أسرة ومجتمع: مخاطر الإدمان علـى الكحـول
بغداد ـ مهند عبد الوهاب
منذ أن سجل تاريخ الإنسان وربما قبل ذلك بزمن طويل والإنسان يتناول من مواد الطبيعة ومستحضراتها ماهو غير طبيعي أو ضروري وقد لجأ إلى ذلك إما سعياً وراء اللذة أو لغرض تحقيق المعاناة النفسية او الجسمية أو لغرض التمهيد أو المشاركة في الممارسات والطقوس المختلفة التي تختلف من مجتمع لآخر ومن حضارة لأخرى ومن هذه الطقوس طقوس الزواج أو أي حدث مفرح وفي مجتمعنا العراقي هناك أوساط اجتماعية محدودة ذات نظرة مسامحة تجاه تعاطي المسكرات حيث أن وجهة نظرها الاجتماعية تجاه هذا الموضوع هو اعتباره مظهراً من مظاهر الرجولة وأن البعض من أهل هذه المدن العراقية يتخذون من الشراب وسيلة لمقاومة الحالات المزاجية التي يعانون منها نتيجة التوتر والقلق أو الإرهاق بسبب بعض العوامل المحيطة والتي تشمل النواحي الاجتماعية والحضارية والاقتصادية للفرد حيث أن هذه العوامل تفرز مدى تقبل المجتمع لتناول الكحول كما أن البعض الآخر يجد في تناول المشروبات الكحولية وسيلة للحصول على المتعة كأسلوب للتعامل الاجتماعي ولكن النظرة الاجتماعية السائدة عموماً عند مجتمعنا أو الموروثة تجاه الخمرة ومدمنيها هي أن الخمرة رجس محتقر عند أغلب الناس وهذا يدعو الى التفاؤل مستقبلاً بتشجيع هذا الموقف والتثقيف الصحي المستمر الذي يساعد في روع من يخدع لتعاطيها من الشباب وتنفيره منها يعد من الخطوات الأولى من ولوجها ميدانياً ويجدر بنا أن نعتز بهذا التراث العظيم والقيم لنصون شعبنا ونوفر عليه الكثير من المعاناة التي تسببها مضاعفات الإدمان الصحية والنفسية والاجتماعية من دون استفحال هذه المشكلة ولهذا كان للصباح أن تتابع هذه القضية وتعرضها بشكل مفصل من خلال الدكتور عمار عبدالحسن اختصاصي الأمراض النفسية فكانت لنا مجموعة من الأسئلة. أسباب متعددة ومتنوعة:
*ماهي الاسباب المؤدية الى تعاطي الكحول والإدمان عليه؟
لقد قام عدد من العلماء بأبحاث كثيرة نفسية وكيمياوية لتقرير السبب الذي يدفع بعض الأفراد إلى الإدمان بينما يظل معظم الذين يتناولون الشراب حتى بكثرة بدون إدمان وليس كل من تناول المشروبات الكحولية هو مدمن، ويختلف الباحثون في أمور الإدمان على الكحول قي تقويم الأهمية النفسية لكل من العوامل المؤدية للإدمان وإذا أردنا التطرق إلى موضوع الأسباب المؤدية الى تعاطي الكحول والإدمان عليه بصورة عامة فيمكننا القول بأنها متعددة ومتنوعة.ويمكن تقسيمها إلى:
1- خاصية الكحول..
أ. إن للكحول تأثيراً مهدئاً فعالاً لذا يتناوله الشخص من أجل تجنب بعض مشكلات الحياة اليومية والأزمات التي تمر بالفرد في حياته والتي قد تثير شعوراً نفسياً معيناً لديه كالقلق والخوف بسبب عدم استطاعته مواجهة معضلات الحياة.
ب.لحل مشاكله العاطفية أو لرفع معنوياته وتحسين مزاجه.
ج. من أجل تجنب المشاكل النفسية المزمنة كالقلق والتوتر النفسي الذي يزول بتناول الخمرة…
2-صفات شخصية متعاطي الكحول.
هناك أدلة كثيرة تربط بين الإدمان على الكحول وشخصية المدمن أو تركيبته النفسية حيث أن هنالك اتصالاً وثيقاً بين اضطراب الشخصية وخاصة الشخصية (السايكو باثية)وبين الاستعداد للإدمان ليس على الكحول فقط وإنما على مختلف وسائل الإدمان العقاقيريه الأخرى واعتقد أن سبب الإدمان هو عدم تكامل بناء شخصية الفرد حيث يكون الشخص غير متهيئ لحل المشاكل التي تواجهة في الحياة بصورة طبيعية وكلما ضعفت شخصية الفرد كلما زاد من اتجاهه على تعاطي الخمرة حيث يجد الراحة النفسية لهذه المشاكل ونستطيع أن نقول أيضاً ان الإدمان هو اعتبارات عصبية واختلاطات بالجهاز العصبي وهذه بعض أنواع الشخصية التي نجدها في المدمنين.. شخصيات مضطربة
1. الشخصية القلقة التي تتناول الكحول لتعطية الشعور بالقلق ومثل ذلك نجده في الشخصية الانطوائية.
2. الشخصية السايكوباثية وهؤلاء يتناولون الكحول للحصول على الشعور بالنشوة أو لاكتساب شعور الأهمية بالشذوذ عن غيرهم أو كتعيبرعن كراهيتهم للجميع أو لكبت شعورهم بالفشل الجنسي.
3. الشخصية المريضة عقلياً وخاصة مرضى الكآبة حيث يستعملون الكحول للتخفيف من الكآبة . وبعد تأكد حالة الإدمان فإن شخصية المدمن تكون ذات طبيعة إدمانية تتمتع بصفات خاصة نفسيا وخلقيا واجتماعيا تحتم الاستمرار في الإدمان وأبرز هذه الخصائص الاتكال والاعتماد على غيرها ولنهرب من المسؤولية وعدم الثقة بالنفس وتجنب العمل والاتجاه المضاد للمجتمع إضافة الى عدم التقيد بالمثل والكذب.
*ماهي انواع الإدمان على الكحول؟
توجد أنواع عديدة وهي خمسة أنواع :
1.نوع ألفا والاعتماد على الكحول في هذا النوع هو اعتماد ونفسي فقط والتعاطي هنا يتناول المشروبات الروحية لغرض التخلص من التوتر النفسي لتجنب بعض المشكلات اليومية.
2. نوع بيتا .. وهو يحدث نتيجة الإفراط في تناول المشروبات الكحولية وقد تظهر المضاعفات الجسدية (كتشمع الكبد الكحولي) الواضحة حتى بعدم وجود مظاهر الاعتماد البدني.
3. نوع كاما… وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً في الدول الأوربية حيث المواقف الاجتماعية السائدة والعوامل الاقتصادية هناك تساعد على ذلك وفيما يتعاطى الشخص مشروبات كحولية مركزه وأعني أن يستمر الشخص باحتساء والخمور إلى أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح ثملاً في الغالب والمدمن في هذا النوع يكون اعتماده بدني أي تحدث لديه أعراض انسحابية في حالة امتناعه عن تناولها وأن تمثيل خلاياه العصبية الدماغية يصبح متكيفاً لوجود الكحول في الدم في الفترة المركزة فقط.
4.نوع دلتا… وفي هذا النوع لايمكن للشخص أن يترك المشروبات بسبب حدوث اعتماد بدني عليه وتوجد دائماً نسبة واطئة من مادة الكحول في دمه خلال 24ساعة وانه عندما يتناول المشروبات الكحولية فإنه يتناولها بتركيز أقل من النوع السابق وإن الكمية موزعة على معظم أوقات النهار والليل(باستثناء ساعات النوم) لذلك فإنه ليس من الضروري أن يصبح ثملاً وإن خلاياه العصبية الدماغية تكون متكيفة باستمرار لوجود الماده الكحولية في دمه. وهذا النوع هو مرض بالمعنى الكيمياوي والفسلجي نظراً لحدوث الأعراض الانسحابية بعد الامتناع عن الشرب.
5.نوع ابلسون… وهذا النوع يحدث للشخص عن رغبة قاهرة لتناول المشروبات الكحولية وبإفراط في فترات متكررة وبين هذه الفترات يكون شرابه معتدلاً وان له علاقة بمرض الوسواس والشخص الذي يعاني من هذه الحالة تتكون لديه كآبة متكررة وإنه يحاول أن يرفع من مزاجه الكئيب بالمشروبات الروحية . مضاعفات خطيرة جداً.
*ماهو تأثير الكحول على مختلف أجهزة الجسم؟
الإدمان على الكحول هو مرض اجتماعي يؤثر في علاقات الفرد بالمجتمع ويحتاج إلى حلول سريعة إما عن الأضرار الناتجة على مختلف أجهزة الجسم فهي أضرار مباشرة وهي في بداية الأمر تؤثر في الجهاز العصبي المركزي والمحيطي. (أي الأعصاب المحطية التي تغذي الأطراف العليا والسفلى)ومن أهم أعراضه الاضطرابات الحسية كالخدر والتمنل في الكفين و القدمين والتشنج في عضلات الساقين وفي الحالات الشديدة قد يحصل فقدان للقوة العضلية وشلل في الأطراف وأيضاً يبدأ التأثير على العين وبالحقيقة إن العين من أرق الأعضاء في الجسم التي تتعرض كثيراً للإصابة بمختلف الأمراض التي تتناب الجسم أو بسبب التأثيرات غير المرغوبة لبعض العقاقير ومنها الكحول. إن الإدمان على الكحول وخاصة المثيلي منها مثل السبرتو والكولونيا يؤدي إلى مضاعفات خطيرة جدا وخاصة بما له من تأثير مدمر على العصب البصري إذ أنه يؤدي الى ضمور العصب البصري مؤديا إلى حالة (الغمش) والسبب الرئيسي هو نقص فيتامين (B12) مع نقص في قابلية تمثيل السيانيد وإن تأثير الكحول هو تأثير مباشر على المخ يؤدي إلى حالة تتميز بعدم قدرة المريض على التحرك المتزامن للعينين سواء أفقي أو عمودي. التأثير على المخ وهو نتيجة نقص فيتامين (B1) وتؤدي إلى صعوبة في التركيز الذهني واضطراب في النوم ومن ثم حالة ارتباك وقد تنتهي بالذهول والغيبوبة ومن أهم أعراض هذه الحالة أيضا شلل عضلات العينين (أي زغللة العينين). الجهاز الهضمي وأهم الأعضاء يبدأ بالكبد ونتيجة الآثار التي يتركها الكحول على الكبد يمر بثلاث مراحل:
أ- مرحلة تراكم الدهن وهذا يؤدي الى تضخم الكبد سريريا مع تغير طفيف في وظائفه.
ب- مرحلة التهاب الكبد وتنتج عن التأثير المباشر لمادة الكحول على الكبد ووظائفه وفي هذه المرحلة يحدث تضخم في الكبد مع الإحساس بالألم.
جـ- مرحلة تليف الكبد وتتميز بتضخم وتصلب الكبد والطحال وقد يؤدي الى فشل في الكبد ونزف في الأمعاء والمعدة وتغيرات في تجلط الدم . أما عن المعدة من المعروف أن الكحول مهيج لغشاء المعدة وقد يسبب التهابا حادا في المعدة ويتميز بغثيان وقيء وألم وعسر هضم كما أن ألم المعدة المزمن يصاحب الإدمان على الكحول. أما البنكرياس فإن 50% من التهاب البنكرياس تكون بسبب الكحول إذ ان يتعاطى الكحول بكثرة يقلل من كمية إفرازات البنكرياس ويزيد من لزوجتها ويسبب انسدادا في القنوات البنكرياسية وهذا يؤدي الى التهاب البنكرياس الذي من أهم أعراضه الألم في البطن وتقيؤ وحمى وانخفاض في ضغط الدم. أمراض نفسية وذهانات كحولية
* ما هي اهم المضاعفات النفسية؟
ويتابع الدكتور عمار حديثه عن المضاعفات النفسية فيقول: يتمثل بتدهور الشخصية والقيام بسلوك غير اجتماعي مع ظهور حالات من الأمراض النفسية أو الذهانات الكحولية والتي هي ذهانات عضوية راجعة غالبا إلى كثرة تعاطي الكحول ويبدو ان نقص التغذية يلعب دورا مهما في إحداثها وفي بعض الحالات يكون التوقف عن تعاطي الكحول سببا مهما أيضا وتتمثل في:
1- الهذيان الارتعاشي أو الاهتزازي: وهذه الحالة تمثل المرحلة الشديدة جدا للأعراض الانسحابية وتحدث في اليومين الثاني والخامس من الإقلاع عن تعاطي الكحول وهذه الحالة لها خطورة على الحياة إذ تصل نسبة الوفيات من 15-20% إذ لم يسعف إسعافا فوريا وتتصف هذه الحالة بأعراض متعددة منها تشوش الوعي وارتعاش في الأطراف والقلق والفزع التوتر وكثرة الحركة ويكون المريض خشن السلوك والتعامل والتصرف الشديد والشعور بالعدوان والخداعات الحسية والتهيؤات مثلا يتهيأ له وقوع سقف الغرفة عليه وأحيانا الهلاوس البصرية مثلا رؤية أشباح غريبة ومخيفة ورؤية حيوانات صغيرة تتجه نحوه كالفئران والبعوض والثعابين ما يسبب له خوفا شديدا يؤدي به إلى الهروب وغالبا ما يفقد المريض الذاكرة.
2- الهذيانات أو الأوهام الخيالية: وأهم هذه الهذيانات هي الغيرة الكحولية التي تصل بالفرد الى درجة الشك في تصرف زوجته فيقوم بتفتيش ملابسها ومراقبة سلوكها واتهامها بالخيانة الزوجية.
3- الهلاوس الكحولية: وتتميز هذه الهلاوس السمعية بسماع أصوات غريبة ليس لها مصدر خارجي وقد يرد عليها في بعض الأحيان الخداع الحسي والأفكار الاضطهادية وتختفي هذه الاعراض بعد التوقف عن شرب الخمر.
4- العته أو الخرف الكحولي: ويحدث للمخ ضمور واسع في خلاياه العصبية للقشرة الدماغية للمدمن المزمن كل أعراض الاضمحلال العقلي والتدهور الشديد في الشخصية والاضطراب الملموس في الذاكرة.
5- ذهان كورساكوف الكحولي: نتيجة لإصابة بعض مناطق المخ بنزف وتليف في الخلايا العصبية يتميز هذا الذهان بنقص واضح مستمر للذاكرة وللأحداث الغريبة مع تزييف الواقع لملء الفراغ الموجود في الذاكرة ويصاحب هذه الأعراض الالتهاب في الأعصاب المحيطية للأطراف ويتأثر القلب والكبد أيضا، إن هذا الذهان يحدث في المخمورين كنتيجة للذهان الكحولي الحاد ولاسيما الهذيان الارتعاشي ونادرا في الكحولية المزمنة. وفي كلمة اخيرة للدكتور عمار قال: المدمنون على الكحول هم أفراد يشترون الأمراض ويرتضون أن تفتك بأجسادهم وينفقون عليها الأموال وإن الإدمان على الكحول له تكاليف اقتصادية وتأثيرات سلبية اقتصادية واجتماعية ويؤدي بهم الى تحلل الفرد وابتعاده عن المسؤولية ويؤدي الى صعوبة التوافق مع الحياة الاجتماعية وأيضا يؤدي الى زعزعة نظام الاسرة والاختلال في التوازن العائلي وعدم تمكنه من مواجهة مشاكل الحياة المعقدة وتكون في هذا معاناة أطفالهم وأسرهم واضحة في تقصيرهم على أسرهم في الانفاق ويؤثر في علاقاته الزوجية وقد تنتهي هذه العلاقة بالطلاق. وبعض المدمنين يتهيجون أثناء شربهم الخمر وقد يستعملون أساليب عدوانية ضد زوجاتهم كالضرب الجسدي المبرح فهذه بحد ذاتها نزعة إجرامية. ويجب أن يدرك الشباب أن الذهاب في هذا الطريق يؤدي بهم إلى مصير محتوم فلم لا يعيشون وفق الأعراف والتقاليد الدينية السمحاء وعليهم أن ينظروا إلى مستقبلهم بعين الأمل ورغم ما يمر به البلد من مشاكل فلابد أن تنتهي فعليهم أن يؤسسوا البداية ليكون فيها مستقبلهم واضح المعالم وأن يكون أسرة مبنية على الاحترام والمحبة والنجاح
Discussion about this post