مزار “سيدة يونس” – طرابلس – ( كنيسة النبي يونان )
هو معلم سياحي ديني تابع لدير البلمند، وهو أيضاً ملتقى كل الطوائف والمذاهب التي تلتقي فيه على محبة وايمان الله. تصل اليه من سوق النحاسين عبر “زقاق الرمانة” أو عبر السوق الضيق، ثم تعبر “زواريب” متعرجة متداخلة مع بعضها في عتمة ولحظة انارة مصباح الكهرباء تشاهد الصليب المعلّق منذ عشرات السنوات على الجدار، بالاضافة الى ايقونات للسيدة العذراء منها أيقونة السيدة العذراء التي تحمل بيدها “وردة”، ومقعد خشبي عتيق وصور القديسين وصلبان وشموع واعواد ثقاب.
♱ لمحة عنه
أن هذا المكان المقدس ظهرت فيه السيدة العذراء لرجل من آل يونس كان يختبىء فيه خوفا من حكم الإعدام الذي صدر بحقه في عهد العثمانيين، فأنقذت السيدة العذراء حياته، ومنذ ذلك اليوم تحول مكان ظهور السيّدة العذراء الى مزار لطلب الشفاعة والمرضى.
يُعد هذا الموقع التاريخي واحداً من الأماكن الجامعة لأبناء البلاد المقيمين والمهاجرين، وشاهداً على التعددية الثقافية والدينية في النسيج الطرابلسي. يتألف المزار من طابقين. في الطابق الأرضي تُحيط مجموعة من الغرف بالبهو الحجري، ويقودك سلم مرتفع إلى الطبقة العليا، حيث تواجه “قاعة الأيقونة”.
يقع المزار في وسط مجموعة من الأبنية التراثية يملكها أبناء الطائفة الأرثوذكسية، الذين هجروا المدينة ولبنان، نحو آفاق الاغتراب الرحبة. يستقبل المزار الناس في أي ساعة من ساعات النهار. أما أيام الآحاد، فتبقى أبوابه مفتوحة للجميع، ومن دون دفع أي مقابل مادي.
يدعو حارس المزار ضيوفه إلى إشعال الشموع والبخور، ويمنحهم الوقت الكافي لممارسة التأمل وإطلاق الأمنيات الذاتية الصامتة. ويتحدث ديربدروسيان عن عمله لـ “توثيق عجائب سيدة يونس التي يخبره بها الزوار، ويعطي مثالاً على ذلك حمل إحدى النساء التي تعرف عليها، وتواصلت معه لإخباره بذلك”.
يتعرف الزوار على حقبة من تاريخ المسيحية الشرقية من خلال ناسها وممتلكاتها الوقفية، التي تعود جذورها إلى الحقبة الصليبية التي تأسست فيها مواقع مسيحية كثيرة، بما فيها أجزاء من قلعة طرابلس التاريخية “حصن سان جيل”. كما ينفتح المزار على الزائرين، يتفاعل مع جيرانه الأقربين، حيث ترسخت مكانته في ذاكرة الأجيال من الآباء الكبار إلى الأبناء الصغار. ويتراوح التفاعل بين الاهتمام به واللعب ببهوه، وتسمية أبنائهم بـ”يونس”.
✥ أيقونة السيدة العذراء التي تحمل بيدها “وردة”
تشير معلومات كنسية ان أيقونة السيدة العذراء التي تحمل بيدها “وردة” الموجودة في هذا المزار تعتبر الوحيدة في عالم الأيقونات ويعمل الآن على ترميمها من قبل متخصصين في دير البلمند. أما القصص حول هذا المزار كثيرة ومنها حسب بعض الروايات الشعبيّة المتناقلة أنّ مجهولين حاولوا سرقة هذه الأيقونة ولكنهم لحظة خروجهم من المكان كُسِرَت أقدامهم، وهذا الامر “هو إحدى معجزات” سيدة “يونس”. وأيضا من الروايات ان رجلا سرق الأيقونة واخذها معه الى الخارج ولحظة وصوله فتح حقيبته فلم يجدها ليفاجأ بعد عودته بزمن الى طرابلس ان الأيقونة ما زالت في مكانها.
إنّ هذا المزار التاريخي ذكره المؤرخ الدكتور عمر تدمري أنه بناء من العصر الصليبي، يزوره المؤمنون حتى اليوم، وتظهر الحروف اللاتينية المنقوشة على عقده. وورد أيضًا في كتابه “مساجد وكنائس طرابلس” أنّ المماليك سمحوا للمسيحيين ببناء مراكز دينية لهم وكان هذا المزار الذي ما يزال محافظا على معالمه في العمارة اللاتينية وفي زخرفته والتجويفات التي تزين جدرانه حتى اليوم.
★ ملاحظة:
يسمى مزار “سيدة يونس” بكنيسة النبي يونان لأن النبي يونان أو كما أطلق عليه في اللغة العربية اسم يونس من الأنبياء ذوي الأهمية عند العرب بسبب كونه نبي أرسل من قبل الله لتسلم رسالة للمؤمنين. ويطلق عليه أيضًا بإسم ذو النون، والنون هو: الحوت، ويقال له أيضا: صاحب الحوت، واسمه: «يُونُسَ بن مَتَّى»، وذكر ابن الأثير: أن: «مَتَّى» اسم والدته، وأن الأنبياء لم ينسب أحد منهم لأمه إلا يونس.
تجدر الاشارة الى ان مزار “سيدة يونس” يكاد يكون المزار المسيحي الوحيد والتابع لوقف الروم الارثوذكس في مدينة طرابلس، إلا أنّ أهميته جعلته صامدًا حتى ايامنا هذه ليكون شاهدا على تنوع المدينة وتاريخها.
مزار سيدة يونس في طرابلس شمال لبنان عام 1896