عيد سلطانة الوردية المقدسة في ٧ تشرين الأوّل
ظهرت السيدة العذراء بهيئة سيدة جميلة جداً، عام 1213 للقديس دومينيك “عبد الأحد” رسول الوردية ومعها ثلاث سيدات وكل واحدة منهن معها خمسون فتاة وبثياب مختلفة. فسألها القديس عبد الأحد عن هذا الجمع فأشارت العذراء إلى أن:
السيّدة الأولى: ترتدي مع فتياتها ثياباً بيضاء، ترمز إلى أسرار الفرح.
السيّدة الثانية: ترتدي مع فتياتها ثياباً حمراء، ترمز إلى خمسة أسرار الحزن.
والسيّدة الثالثة: ترتدي مع فتياتها ثياباً مذهّبة ترمز إلى أسرار المجد.
وكان بيد السيدة العذراء أيقونة مثلثة الشكل، وقالت له “خذ هذه المسبحة، فإنها تكون لك سلاحاً ضد الأعداء المنظورين وغير المنظورين، وتكون عربون محبتي للمسيحيين، لأنها تتضمن أسراري وأسرار ابني الوحيد، فتنير العقول وتلين القلوب، وترشد الضالين إلى طريق الملكوت.“ فتناولها القديس دومينيك “عبد الأحد” من يد السيدة. ثم عاد مسرعاً إلى مدينة تولوز وأخبر الجميع بما أوصته مريم.
مقتطف من سيرة حياة القديس دومينيك “عبد الأحد”
(يشار الى أن القديس دومينيك “عبد الأحد” هو الموجود عن يمين السيدة العذراء في أيقونة سيّدة الوردية.)
من مقالة للأب جوزيف أبي عون تاريخ مسبحة الوردية بجبل لبنان
” يبدو أن أقدم إشارة لوجود المسبحة الوردية في كنيستنا السريانية المارونية تعود الى تقرير للراهب اليسوعي إيرونيموس دانديني المرسل من قبل البابا كليمنضوس الثامن لتفقد السريان الموارنة في جبل لبنان عام 1596م، وقد تم طبعه عام 1665م تحت عنوان” رحلة الى جبل لبنان”إذ ورد فيه أنّ الراهب دانديني وهو يتنقل في الرعايا المارونية المنتشرة في الجبال أخذ يولّع على الناس ما كان يحمل معه من روما المدينة الخالدة “المسابح والصور والصلبان والذخائر … “.
إنه أول ذكر للمسبحة في تاريخنا المسيحي السرياني الماروني لكننا لا ندري بالضبط كيف أو الطريقة التي صلوا فيها المسبحة لكن أغلب الظن بأنّ عامل الوقت ببقائه في لبنان لعدة سنوات ربما قد سمح له بترجمة أسرار المسبحة الى السرياني ثم إلى العربي وإلقائه للشعب طريقة تلاوتها.
أما الإشارة التاريخية التي تتعلق خصوصا بشركة الوردية المقدسة, وجدناها بعد بحث في مخطوط قديم باللغة العربية محفوظ في مكتبتنا بدير سيدة اللويزة وسنوجز باختصار مايهم موضوعنا هو يحتوي على رسالة وجواب، الرسالة من الخوري بطرس التولاويّ، معلم مؤسسي الرهبنة عبدالله قراعلي وجرمانوس فرحات في حلب قبل مجيئهما الى جبل لبنان, موجهة الى السيد البطريرك العلامة إسطفان الدويهي بتاريخ 1695م، يطلب فيها الإذن، لإدخال المؤمنين برعيته في كنيسة مار الياس السريانية المارونية في حلب، في شركة الورديّة المقدسة والجواب من غبطته بالإيجابي معددا المنافع الروحية من صلاة المسبحة الوردية والدخول في شركتها. كما أنه يشدد على أن ينالوا الإجازة في هذا العمل الروحي والرعوي من رئيس عام رهبنة الدومينيكان المحفوظ لهم حصرا حق السماح بنشر عبادة الورديّة المقدسة والشركة فيها. ويرفق ضمناً منشوراً يعود للرئيس الدومينيكاني يَذكرفيه الشروط الأساسية لإقامة الشركة بالورديّة المقدسة و شكل أيقونة سيدة الورديّة التي ستوضع على مذبحها.
وهنا لفتني كثيرا ما ورد حول الأيقونة فيقول:” وايضا نرسم رسما قاطعاً وحفظه واجباً أن في أيقونة مذبح الورديّة تُشخّص الخمسة عشر أسرار المختصة بها ويُصور ماري دومينيكس متشبها بهيئة قبوله حلماً من يد العذراء مسبحة الورديّة بورع وتواضع .. “. رائع هذا الكلام. ينطبق كليّا على رسم سيدة الورديّة في زوق مصبح الملقبة ب”السمرا”. كنا دائماً نتساءل حول هذه الميزة الفريدة بوجود الإسرار الخمسة عشر على أطراف الرسم. ولماذا تختلف عن سائر رسوم سيدة الوردية المنتشرة في كنائسنا.
بالواقع لا يوجد رسم شبيه بها. الجواب هنا في هذا المنشور الأصلي. مباركة “سمرا” كنيسة سيدة الوردية زوق صبح، فهي الرسم الأقدم والأصح المتلائم كليّاً مع مواصفات الشروط التأسيسية للورديّة المقدسة.
من هنا سننتقل الى كنيسة سيدة الورديّة – زوق مصبح وأهمية دورها في انطلاقة زياح الورديّة مع ترانيم صلاة المسبحة والعلاقة التاريخية لاحقا مع دير سيدة اللويزة. نحن نعتقد بأنّ كنيسة سيدة الورديّة في زوق هي الأقدم في لبنان على إسم شفاعة سيدة الوردية. انتهى بناؤها سنة 1703. وقد شيّدت على الأرجح على أنقاض كنيسة سابقة على إسم السيدة. يبدو أنّ حجمها بات أصغر من أن يضم عدد سكان الرعية المتزايد. فكان التفكير ببناء كنيسة جديدة أكبر تتلاءم والمتطلبات السكانيّة في ذلك الوقت.
أما إسم سيّدة الورديّة الذي كان يعتبر حديثا نسبيا في تلك الحقبة، نظن بأنّ الفضل يعود فيه الى الرهبان اليسوعيين الذين سكنوا بلدة عينطورة، جارة زوق صبح, منذ أواسط الجيل السابع عشر. فبدأوا ينتشرون في الرعايا المجاورة للتعليم والإرشاد وتأسيس الأخويات وخصوصا نشرعبادة الورديّة المقدسة. هذا التلاقي الروحي والرعوي والإجتماعي للرهبان اليسوعيين مع أبناء زوق مصبح، لمدة لا تقل عن خمسين سنة وربما أكثر بقليل، 1656 سنة وصولهم الى عينطورة و1703 بناء الكنيسة، وبخاصة مع عائلة آل الحاقلاني الشهيرة بالتقوى والعلم والجاه والمتميز بينهم الشيخ سلهب الحاقلاني، قد ساهم بشكل مباشر في إطلاق إسم سيدة الورديّة على الكنيسة الجديدة، لتغدو صرحا كبيرا شامخاً على إحدى تلال زوق مصبح الجميلة.
الى هنا. يمكن القول بأنّ زياح الوردية تاريخياً انطلقت بداياته أولاً في الكنيسة السيدة القديمة لينتقل بعدها ويستمرفي كنيسة السيدة الوردية الحالية العامرة. كما يورد الأباتي بطرس فهد في كتابه “تاريخ الرهبانية اللبنانية بفرعيها الحلبي واللبناني” الجزء الثالث ص 96: “كانوا رهبان عينطورا اليسوعية يأتي واحد منهم الى زوق مصبح، في كل أحد من الشهر، ويزيّح الورديّة في كنيسة الزوق، وذلك قبل أن تبتدى الرهبنة باستعمال الزياح”.
الشيء الأكيد أن زياح الورديّة في هذه الفترة لم يكن بعد قد اتخذ الطابع الإحتفالي. الشعب يتابع ما قد ترجمه الرهبان اليسوعيون عن اللاتيني. حدثان مهمان سيكونان العامل الأساسي في تطور الزياح من الناحية الإحتفالية وإصباغه الطابع الليتورجي الماروني الشعبي إذا شاء التعبير.
الحدث الأول: تسلّم الرهبنة، بشخص رئيسها العام ومؤسسها عبدالله قراعلي،. دير سيدة اللويزة من مؤسسه الشيخ سلهب الحاقلاني عام 1707، الذي سينضم لاحقا إلى الرهبنة ويتخذ إسم اغناطيوس الحاقلاني.
الحدث الثاني: ترقية الرئيس العام عبدالله قراعلي الى درجة الأسقفية وتعيينه مطراناً على أبرشية بيروت عام 1716. ونظرا الى عدم وجود كرسي أبرشي أو كاتدرائية فيها، سيبقى مركزه في دير سيدة اللويزة ويختار كنيسة السيدة الوردية في زوق مصبح كاتدرائية له. سنرى أثر هذين الحدثين على زياح الوردية.
سأبدا بالحدث الثاني. نعتقد أنه مع بدء المطران عبدالله قراعلي بزياراته الراعوية في الأبرشية والتعرف على أحوال مؤمنيها وحياتهم الروحية، سيكتشف بدون شك شيء من الضعفَ على المستوى الليتورجي، ناحية الصلوات والزياحات والترانيم الخ … سينكب على التأليف والتلحين والتنظيم ليُغنى بها الى اليوم كنيستنا المارونية. من هذا الواقع، واستنادا الى رأينا الشخصي، وبعد مشاركاته المتكررة في احتفالات كنيسة السيدة الوردية، ومتابعته الحثيثة لسير الأمور، سيرى المطران قراعلي أن زياح الورديّة أمسى بغاية الحاجة الى التجديد والتنظيم ليصبح، كما أعتقد، أكثر تطابقاً مع ذهنية شعبنا الشرقية. بكلام آخر، العمل على “مورنة” الزياح.
وهكذا كان. نظّم المسبحة والزياح. ألف الترانيم الرائعة للأسرار الثلاثة: مريم سرورك لأسرار الفرح، مريم حزنك لأسرار الحزن، ومريم حزت مجدأً لإسرار المجد. كما أنّه كتب الصلاة للمسبحة: يا سلطانة السماوات والأرض دون أن ننسى زياح العذراء: يا أم الله.
هكذا أتى الزياح والمسبحة عملا متكاملا بحلة جديدة، تبهج الأذهان وتفرح الألباب، حبا وإكراما، من الأبناء والبنات، للأم السعاوية سلطانة السماوات والأرض، من اختارت وأحبت ان تكون سيدة وسلطانة الوردية المقدسة.
ومع الوقت، لن يبقى إسم العيد في الأحد الأوّل من شهر تشرين الأوّل: أحد الورديّة وحسب، بل أحد الورديّة الكبير. إذ بات بالحقيقة عيد
الوردية عيداً كبيرا المسبحة مع ترانيمها وتطواف خارج الكنيسة باحتفال مهيب على انغام الموسيقى وفقط في هذا النهار.
لذلك اسمه الكبير. وبقي الإحتفال، خلال السنة، في كل أول أحد من الشهر بزياح الوردية لكن بدون الترانيم والتطواف، فيطلق عليه الصغير. تاريخنا جميل ومميّز. ونحن نفتخر بأننا ننتمي إليه.
أما حدث تأثير دير سيدة اللويزة الجوهري على المسار الإحتفالي الشعبي لزياح الوردية. بعد استلام الرهبنة الدير، شرعت في تحسينه وترتيبه وتوسيع نطاقه، حتى بات في وقت قصير قبلة الأنظار حسبما يقول الأباتي فهد” من أنفس الآثار وأعزها على قلب الرهبانية دير سيدة اللويزة”. فبدأت الرهبنة حوالي السنة 1728م بتنظيم زياح الوردية باحتفال كبيرفي الدير خصوصا بعد حصولها على الإذن بمنح شركة الورديّة وتلبيس الوردية. عن هذا يورد الآباتي فهد في كتابه “تاريخ الرهبانية اللبنانية بفرعيها الحلبي واللبناني- الجزء الثالث ص 95″:”
في هذه السنة درجت الرهبنة زياح الورديّة بدير لويزة، وصار بحجة الزياح يجيء شعب غفير من أماكن عديدة، من بيروت (أعتقد بسبب كون المطران قراعلي أسقف بيروت) وغير نواحي، الى الدير المذكور ليعترفوا ويتقربوا، لأجل الغفران وكان يتواجد احيانا في الدير نهار الزياح ولواحقها ما ينوف عن الخمسماية والستماية نفر من زوق مصبح القريب للدير ومن باقي الزواق والضيع وبيروت …. هذا كله لأن الرهبنة ابتدت تستعمله بنظام حسن محرك الى العبادة بنوع أزيد … ودامت الرهبنة تستعمل الزياح والبشر تتوارد الى دير لويزة في ذلك النهار … “.
No Result
View All Result