
أيقونة غنيّة بالمعاني الكتابيّة واللاهوتيّة!
أبيات المديح الأربعة والعشرين، هي من أجمل وأروع وأعمق ما كُتب في الشِعر الكنسيّ اللاهوتي في مديح والدة الإله الكلّية القداسة الدائمة البتولية مريم. وكل التشابيه والصور البلاغيّة الموصوفة بها العذراء في هذه الأبيات، مستقاة من أحداث الكتاب المقدس نفسه.
إحدى هذه الأبيات الشِعرية يقول: “إفرحي يا بَحراً غرَّقَ فرعون العَقليّ”. {من البيت الحادي عشر}
وبالأصل اليوناني:
Χαίρε θάλασσα ποντίσασα Φαραώ τον νοητόν.
فما معنى هذا الكلام؟
عندما أخرج الرب شعبه من أرض مصر، يقودهم موسى النبيّ، لحق بهم فرعون وجنوده بمركباتهم الحربيّة، ولكن الرب إجترح معجزة عظيمة لخلاصهم، إذ شقَّ مياه البحر الأحمر إلى شطرين، وأجازَ فيه بني إسرائيل ماشين على اليَبَس، والماء سورٌ لهم عن يمينهم وعن يسارهم حتى عبروا البحر. ولمّا تبعهم المصريون ودخلوا وراءهم بجميع خيلهم وفرسانهم ومركباتهم، ردَّ الرب مياه البحر على ما كان عليه، فغرق فرعون وجيشه المدجّج بالأسلحة ولم يبقَ منهم أحد. (خروج ١٤)
البيت المذكور يشير إلى هذا الحدث وعلاقته الرمزية العميقة بوالدة الإله العذراء مريم. فالبحر الأحمر هو الصورة الرمزية للعذراء الكلّية القداسة، لأنّ الرب يسوع المسيح المولود منها، هو الماء الخلاصي الذي بالمعمودية المقدسة، التي هي رسمُ موته ودفنه وقيامته، أغرقَ إبليس وكل قوّات الظلمة والشرّ، المرموز إليهم بفرعون وجنوده، ومنحنا بها غفران خطايانا، وجدَّدَنا بالروح القدس. ومثلما عبَرَ بنو إسرائيل البحر من العبودية إلى الحرية، ومن الموت إلى الحياة، هكذا أجازنا المسيح في ماء المعمودية من عبودية إبليس والخطيئة إلى حريّة مجد أولاد الله، ومن سلطان الموت إلى ميراث الحياة الأبدية.
وهكذا تكون العذراء مريم التي حملت المسيح في أحشائها، هي هذا “البحر” الحاوي الماء الخلاصي، الذي غرَّق الشياطين وأباد سلطانهم، وحرَّرنا من عبوديتهم واستبدادهم بطبيعتنا البشرية، وعوضاً عن ذلك جعلنا به أبناء الله.
(الأب رومانوس الكريتي)
No Result
View All Result