
ما هو عطر ” الناردين ” الذي دهنت به مريم قدميّ يسوع ؟
ولماذا كان باهظ الثمن ؟

نقرأ في إنجيل يوحنا ١٢ / ١ – ٨
” وَقَبْلَ الْفِصْحِ بِسِتَّةِ أَيَّامٍ جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتَ عَنْيَا، بَلْدَةِ لِعَازَرَ الَّذِي أَقَامَهُ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ. فَأُقِيمَتْ لَهُ وَلِيمَةُ عَشَاءٍ، وَأَخَذَتْ مَرْثَا تَخْدِمُ، وَكَانَ لِعَازَرُ أَحَدَ الْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَناً (أَيْ ثُلْثَ لِتْرٍ) مِنْ عِطْرِ النَّارِدِينِ الْخَالِصِ الْغَالِي الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ بِهِ قَدَمَيْ يَسُوعَ، ثُمَّ مَسَحَتْهُمَا بِشَعْرِهَا، فَمَلأَتِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ أَرْجَاءَ الْبَيْتِ كُلِّهِ. فَقَالَ أَحَدُ التَّلامِيذِ، وَهُوَ يَهُوذَا الإِسْخَريُوطِيُّ، الَّذِي كَانَ سَيَخُونُ يَسُوعَ: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هَذَا الْعِطْرُ بِثَلاثِ مِئَةِ دِينَارٍ تُوَزَّعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ؟» وَلَمْ يَقُلْ هَذَا لأَنَّهُ كَانَ يَعْطِفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ، بَلْ لأَنَّهُ كَانَ لِصّاً، فَقَدْ كَانَ أَمِيناً لِلصُّنْدُوقِ وَكَانَ يَخْتَلِسُ مِمَّا يُوْدَعُ فِيهِ. فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «دَعْهَا! فَقَدِ احْتَفَظَتْ بِهَذَا الْعِطْرِ لِيَوْمِ دَفْنِي، لأَنَّ الْفُقَرَاءَ عِنْدَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ؛ أَمَّا أَنَا فَلَنْ أَكُونَ عِنْدَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ “.
* عطر الناردين الذي دهنت به مريم (أخت لعازر) قدميّ يسوع في بيت عنيا هو زيت نادر وثمين جداً يُستخرج من نبات الناردين (باللاتينية: Nardostachys jatamansi)، وهو نبات عطري ينمو في المناطق الجبلية في الهند والتيبت ونيبال.
في الإنجيل، وتحديدًا في إنجيل يوحنا (12: 1-8)، يُذكر أن مريم “أخذت من طيب ناردين خالص كثير الثمن، فدهنت قدمي يسوع ومسحتهما بشعرها”، وكان ذلك قبيل الفصح بستة أيام. واعترض يهوذا الإسخريوطي على “الإسراف”، قائلاً إن هذا الطيب كان يمكن بيعه بثلاثمئة دينار وتُعطى للفقراء. لكن يسوع دافع عن مريم قائلاً: “إنها حفظته ليوم دفني”.
* بعض الملاحظات المهمة عن الناردين :
-كان يُستخدم في أيام المسيح كعطر فاخر وكعلاج عطري وكزيت مسكّن.
-كان يدخل أحيانًا في تحضيرات دفن الموتى، لذا إشارة يسوع إلى “يوم دفني”.
– سعره المرتفع جدًا (ثلاثمئة دينار تعادل تقريبًا أجر سنة من العمل لعامل عادي) يدل على حب مريم الكبير وتقديرها ليسوع.
كان عطر الناردين باهظ الثمن في أيام يسوع لأسباب عدّة مجتمعة:
١ – مصدره الجغرافي البعيد :
نبات الناردين لا ينمو في فلسطين أو البلدان المجاورة، بل في مرتفعات الهند والنيبال والتيبت ، وكان يُستورد عبر طرق تجارية طويلة ومكلفة مثل طريق الحرير. هذا وحده كان كافيًا لجعل سعره مرتفعًا بسبب كلفة النقل وندرة المورد.
٢ – صعوبة إستخراجه
الزيت يُستخرج من جذر النبتة، وهذه العملية كانت تحتاج وقتًا وجهدًا وتقنيات دقيقة للحفاظ على جودة الرائحة. وكلما كان الزيت أنقى (كما ورد في النص “ناردين خالص”)، ارتفع ثمنه أكثر.
٣ – رمزيته وإستعماله :
الناردين لم يكن فقط عطرًا، بل كان يُستخدم:
في طقوس تكريم الضيوف المهمين.
كعطر للزينة الخاصة في الأعراس
وخصوصًا في تحضير الأجساد للدفن . لذا كان يُعتبر سلعة فاخرة، بل أحيانًا يُحتفظ به كاستثمار أو ميراث ثمين.
٤ – العرض والطلب :
لأنه نادر، وكان الطلب عليه مرتفعًا من الأثرياء والكهنة وحتى العائلات التي تتحضّر للدفن، فقد كانت أسعاره دائمًا عالية. بالتالي، عندما سكبت مريم قارورة من هذا الطيب على قدمي يسوع، كانت تقوم بفعل حب وتكريم بالغ يكاد يساوي حياتها ومدخراتها . وهذا ما أثار دهشة الحاضرين واعتراض يهوذا.
يا يسوع الحبيب، كما سكبت مريم طيب الناردين على قدميك، أسكب أنا قلبي أمامك بمحبة صادقة. خذ يا رب ما عندي، ولو كان قليلاً، فهو لك، وبك يصير كثيرًا. علّمني أن أحبك دون حساب، وأن أختارك فوق كل كنز وفوق كل ثمن. اجعل من حياتي طيبًا يمجّدك، ومن خدمتي عطراً يملأ بيتك. آمين.
بقلم فادي داوود.
No Result
View All Result