولكنهم نافعين ولازمين لملكوت الله . فالمرفوض من الناس هو مختار عند الله . والرسل واجهوا الرفض من العالم كله، وربنا يسوع نفسه كان مبغضاً ومرفوضاً عند جميع اليهود . إذا فالذي يرذل البسطاء ويحتقرهم ويزدري بهم لكونهم بسطاء يحسب بحق مع اليهود والكتبة والفريسيين الذين رفضوا المسيح وتلاميذه .
20- انظر أي عقاب يتضمنه قول المسيح عن الذي يعثر البسطاء ، واحترس من أن تعثرهم : ” من أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي ، فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحر ” (مت 18: 6) . ومع أن هذا القول يفسر بمعاني أخرى ، إلا أنه يؤخذ أيضا بهذا المعنى إنه يجب أن لا يستهزىء المرء بمن يتصف بالبساطة والبراءة. لأنك إذا استهزأت به فإنك إنما تسخر من بساطته وتحتقر هدوءه ، وإذا ازدريت ببراءته واعتبرته مثل عاطل لا منفعة منه ، فإهانتك له بشتائمك سوف تزعجه وتدفعه أن يبطل نقاوته ويتخلى عن بساطته ويتراجع عن طفولته ، وتكون أنت قد صرت له علة وسبباً لذلك . وإذ تتحول الأقوال الصعبة إلى هزء والى اعتباره كأبله وأن وجوده كعدمه كنتيجة لتقريعك المستمر له واستهزائك به فسيقوده ذلك إلى أن يتشكك في تدبيره الأولى ويدفعه إلى أن يتخلى عنه ويتخذ بدلاً منه تدابيراً مضادة لنقاوته = فتجعله يفضل الكلام عن السكوت، وأن يكون ماكراً وليس بسيطاً كما كان من قبل ، وأن يكون مخادعاً وليس أمياً ن غضوباً وعنيفاً بدلاً من وديعاً مسالماً . ولأنك أنت هو الذي أعثرته هكذا ، ولأن استهزائك هو الذي دفعه الى التحول من الصلاح الى الشر ، كان أفضل لك لو علق في عنقك حجر الرحي وأغرقت في أعماق البحر من أن تكون عثرة لأحد هؤلاء الصغار المؤمين بإسم إبن الله .
21- تأمل أيضاً أن ربنا دعاهم صغاراً لانهم أصغر من جميع الناس ، ولكي ما تتعلم أن لا تحتقرهم لكونهم يجتهدون أن يكونوا صغاراً ، ولأنهم من أجل ذلط يكبرون في عينيك . إن منظر البسطاء عادي، فهم أميون ولهم هيئة أدنى الناس ، فإن أراد أحد أن يستهزئ بهم يتخذ من ذلك حجة للاستخفاف بهم . لأنهم لا يفكرون أن يستعرضوا أعمالهم قدام الناس ، أو يظهروا أنفسهم أمام العالم أنهم عارفون وأناس مشهورون . أما أنت فليدفعك ذلك لأن تعظمهم ويحفزك منظرهم الحقير إلى أن تكرمهم ، والاستهزاء الذي يلحقهم يستحثك بالأكثر لكي تمجدهم . فالإيمان الذي يحتفظ بكماله دون أن تفسده أغكار المكر ، هو يمجد ويكرم البساطة ، وهو يحرص عليها ويسندها حتى ولو كانت عادية في مظهرها .
22 – وبإختصار فإن الخبرة نفسها تجعلك تدرك كم يكون البسطاء أعزاء عند المؤمنين ، وكم يكون الأميون والجهلاء من أجل المسيح محبوبين لكل من هو تلميذ للمسيح . ولتدرك ذلك حين ترى حكماء العالم يسرعون الى جهال الايمان، والماكرون والرؤساء ينحون أمام بساطة المسيح . انظر وتأمل عظماء العالم حين يحتضون البسطاء بالحب ، ويوقرون ويعزون الاميين ، فالتلميذ الذي يتراءى لهم الأكثر بساطة يصير عندهم الأعظم كرامة في أعينهم .
23- أطفال العالم لا يأتون الى الأديرة لكي يروا أناساً ماكرين ومرائين . ادفع عينيك ايها التلميذ وأنظر الذين يأتون إليك ويبادرون إلى بابك بالحب : إنهم يسرعون لينظروا أطفالاً روحانيين وليس علماء وحكماء متمهرين في شؤون العالم . لأنهم لو كانوا يريدون رؤية الماكرين والمرائيين المترنين على حكمة هذا الدهر لكانوا يذهبون الى المدن والبلدان ولكن طالما أنهم يخرجون خارج العالم فهو يطلبون أن يروا أطفالاً وبسطاء: أطفال المسيح ! فليتهم لا يجدونك حية بدلاً من حمامة ، وصقراً بدلاً من عصفور ، وليتهم لا يجدون كلامك حكيماً في الشر بدلاً من أن يكون حكيماً في الخير . ليتهم يجدونك كما يتمنون أن يروك ، لأنهم هم أنفسهم قد خلعوا ثوب مكرهم وتسربلوا بالبساطة لكي يأتوا إليك أتريد أنت أن تلبس الثوب الذي خلعوه وتقتني ما قد رذلوه ؟ إنهم لم يحملوا معهم أفكار المكر بل بساطة الإيمان لكي يأتوا إليك . ليتهم لا يجدون في موضع الروحانيين ما تركوه وراءهم في العالم .
24- استمع الى إشعياء النبي وهو يخبر ببساطة تعليم ربنا ، فهو يشبهه بالحمل والنعجة أكثر الحيوانات براءة ” كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها ” ( إش 7:35 ) . الاسد والذئب والدب وبقية الحيوانات المفترسة معروفة بمكرها ودهائها ، لان المكر قد امتزج بطبيعتها الوحشية عندما خلقت ، أما الخراف والنعاج والحملان فهي حيوانات بريئة وساذجة في معيشتها وحركاتها . ولهذا فإن ربنا قد شبه المؤمنين بها ودعاهم بأسمائها . لأن ربنا لم يشبه بأسد حين يسيق الى الموت ، ولم يدع رعاياه بأسماء حيوانات مائلة بطبيعتها للشر، ولكنه دعى حملاً ونعجة ، لأنه احتفظ بصمته مثلها عندما اقتيد الى الصلب والى الموت .” سكت كنعجة أمام جازيها ، وفي تذله لم يفتح فاه”.
25- ولكي يثبت ربنا كلام النبي بالفعل ، حفظ الصمت عندما أحاطوا به ، وسكت عند محاكمتهم له ، ولم يشتك عندما جلدوه ، ولم يناقش عندما أدانوه ، ولم يغضب عندما ربطوه ، ولم يتذمر عندما ضربه اليهود ، ولم يحتج عندما نزعوا عنه ثيابه كنعجة يجزونها ، ولم يلعن عندما أعطوه المر والخل ، ولم يئن عندما سمروه على الخشبة ، وحين أراد سمعان أن يبطل براءة الحمل واخذ السيف لينتقم لسيده ، جعله يرد السيف الى غمده ” رد سيفك الى مكانه ” ( مت 26:52 ) فلست بحاجة الى معونتك وحين وقف أمام الوالي وبدأ يسأله ، لم يحببه السيد ومعلم كل الحكمة : فقد حفظ ناموس البساطة لكي يحقق المكتوب ” سيق الى الذبح مثل حمل ” ( إر 11: 18 )
26- لقد ساقوه وطافوا به من موضع الى موضع ، وقادوه من مكان الى اخر ، واجتذبوه من والي إلى أخر مثل اخرس . سكت أمام حنان ومع أنه استحلفه لم يتكلم سأله بيلاطس أما هو فسكت ، ومع أنه قال له :” هل أنت ملك اليهود ؛ وهو سؤال يفهم منه أنه كان يشتبه فيه كمثير فتنة ضد قيصر – إلا أنه لم يجبه بشيء . أخذوه الى هيرودس الذي طلب أن يرى ويسمع منه أيات ، وترجاه كثيراً ، وهناك أيضاً ظل صامتاً لا يتكلم ولا يجيب سائله بشيء فاحتقره معتبراً إياه كمختل العقل لا يعرف شيئاً وكأبله لا يجيب . كان اليهود والكهنة يفكرون فيما يريدون أن يفعلوا به ، أما هو فلم يتخل عن براءة الحمل ولم يترك عنه ناموس البساطة .
27- والقديس بولس رأى أن الذين صلبوا الرب واعتبروه كمختل العقل ، وأعداؤه حسبوه جاهلاً ومجنوناً ، لانه قال عنهم نيابة عن يسوع : ” إن جهالة الله أكثر حكمة من الناس ” ( اكوا:25 ) .لهذا لا يصعب عليك أن تعتبر في بساطتك كمختل العقل ، بما أن الله تراءى هكذا عندما أمسك عن الإجابة أمام الذين كانوا يسألونه. فقد أعتبر كجاهل لأنه لم يتكلم بشيء لكي ما تحتفظ أنت بثباتك وقوتك ولا تهمل ناموس البساطة إذا اعتبرت أنت ايضاً كمجنون وحسبت كجاهل وبغير معرفة . لأن الذي ينزعج إذا اعتبر بسيطاً ويضعف قلبه ، يسلم نفسه لمحبة العلم الباطل الذي للعالم ، وإن كان يتصرف بخلاف ذلك يتملك على حياته الحزن والكابة .فينبغي أن تحتمل كل شيء أيا كان لكي ما تكمل طريقك .
28- هوذا داود النبي أيضاً قد تراءى للفلسطينيين كمجنون وكما لو كان فقد فقد عقله – بنوع من الحيلة – لكي يخلص نفسه من الموت ، وأخذ يسيل ريقه على لحيته ( اهم 14:21) كما يفعل الرجل المخبول وذلك لكي ينجو من القتل .فإن كان داود قد تظاهر بهيئة إنسان مجنون حتى لا يفقد حياته الزمنية ، كم بالأولى جداً يجب عليك لكي لا تفقد حياتك الأبدية أن تمكث في بساطتك ولا تنغلب لإهانة المستهزئين ، ولا تتحول عن الهدف الذي تنشده .
29 – وربنا ايضاً دعا المؤمنين من رعيته بأسماء تعرفنا بالبساطة : فقد قال لسمعان : إن كنت تحبني ارع خرافي وغنمي وحملاني ” ( يو 21 17:15 ) ، فكما أن كلمة النبوة قد رعته – بأسلوب رمزي – نعجة وحملاً، ودعاه يوحنا ” حمل الله ” ، هكذا هو ايضاً دعاه تلاميذه في كلا بأسماء تفيد معنى البراءة لكي ما حين يسمع كافة المؤمنين الأسماء التي دعاهم بها يدفعهم ذلك الى الثبوت في البراءة كالحملان والنعاج والخراف ، فلا يتركوا عنهم ناموس البساطة .
30- وكما أنف هذه الحيوانات البريئة لا تصرخ ولا تتذمر عندما تساق للذبح ، أو عندما تقيد للجز ، أو عندما تضفطها الحيوانات الأخرى ، لكنها تبقى في هدوئها وبساطة طبيعتها ، هكذا أيضاً فإن تلميذ الرب عندما يتعرض لكافة التجارب من الأفعال والأقوال والأحزان والشتائم والقيود والإتهامات والمظالم والسجون والغضب وشهادات الزور ، ينبغي عليه أن يظل محتفظاً ببراءة قلبه ، ولا يترك عنه تدبير سكوته، ولا يتخلى عن وداعته ، ولا يبتعد عن بساطته ، ولا يعود ليستعمل التحايل ويدبر الشر لأعدائه ، لأن مكائد الخبث وخداع الإثم هي من أعمال الأعداء ، وهم يشتغلون بها كل عمرهم . أما أنت فلك عمل خفي يفوق إدراكهم ، لأن نقاوة قلبك وحدها هي التي تقدر أن تعمله بكل إتقان ، وهو الذي يملأك بالبهجة سراً ، وهذه البهجة لا يشعرون هم بها لأنهم لم يؤهلوا لمذاقة هذه التعزيات.
31- البساطة هي بلاهم ولهذا فهي دائماً في فرح ، لأنه كما أن فرح الأطفال دائم ، وهم غالباً ما يضحكون من أجل بساطتهم ، ذلك لأن هموم العالم لا توقف الفرح الذي جبلت عليه نفوسهم ، هكذا أيضاً فإن الفرح يسكن دائماً في القلب البسيط ، ولا يمكن أن يمتلئ بالحزن إذا لم يعرض هو نفسه له . وبالعكس فإن من يريد أن يصنع الشر لعدوه ولايقدر على ذلك ، أو يبذل قصارى جهده لكي يحرز غنى ولا يغتنى ، أو يسعى لكي يقتني معرفة ويجد نفسه عاجزاً عن ذلك .فهذا الشخص يتملك الحزن والكأبة على نفسه ويرفع منه الفرح الذي يتولد من البساطة .
32- قد يبدو للعالم كأن الإنسان البسيط غير نافع لشيء، لا تغنم أيها التلميذ إذا فيل عنك أنك غير نافع . إنه لفخر للمسيحي أن لا يكون متمهراً في أمور العالم ، وأن لا يعرف أن يعمل شيئاً بالجسد ، وإن قال لك أحد: إنك لا تعرف صنعة النجارة ، أو أنك لا تجيد صنعة الإسكافي أو أي صنعة أخرى من صناعات العالم العادية، فليس هذا مدعاة للإستهزاء بك ، لأنه لا يعيب الملك أن لا يعرف أيه صنعة ، بل إن ما يعيبه ان ينحدر لكي ما يتعلم صنعة ما ، لأن سلطانه أسمى من ذلك ، وعظمته هي أن يكون بدون صنعة ، وما يشينه هو أن يسعى ليتعلم ذلك . كثيرون ممن يشغلون مراتب عالية في العالم يعرفون صناعات وأموراً أخرى أقل من درجتهم في الكرامة ، ولكنهم ينكرون معرفتهم لها ، ويعتبرون جهلهم بها مجداً ، ويتباهون بأنهم لا يعرفون صناعة ما ، هكذا ايضاً بالنسبة لتلميذ المسيح ، فإن مجده هو في كونه يجهل أمور العالم ، ومدحه يكون في عدم سلوكه بمكر أو برياء ، وشهرته هي عدم معرفته مكائد الشر ، وما يشينه حقاً هو معرفته لها.
33- إن ما يستوجب اللوم بالأكثر بالنسبة لتلميذ كتب إسمه في المملكة العليا هو أن يعرف أموراً غريبة عن سيرته وبعيدة عن تدبير تلمذته ، بل إن ذلك يعيبه أكثر مما يعيب أي ملك في العالم أن يعرف صنعة من صنائع العالم .ألا تكون حياة التلميذ بعيدة عن الانشغال بالحديث مع الله حيث ينصرف اهتمامه الى التدرب على هذه الامور الحقيرة والى ممارسة كل ما يخص الجسد والتفكير في عمل الشر وايذاء اعدائه ، وكيف يغتني ويقتني الممتلكات ، وكيف يتكلم أو يستمع الى الكلام ضذ الذين يظلمونه ، واين يجد المكاسب وكيف يحصل عليها ؟ إن حديث الانسان البسيط مع الله لا يسمح له بالتحول الى هذه الاشياء والاهتمام بها ، وهو لا ينحدر من علو معرفة المسيح الى اعمال ومشاغل هذه الاوجاع السقيمة التي تسبب المرض للأفكار التي تهذ فيها. لذلك فإنه ليس من اللائق للنفس البسيطة التي وضع فيها الايمان بالمسيح أن تنشغل من جديد بأعمال الجسد هذه ، وترتبك بخداع الفساد .
34- اذا ، لا تعتبر ذلك معيباً لك أن تجهل حيل العالم ، بل إنما هي كرامة فائقة أن تكون أكثر سمواً وأعظم رفعة باقتناء أمثلة الروحانيين من أن تكون كذلك في الامور التي تخص الجسد ، لأن الروحانيين لا توجد عندهم اختراعات الحيل التي تصلح لأمور العالم .لانه اذا كان تدبيرهم أكثر رفعة من كل تدبير جسدان ، فمن المؤكد أن نفوسهم هي أكثر سمواً عن هذه الاوجاع . إن كل أحاديثهم هي عن عجائب الله لكي ما يزداودا في المعرفية الروحية ، وفي ما هو أكثر كلواً من معرفتهم ، ولكي لا ينحدروا الى الاهتمام بما هو أدنى منهم، لأنهم لا يريدون أن يتزلوا ع درجاتهم بل أن يرتفعوا ويتقدموا كل حين في معرفة أسرار الله . إذا ، فعلى مثال هذه القوات ينبغي أن تكون النفوس التي لا تهذ بالأمور الارضية .فدرجة الروحانيين هي في عم الاهتام الا بما هو فوق العالم ، وعدم السماح لأفكارهم بإلتماس أو تعلم ما هو غريب عن تدبيرهم .
35- كما أن كل صنعة تحتاج الى تدريب خاص يختلف عن الاخرى ، والذي يتدرب عليها يجتهد في تعلمها في مكان التدريب الخاص بها دون غيرها ، هكذا أيضاً فإن كل درس التلميذ وحديثه ينحصر في أمور صنعته ، و لا يسمح لأي شي أخر أن يعطل إنشغال أفكاره بها أما صنعتنا نحن فهي أن نتعلم الامور الروحية ، وأن نضع أفكارنا وأعمالنا فوق العالم ، وأن نتقدم كل حين في الطريق الروحي والمتدرب الذي لا يسرع الى موضع التدريب لكي يتعلم صنعته يلام من معلميه ، ويستهزئ به رفقاؤه ويسخرون منه ، ومثله بل وأكثر منه الذي يريد أن يتدرب على الصنعة الروحية يستحق أن يلام إذا لم يتقدم يوماً بعد يوم ، ولم يجتهد في أتعاب الجسد وفي أفكار النفس النفس .لأن الضرر بالنسبة كما هو بالنسبة للاخر واضح ومؤكد: فالذي لا يتقبل تعليم صنعة العالم يحرم من مكاسبها والذي لا يتقبل تعليم المسيح وينمو في الصلاح يفقد ملكوت السموات والمسرات المعدة والمحفوظة لمختاري الله : ” ما لم ترعين ولم تسمع اذن ولم يخطر على بال إنسان ” ( اكو9:2 ) ، وشركة القديسين مع المسيح التي من أجلها نزل المسيح من السموات الى الارض وبإختصار ، فإنه يفقد نفسه مع بقية الخيرات الفائقة الطبيعة .
36- والنفس التي تستطيع أن تتقبل هذه الخيرات هي النفس البسيطة النقية .وكما أن نفس الطفل هي اكثر نقاوة وأكثر استعداداً من الرجل في تقبل تعليم كل شيء ، هكذا ايضاً فإن النفس البسيطة تقتني سهولة في تعلم الأمور الروحية أكثر من النفوس الماكرة والمخادعة فالبساطة هي أرض جيدة تتقبل بسهولة بذار وغروس هذا التعليم .وكما أنه يوجد نوع من التربة من طبيعتها أن تجود فيها النباتات والاشجار وتعطي أثماراً بأكثر سهولة عن الاراضي الاخرى ، هكذا أيضاً تربة أفكار البسطاء تتقبل بسهولة غروس التعليم الروحي وتأتي بثمار جيدة ، أما أرض المكر فهي أرض جدباء بالنسبة لذلك التعليم ، سواء لأنها لا تتقبلها كلها ، أو لأنها إذا ما تقبلتها يتعوق نموها بواسطة أشواك وزوان الشكوك ، وبسبب الأفكار التي تبنى وتهدم كل حين وتضاد الايمان والبساطة .
37- افرح اذا أيها التلميذ ببساطتك ، فهي لا تجعلك محبوباً فقط عند الله ، بل وتجعلك أيضاً محبوباً عند الناس أنظر وتأمل بالخبرة – إن كنت حقاً تشتاق إليها – كيف أن البسطاء محبوبون في نظر الناس أكثر من الماكرين والمنافقين .جميع الناس يحبون البساطة كما أن الكل يحبون الطفولة فالبسطاء والاطفال هم محبوبون على السواء أما المكر والخبث فهما مكروهان عند جميع الناس ، والكل يحترسون منهما لأنهما مملوءان من الرياء والنفاق ، ولانه من عاداتهما أن يقلبا نظام كل شيء .أما البساطة فإلى جانب أنها محبوبة فهي ايضا ملجأ أمين فلا أحد يحذر من البسيط فيما يفعله ، لأنه مقتنع أن نقاوته لا تعمل الشر ، وكنا أنه لا يوجد أحد يحترس من طفل إذا ما أراد أن يرتكب خطية سراً في أحد البيوت ، لأن طفولته لا تجعله قادراً أن يعرف خطيته ، هكذا ايضاً فإن أحد لا يحترس بالأكثر من إنسان بسيط فيما يريد أن يفعله ، لأنه يمائل الطفل في أفكاره .
38- من هو الذي لا يريد أن يكون محبوباً لله ومكرماً عند الناس ؟ هذان الأمران يوجدان في البساطة.فلماذا إذا تتحاشى أيها التلميذ أن تصير مقبولاً أمام الله ومكرماً عند الناس ، وأن تجد – دون تعب أو مشقة – محبة مجانية من جهة الخالق ومن جهة المخلوق معاً ؟ قد تقول : ولكنهم يهزأون بي ويعتبرونني جاهلاً وابلهاً ولا فهم أو تمييز يا هذا ! أي انسان صالح ليس له خصوم ؟ أيها التلميذ، إذا كنت تخاف من مقاومي الصلاح فهل يمكنك أن تقتني أية فضيلة ؟ فكل خير له خصومه وكل عمل صالح يمتزج به التعب ، إلى جانب أنه ايضاً يثير الغيرة والحسد .بيد أن صلاح البساطة هو بريء من كل شر ، وهو بالأكثر في مأمن من الخصوم: فلا الحسد ولا الغيرة تدوم مقابله ، ولاالبغضة ولا العداوة تصارع ضده . وإن كانت البساطة قد تحتقر قليلاً، إلا إنها دائماً محبوبة ، والذين يحتقرون البسيط هم أنفسهم يحبونه ، لأنهم لا يحتقرونه عن بغضة بل عن عجب، أو لأنه غير نافع فيما هو لازم لهم . وهم يعتبرونه كناقص الفهم بالنسبة لأمور العالم ، وكضعيف بالنسبة لأعمال الناس ، وكجاهل بالنسبة للمكر والشر.
39- يليق بك اذا أن تفرح ، لأنهم ينظرون إليك بالصفة التي دعيت بها ، وبما يجب أن تكون عليه ( أي البساطة) وإن كان أحد يقول لك : إنك لا تعرف أن تكذب أو تغش أو تسرق ، أتعتبر ذلك مسبة لك ؟ وإن قال لك أحد إنك لا تعرف أن تضبط العرة حتى تصير سائقاً ، أو إنك لا تعرف صنعة المصارعة ، أو إنك لا تعرف الغناء ولا فنون الرقص ، أو إنك لا تقدر أن تضحك وتهزل وتلعب أدوار الممثلين ، فلا أعتقد أنك تعتبر جهلك بهذه الامور مشيناً لك . وكما أنه ليس هناك أحد من الناس يلومك لكونك غريباً عن معرفة هذه الحرف كذلك لا يعتبرك احد مخطئاً لبعدك عن الغش والشر وغريباً عن سائر الأعمال البغيضة . لان داود النبي يقول إنه قد التصق بالأبرياء والصديقين ، وهو واثق من أن البراءة تولد من البساطة.
40- ولنتكلم الان عن النقاوة الروحية التي تقتنيها النفس بإقتلاع كافة الاوجاع .بساطة الطبيعة شيء، ودرجة النقاوة شيء اخر. فالبساطة هي بدء طريق تعليم المسيح ، والنقاوة الروحية هي بدء طريق البر ، والذي يبدأ بالبساطة يكمل يبالنقاوة ، مثل الرسل المطوبين الذين كانوا بسطاء في البداية عندما تم اختيارهم ، وصاروا أنقياء عند نهاية تدبير الكلمة المتجسد ( على الأرض ) بعد أن قبلوا الروح القدس.
41- البساطة تتعب وتجاهد وتصارع ضد سائر الحركات البغيضة ، لكي ما تفصل الانسان وتحمله من قيود الشر وتبعدها عنه. ومتى تنظفت منها حينئذ يستقر فيها النقاوة وصفاء الافكار وغروس الحركات الروحية التي هي أعلى من كل نفاق . البساطة هي أن لا يتحرك الانسان طبيعيا بالأفكار المقلقة ، ولكن لا تكون هي التي قد طردتها بدخولها أو غلبتها بالقتال مقابلها أو اضطرتها للخروج بواسطة الحكمة وطرحتها خارج الموضع النقي لأن هذا هو عمل النقاوة .
42- البساطة هي بداية الطريق ، وهي أرض خالية من الأشواك ومهيأة لقبول البذار الجيدة . اقتلاع الأشواك وإبادة الأعشاب وتنقية الارض وإعدادها وتجهيزها لكي ما تصلح لقبول البذار الجيدة والغروس الجميلة ، هذا شيْ وشيْ أخر هو الحقل المزروع وقد بلغت أثماره النضج ، تحرس غلته وعند الحصاد تجمع في الأهداء . النقاوة هي الارض التي تم زراعتها وأعطت أثماراً للجمع لأنه جاء أوان نضجها، والبساطة هي الحقل المفلوح الذي نظف من الاشواك وصار معداً للزرع وصالحاً لقبول كل ما يلقى فيه . أما المكر والغش فهو ارض مملوءة شوكاً وقرطباً وزواناً ، إن وقع فيها زرع صالح خنقته وأوقفت نموه.
43- كن أنت يا تلميذ حقلاً مفلحاً ومهيئأً ليسوع ، لكي يلقى فيك زرع كلمته الصالح ، ويغرس في نفسك غرس تعليمه الجديد . إن كانت لك بساطة من الطيع ، فافرح بها واجتهد أن تزيدها وتنميها ، وإن لم تكن لك من الزرع الطبيعي ، اسرع في اقتنائها بإرادتك ، ومتى وجدتها صارت نافعة لحياتك في الله .
44- البساطة تعطيك أن تعيش حياة الثقة وعدم الخوف وسط الظلمة التي تجوزها لأن البسيط لا يفكر أن يعمل شراً لأي انسان ، ولا يخاف من إساءات الاخرين له . فلأنه هو نفسه لا يتفنن في عمل الشر ، فهو لا يتصور أن الاخرين يعملونه له فالبساطة تظن أن كل الناس يتشبهون بها ، وأن الكل مثلها ، وأن كل أحد من جانبه يسلك بحسب ما هو لها : إنها ترى وتلاحظ وتعتبر كل الناس كما ترى هي نفسها ولأنها بغير رياء فهي تعتقد أن الاخرين هم ايضاً هكذا ، ومع أنهم هم أنفسهم يكونون منقسمين ومختلفين بالنسبة لإساءاتهم، فهم جميعاً لهم روح واحدة ولهذا فهى تمكث دائماً بغير عواصف، فالأمواج والأعاصير لأتقوم عندها لتقلق نقاوتها، لأن ريح المكر التي تثير أمواج الشك لا تهب عندها، فكما أن الأنوار التي تعلو على البحر تنجم عن هبوب الريح التي تلاطم سطحه، هكذا أيضاً فإن أفكار المكر المضطرية تتولد منه، ويرتفع فكر الأعمال البغيضة في داخلها من هبوب ريح الغش والخداع التي تضرب داخله، أما نفس البسيط فهي مكان هادئ لا توجد به أنوار. وكما أنه بدون الرياح تترك الأمواج البحر هادئاً، هكذا أيضاً تبقى النفس في هدوء متحررة من أمواج الخوف.
45- البساطة ميناء تحتمي فيه السفن التي تهرب من أنواء المكر، وكل من يلجأ إليه يسكن فى هدوء. فكل اضطراب يتجول الى راحة، لأن البسيط ليس هو بسيطاً وحده ، لكنه هو بدوره أيضاً يغير كل من يلجأ اليه. ولأن الطاعة مرتبطة بالبساطة، فهي لا تفحص ما تومر به ولا تجادل من يأمرها مسكنها يبهج جيرانها، والذين يتعرفون عليها يفرحون بها. ليست هناك أية مشارة في جوارها ولا جدال في ربوعها ولا مناقشة في رفقتها ولا تغصب في طاعتها ولا اعتراض على ما تؤمر به. جميع الناس ينجذبون إليها، وكثيرون يختارونها كنصيب ميراثهم، والذي يحصل عليها يعتبرها أعظم نصيب. ولأن كل معرفتها هي من أجل الخبز وليس للشر، فهي تبذل كل جهدها في إرضاء الذين يأمرونها ولا تفكر في مخالفة إرادتهم. ولذلك فالبساطة لائقة جداً لتدبير سيرة الرهبان، والبراءة للذين في حياة النسك، والنقاوة للذين في سيرة التوحد، واللطف يتفق مع العفة والطهارة مع الزهد.
46- لقد أدهش الرسل رؤساء كهنة اليهود، لأنهم مع كونهم عامين وعديمي المعرفة، أجابوهم عن الحياه العتيدة كعارفين ومتعلمين. لقد دافعوا عن المسيح بجهالتهم، لان المسيح قد اتخذ غير المتعلمين كمافعين يتكلمون نيابة عنه، لكى ما يعلن بواسطتهم مسبقاً نصره حكيمة، ولكي ما يعرف كل الناس أنهم لم يكونوا هم المتكلمين بل هو الذي كان يتكلم بواسطتهم: “ووجدوا أنهما كانا إنسانان عديم العلم وعاميان، و عرفوهما أنهما كانا مع يسوع فتعجبوا” (أ ع 13:4). وهو أيضاً أمر يدعو للتعجب أن البساطة تحقظ الوصايا، وأمر مدهش حقاً أن يعمل الجهلاء ما لم يعلمه الحكماء. فلو أن رؤساء الكهنة كانوا يعلمون من قبل أن الرسل كانوا متعلمين وكانوا يتكلمون عن معرفة، كما كانوا قد اندهشوا جداً منهم، لأن ما سمععوه منهم كان يتفق مع علمهم، ولكنهم تعجبوا لأنهم سمعوهم يتكلمون بأمور لم يتعلموها من قبل، وأجابوا يما يفوق قدر جميع الحكماء. وهكذا انتصر يسوع بواسطة بساطتهم، واستعلنت حكمتة أمام جميع الناس.
47- وربنا أيضاً اختار البسطاء ورفض الحكماء والعارفين لكي يعلم من يريد أن يكون تلميذاً له، أن يتخذ البساطة بداية له، وهكذا يتقدم بواستطها نحوه، وليس لأن المكر يعتبر عند الناس أنه حكمة فنسعى اليه، أو لأن البساطة محتقره بين الناس فترفض ان نقتنيها لأنه هوذا قد أظهرلنا باختياره أمرين: فقد اختار الخطاه كما اختار ايضاً العشارين: أي انه اختار الجهلاء والظالمين، وعديمي المعرفة والأشرار، ماهو مخالف للمعرفة وماهو مخالف للبر، لأن هذه هي الحال التي كان عليها الخطاه والعشارون: فالخاطئ محروم من المعرفة والعشار قد عدم البر. ولما أقتنوا هذين الأمرين اللذين كانوا غرباء عنهما هكذا أظهر ربنا يسوع للعالم كله أنه هو الذي يعطي الحكمة ويهب البر. كان متى وزكا يقتنيان عوائد هذا العالم عندما إقتربا من المسيح، ومع ذلك معندما صارا مختارين أصبحا بسطاء. وطاعتهما تشهد ببساطتهما. لأن المسيح لم يجعلهما يأتيان لتقبل تعاليمه. ولم يعطهما السلطة على كنوز معرفته، قبل أن يتخليا عن شكل هذا العالم ويصيرا متغربين عن المكر البشرى الذي كان عندهما، يدركا درجة بساطة الخطاه.
48- وفضلاً عن ذلك فإن يسوع يطلب البساطة من الكل، ويدعو الجميع الى التشبه بالأطفال، وقد قال ذلك لتلاميذه، كما نهى الآخرين عن إستخدام المكر. فقد علم البسطاء أن يثبتوا في بساطتهم، أما الذين تعاظموا في معرفة المكر، فقد دعاهم أن يتعروا من ذلك الثوب الدنس، لكي ما يبدأ الجميع في السير في طريق الصلاح على درب واحد خطوة بخطوة معاً: سمعان و يعقوب ويوحنا الذين كانوا خالين من المكر لأنهم كانوا أبناء البساطة، ومتى وزكا وفيلبس والآخرين الذين شبوا في العالم وتربوا في حضن المكر، فقد جعلهم يولدون من المكر الى الطفولة، وألبسهم أقمطة البساطة، وبعد ذلك جعلهم ينمون الى قامة تعليمه ويحضرهم الى درجة الرجولة الروحية. فإذا كانت البساطة ترى بهذه الدرجة من السموعند الرسل، فكيف لا تليق بالأولى أن توجد عندنا، وكيف لا تكون محبوبة في وسط جماعات الرهبات حيث تتطلبها خدمتنا، وحيث ينبغي أن يراها عندنا كل الذين يأتون ليروننا؟
49- التلميذ الماكر إذا لا يكون صالحاً في أي شئ فهو مثال ردئ لجميع التلاميذ رفاقه، يعلم الشر وليس الخير، وهو صورة للخسارات وليس مثالاً للأرباح. أنه يعلم الا نطيع، ويظهر أنه ليس طيعاً للتعليم. أنه ينساق وراء الأباطيل ويتكلم بأمور فارغة. ينغزل شارداً عن إضطرار ويقاد بالقوة الى حيث ما لا يريد، يعمل بتذمر كثير، كأجير كسول لا يمكنه أن يربح خبز يومه، يترك المكان النافع له ويمتنع عن القيام بعمله، هو حجر عثرة للساعين في الطريق، يشير الى طريق مضلة، ويدفع المتقدمين في الطريق الصالح الى طريق ردئ، ويعرج الطريق أمام الذين يسيرون في سبيل مستقيم، وهو دائما يتوقع سقوط الأمطار.
50- التلميذ الماكر يتطلع الى السلطة، ويصاحب الأغنياء ويقتني دالة عند العظماء ويرافق المتنعمين، يصوم مضطراً ويمتنع عن الأكل يقوة القانون، ويتعب بغير منفعة. هو تلميذ حسب المظهر وليس حسب الباطن، يربى الرياء ونفسه تسر بالشر ولسانه بالاستهزاء، متعجرف ومتسامخ ومعجب بنفسه وضد لكل استقامة. منظر ممتلئ صوراً كثيرة معثره. وجسد مركب من أعضاء متضادة، يلوم كل شئ ويتهم على كل عمل وينتقم من الذي لا يعتبره، بطئ بإتجاه الخير وسريع الخطى نحو الشر، وليد النوم، ابن الغفلة، عدو السهر، مبغض الصلاه، رفيق المائدة المجهزة، جليس المآدب، يتطلع الى التسليات، وهو يد ممدودة لمفترى وذراع خفيفة للعدو. هذه الأمور وما أشبهها هي التي توجد عند التلميذ الماكر وهي مجرى كل مخازية. وينبغي أن يحتقره كل الناس لكي ما يتبكت شره وخبثة بواسطة تحقيرهم له.
51- هو شع بنى الله يوبخ الذين هم أطفال في الخير وحكماء في الشر قائلاً: ” صار أفرايم كحمامة رعناء بلا قلب، يدعون مصر يمضون الى أشور … وهم لا يرجعون الى في طريق التوبة” (هو 11،10:7) . والنبي هنا يوجه اللوم الى الأطفال الذين من هذا النوع لأنهم لا يقتنون البساطة بل الحماقة. وهذه هي حماقة طفولتهم تجاه الخير: فهم عوض الإله الواحد اختاروا لأنفسهم آخرين لمعونتهم، تركوا الطريق الذي يقودهم الى الله وأسرعوا الى المصريين والأشوريين يطلبون منهم أن يأتوا لنجدتهم، ومع أنهم كانوا قد إختبروا عده مرات أنهم لا يقدرون أن يخلصوهم من الشر الذي كانوا فيه. إلا أن الخبرة لم تعلمهم الحكمة، ولم يدفعهم الى الرجوع الى حمى الله. وقد شبههم النبي أيضاً هنا بالحمام، لأن الآخرين يأخدون أطفالهم ويصيرونهم عبيداً للأخرين، وأعتبرهم بلا قلب لأنهم لم يقتنوا التمييز الذي بواسطته يرجعون الى الله.
وسليمان أيضاً يوبخ في كلامه الإنسان الذي يذهب وراء شهوته مثل طفل ومفتقر الى المعرفة التي يقابل بها ذد أوجاعه، ويقول: إنه يذهب وراءها مثل طفل وكثور الى الذبح وكالكلب الى من يقيده وكالغزال حتى يشق سهم كبده. (أمثال 22:7).
52- ومثل هذه الطفولة تستحق التوبيخ، لأنها لم تخدم الخير بل الشر، وليس من الصواب أن تدعى بإسم الطفولة حتى ولو أطلق الكتاب عليها هذا الإسم بخلاف الهدف الذي تتجه إليه، بل يجب أن تدعى حماقة وفقدان العقل والأفتقار الى التمييز وهلاك محتم. إننا لسنا نوصى بهذة البساطة التي ترضخ لكل ما يقال عن جهل، وتنقاد الى خداع كافة المعتقدات. والرسول أيضاً يحثنا أن نحترش منها اذا يقول: ” لا تكونوا أطفالاً مضطربين ومحمولين بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر الى مكيدة الضلال” (أف 14:4). وقد وصف الرسول هذه النفس بالحماقة، لأن كل الآراء والمعتقدات تقودها وتبذل استقامتها بتدابير بسيطه وسيرة ونسة. لكننا نوصي بإقتناء البساطة التي كل إنشغالها هو في الخير.
53- فلنتأمل إذا بساطة جميع المؤمنين و نرى طفولة تلاميذ المسيح، فهم لم ينساقوا وراء خداع ومكر الهراطقة ولم يعرفوا مرارة تعليمهم الردئ، بل تجنبوا الاشتراك معهم وتمسكوا بالحق دون تغيير لسبب حكمة بساطتهم ومن أجل مخافة الله التي التصقت ببساطتهم. وهم لم يتبعوا كثرة أفكار المعتقدات الأخرى. فقد كانوا واسخين في تعليم إيمانهم، وكمثل الطفل الذي لا يعرف إلا معلماً واحداً، ولا يخاف غيره، ولا يرتعد إلا من أمره، ولا يرهب إلا عصاته، ولا يقبل من معلمين آخرين سواه، هكذا أيضاً فإن المؤمن هو مثل الطفل في العالم، مخافته تنحصر فقط في المعلم الوحيد وفي المربي الوحيد، وإذا أراد أي معلم آخر أن يعطيه تعليماً آخر فهو لا يقبله لأن طفولته هي من نقاوة طبيعتها وليست تحت ضلالة فساد الأفكار.
54- فلنسلك إذاً كتلاميذ المسيح في الطريق الذي أرانا إياه ونسير في السبيل الذي مهده لنا. وليكن هذا الأمر شرفاً عظيماً في إعيننا أن نكون بسطاء وأن نصير أطفالاً واولاداً صغاراً لكي نتقبل التعليم الحسن. فلنصر حكماء كالحيات مقابل العدو الذي يتحايل لإيذائنا. ولنذكر أنفسنا دائماً بما قاله المسيح ربنا لتلاميذه: طإن كل من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله” (مت 3:18)، لكي ما نؤمل جميعاً له بنعمته، ونصير وارثين مع جميع القديسين برأفة المسيح إلهنا الذي له المجد الى الدهور. آمين
No Result
View All Result