صوم الميلاد ليس كالصوم الكبير، بل هو قطاعة فقط، ولا يسمح فيه بأكل اللحوم والمنتجات الحيوانية طيلة فترة الصوم. أهمية عيد الميلاد بالنسبة لخلاصنا تفرض بشكل طبيعي هذا الصوم كتحضير لنا، كي نستعد لأن نستقبل في مذود قلوبنا المسيح “الآتي” من المشارق، ويمنحنا من جديد ما خسرناه في السابق أي الحياة الأبدية.
تسمي بعض الكتب الكنسية القديمة عيد الميلاد فصحًا، وذلك بسبب ارتباط عيد الميلاد الوثيق بسر خلاصنا من الخطيئة ونجاتنا من الموت.
حددت الكنيسة صوم الميلاد لتهيئ لكل فرد المستوى الروحي الذي يستطيع من خلاله قبول سر الخلاص والمعلن في التجسد الإلهي، أي في ميلاد المسيح، لأنه يستحيل على الإنسان الطبيعي المنغمس في الطعام والشراب واللهو أن يقبل هذا السر الفائق الطبيعة. لذلك إذا لم يرتفع الإنسان إلى ما فوق الطبيعة بكل كيانه بالصوم، حتى يتهيأ العقل للتفكير في إمكانية التجسد وضرورته، فلن يستطيع إدراك هذا السر العظيم.
الفكرة الأساسية في الصوم هي أن نتهيّأ لِ “مجيء” الرب يسوع. وقد يشعر بعضنا أن كلمة “مجيء” هي رمزية، لأن المسيح يأتي إلينا في كل وقت ويعيش معنا وفينا.
رغم ذلك فإن اقتراب يسوع وحضوره الأزليين يأخذان طابعًا خاصًا وزخمًا قويًا في زمن الصوم، ذلك لأن الصوم يمنحنا نعمة أن نعي هذا الحضور بوضوح أكثر وبجدية أعمق. إنه زمن انتظارنا للنور الذي سيظهر. انتظارنا لتجسد الإله، الذي يصير إنسانًا مثلنا لكي يخلصنا: “صار الإله إنسانًا لكي يصير الإنسان إلهًا”، ما أعظم هذا التأمل في الإلهية.
إذن صومنا هذا يتم لنقاء النفس والجسد، فنستحق استقبال ذكرى ميلاد الفادي، كلمة اللّه المتجسّد، كما صام موسى قبل أن يتسلّم كلمة اللّه المكتوبة، أي شريعة العهد القديم. وتجسد يسوع لكي نستعيد الوحدة والشركة معه. وها نحن نستعد لاسقتبال الحدث المجيد بالصوم.
فلنهيئ أنفسنا يا أحبتي، لاستقبال إلهنا المتجسد، ولنحترس من تلك الأفكار الشائعة: “ما فائدة الصوم؟” “والصوم هو صوم الأعمال والألفاظ”.
كونوا أقوياء أحبتي، وجاهدوا في كُل شيء، في عقولكم، أفكاركم، وأجسادكم دون أي فلسفات وترهات تهدم كمال هذا الجهاد. حتى نكون في أسمى صورة. بحسب تقليد آبائنا القديسين وتوصيات الكنيسة المقدسة.
من صفحة أخبار الأراضي المقدسة