
إذا كان المسيح قد صُلبَ يوم الجمعة العظيمة فلماذا تُرتّلون في مساء الخميس العظيم “اليوم عُلِّقَ على خشبة…” ؟!
في مفهومنا العصري يبتدىء اليوم الجديد عند الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، وينتهي الساعة الثانية عشرة من منتصف الليلة التالية، ليبدأ معها يومٌ آخر… ولكن في تقليد الكنيسة الأرثوذكسية تختلف طريقة حساب بدء اليوم ونهايته، لأنَّ اليوم الليتورجيّ أو الطقسيّ، يبتدئ مع غروب الشمس، وينتهي مع غروب شمس اليوم التالي، وهكذا…
وقد إعتمدت الكنيسة الأرثوذكسية هذا النظام في حساب بدء اليوم ونهايته، إستناداً إلى ترتيب أيام الخليقة الستّة الوارد تفصيلها في الكتاب المقدس (تكوين1) حيث تتكرّر مراراً عبارة: “وكان مساءٌ وكان صباحٌ يومٌ واحدٌ.. يومٌ ثانٍ… يومٌ ثالثٌ…إلخ. ما يعني، أنّ المساء في المفهوم الكنسيّ يُعتبَر بداية اليوم الجديد الذي ينتهي مع مساء اليوم التالي له. والمبدأ نفسه كان وما زال متَّبعاً عند اليهود، حيث يبدأ يوم السبت عندهم مع غروب يوم الجمعة، وينتهي مع غروب يوم السبت.
وبناءً عليه، مع حلول مساء يوم الخميس العظيم المقدس، ينتهي يوم الخميس (ليتورجياً) ويبتدئ يوم الجمعة العظيمة، ونشرع في إحياء كل الأحداث الخلاصيّة التي جرت في هذا اليوم العظيم المقدس، والتي تتضمّنها قراءات الأناجيل الإثنا عشر التي تُقرأ خلال “خدمة الآلام المقدسة” مساء الخميس العظيم المقدس.
هذه الخدمة في الواقع هي صلاة السَّحَر ليوم الجمعة العظيمة المقدسة، وبحسب النظام الأصلي تُقام عند فجر يوم الجمعة العظيمة، كما هو ترتيب (تيبيكون) الأديار الأرثوذكسية في الجبل المقدس آثوس، ودير القديس سابا في فلسطين وغيرها… وتستغرق الخدمة حتى طلوع الشمس. ولكن مبدئياً، ومن الناحية العمليّة، الناس العائشون في العالم لا يأتون إلى الكنيسة مع ساعات الفَجر المُبكّرة لحضور هذه الخدمة، لذلك، تدبيرياً، في كنائس الرعايا، في القرى والمُدُن، تُبكّر الكنيسة في إقامتها مساء الخميس العظيم {الذي هو بداية يوم الجمعة العظيمة طقسياً كما أوضحت} بدلاً من إقامتها فجر الجمعة العظيمة، ليتمكن الشعب من حضورها، بينما ما تزال الأديار الرهبانية محافظة على الترتيب الأصلي والقديم بإقامتها فجر يوم الجمعة العظيمة.
والمبدأ نفسه ينطبق على صلوات الخَتَن المسائية في الأيام الثلاثة الأولى من الأسبوع العظيم المقدس، إذ أن “صلاة الخَتن” المُقامة مساءً ما هي في الواقع إلاّ صلاة السَّحَر لليوم التالي.
لذلك نُرتِّل “اليوم عُلِّقَ على خشبة” في خدمة “قراءة أناجيل الآلام الاثنا عشر” مساء الخميس العظيم، لأنّنا ليتورجياً بدأنا بيوم الجمعة العظيمة. وهذه الترتيلة نفسها، نعود ونُرتّلها مجدَّداً في صباح يوم الجمعة العظيمة، خلال خدمة الساعات الملوكيّة الكبرى في “صلاة الساعة التاسعة” التي تسبق صلاة الغروب وخدمة إنزال جسد المسيح عن الصليب ودفنه.
من الناحية العمليّة نلاحظ أنّ الكنيسة الأرثوذكسية تُوزّع على إمتداد يوم الجمعة العظيمة (الليتورجي) من بدايته يوم الخميس مساءً حتى نهايته يوم الجمعة مساءً، ثلاثة خِدَم طقسية طويلة، تستغرق كل واحدة منها ما لا يقلّ عن ثلاث ساعات وهي:
١. صلاة السَّحَر ليوم الجمعة العظيمة (أي قراءة أناجيل الآلام الاثنا عشر والصَّلب، التي تُقام مساء الخميس العظيم).
٢. صلاة الساعات الكبرى والغروب، الذي يصير فيه إنزال المصلوب ودفنه (تقام صباح يوم الجمعة العظيمة).
٣. خدمة جناز السيد المسيح (تقام مساء يوم الجمعة العظيمة، وهي في الواقع صلاة السَّحَر ليوم السبت العظيم المقدس).
بقلم: الأب رومانوس الكريتي
No Result
View All Result