ساعة سجود
“نشيد المجد للمصلوب القائم”
١-“نشيد المجد للمصلوب القائم”
تأمل:
لِنرفعنَّ التسبيح، لا كواجبِ عبادةٍ مفروض، بل كفَيْضِ امتلاءٍ من قلبٍ خَبِرَ النور،
إلى ضياء الآب السرمدي… ذاك الذي لا يُرَى، لكن مَن يُحِبُّ يرى إشراقَه في وجه الابن،
ذاك الذي لا يُدرَك، لكن في اتّضاع الكلمة، صار يُلمَس، ويُقَبَّل، ويُصلَب. هو جالسٌ عن يمين الجود،
لا كالمُتفرّج على أوجاع الأرض، بل كمن انحنى إلى حطامها، ورَفَعَ المساكين من المزبلة، وجعلهم يُجلَسون مع رؤساء الملائكة. أيُّ نورٍ هذا الذي لا يُحاصَر بكلمة؟ أيُّ ظهورٍ هذا الذي يحمل في خفائه مجدًا، وفي صمته نداءً أقوى من الرعود؟ لقد أتى، لا كريحٍ عاتيةٍ تقتلع، بل كندى نيسان… أتى ليهزم ظلام الجهل، لا بصراع، بل بشمسه، أتى لا ليُدين العالم، بل ليُرويه، كمطرِ حياةٍ في أرضٍ عطشى.
أيُّها المسيح، أيها النيسان الأزلي، يا خصبَ الأرضِ بعد يَبَس، يا أملَ القبورِ حين تُزهِر من جديد! أنتَ حملتَ آثامنا لا كقاضٍ يعُدُّها، بل كعريسٍ يُحبُّ العروس حتى الصليب، وغصتَ في الجحيم لا لأنك مَدين، بل لأنك المُخلِّص، كالسبّاح الماهر، انحدرتَ إلى الأعماق، لتخرج منها اللؤلؤةَ التي خنقها الطين: آدمنا، وجراحنا، وذاكرتنا المكسورة. يا من رقدتَ بين الأموات، فاستيقظتِ الخليقةُ بك، حتى سكّان القبور أنشدوا حمدك، حتى السلاسل خجلت من قوتك، فانكسرت. سُحِق رأسُ الحيّة، لا بقوة الحديد، بل بتواضع الطاعة، انكسر الرمح، لا بضربة غضب، بل بقبلة تسليم كانت مدخلًا للفداء. آه، ما أعجب سُلطانك: تُهزَم وأنتَ المنتصر، تُصلَب وأنتَ المحيي، تُخفى في القبر وأنتَ القيامة!
اليوم تفرح البيعة، ليس فقط لأنّك قُمت، بل لأنّك معنا، تنتظرنا عند كل فجر، وتزرع الفردوس في داخلنا كلّما سجدنا. أنتَ القيامة… لا كحدثٍ مضى، بل كحياةٍ تُزرَع كلّ يوم. وإليك نرفع المجد، لا بلسانٍ فقط، بل بكينونتنا التي خلّصتَها، مع أبيك وروحك القدّوس، الآن، وكل آن، وإلى الأبد، آمين.
🕊️ صلاة:
أيُّها المسيحُ، يا نورَ الآبِ الخفيّ، يا مَن أشرقْتَ في العالمِ ككلمةٍ حَيّة، يا مَن هبطْتَ إلينا لا بسلطانِ الغضب، بل بمَسحةِ الرحمة، نحنُ اليومَ نرفعُ إليكَ التسبيحَ والمجدَ، لأنَّكَ فتحتَ لنا أبوابَ الفردوسِ التي أُغلِقَتْ بخطيئةِ البدءِ. أيُّها الحملُ الطاهرُ، قد حمَلتَ على عاتقِكَ أوجاعَ الأرضِ، وغصتَ في جَحيمِنا لتَنتشلَنا من الهلاك، فتحوَّلَ الحُزنُ فيكَ إلى نشيد، وتحوَّلَ الموتُ فيكَ إلى مهدٍ جديدٍ للحياة.
يا مَن كسرتَ الرُّمحَ، وسَحقتَ رأسَ الحيّة، يا مَن كتبتَ بعَرقِكَ وثَمنِ دمِكَ صكَّ غفرانِنا، امنحْنا أن نسيرَ وراءَكَ، نغوصَ في تواضعِكَ، وننهضَ بقيامتِكَ، لنكونَ لؤلؤتَكَ الجديدة في هذا الجيلِ المتألّم.
اليومَ تفرحُ الكنيسة، لأنكَ لم تتركْ الإنسانَ في رمادِهِ، بل جمعتَ بيمينِكَ ترابَهُ وبنيتَهُ من جديد.
أنرْ عيونَنا لِنراكَ في وجهِ المصلوبين، وثبّتْ قلوبَنا على دربِ الصليب، كي نبلغَ معكَ فرحَ القبرِ الفارغ.
لكَ المجدُ مع الآبِ، ولكَ الشكرُ مع الروحِ، في هذا العيدِ المجيدِ، وفي كلِّ أيّامِ حياتِنا، الآنَ وإلى الأبد، آمين.
(صمت…)
٢-“حجارةٌ حيّةٌ في بيتِ النور”
تأمل:
أيُّها الربُّ الصالِح، يا مَن ذُقنا حلاوتَكَ في جُرحِكَ، وسَكَنّا في بيتِكَ لا كغرباء، بل كأبناءٍ وُلدوا مِن النور!
لقد دعوتَنا لا لنكونَ حجارةً على هامش الطريق، بل حجارةً حيّة، تُشيّدُ بها بيتَكَ، مُكرَّسينَ، مملوئين من عطرِ الروح، نرفعُ لكَ ذبائحَ لا تُحرَق، بل تُقدَّمُ حبًّا وسُجودًا. نُؤمِنُ بكَ، يا رأسَ الزاوية، يا مَن رَذلَكَ البنّاؤون، فصِرتَ أساسًا لا يهتزُّ، وعلى صليبِكَ استقامتِ الكنيسةُ كعروسٍ مُضيئة دَعنا نُخبِرُ بفضائِلِكَ، لا بلسانٍ فقط، بل بسُلوكِنا وأحلامِنا وحنينِنا إليكَ، فنكونَ جيلًا مُختارًا، أمّةً نقيّة، شعبًا نجا من الظلمةِ لأنّه رأى نورَ وجهِكَ في الفصح.
صلاة:
أيّها الراعي الصالح، يا من اقتنيتَنا لا بثمنِ فضّةٍ أو ذهب، بل بدمِك الكريم، ثبّتْنا في كهنوتِكَ الملوكي، علّمنا أن نعيشَ كجماعةٍ مقدّسة، لا نرتضي الخبثَ ولا الرياء، بل نُرضِعُ من لَبَنِ كلمتِكَ،
حتى ننمو إلى ملءِ قامتِكَ فينا. اجعل منَّا مذابحَ حيّة، ويومًا بعد يوم، اجعلنا رائحةَ طِيبٍ تُفرِحُ قلبَ الآب، فنُسبِّحكَ ونرفع المجدَ لك، يا نورَنا العجيب، مع الآب والروح القدّوس، الآن وكلّ أوان، وإلى دهر الداهرين. آمين.
(صمت…)
٣-“القيامة: من الموت إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور”
تأمل:
أيُّها الربُّ الصالح، يا من أظهرتَ عمقَ محبّتك في أعظم فعلٍ من العطاء، فقد انحدرتَ من العلاء، لتَحملَ ضعفَنا وعاهاتِنا على صليبك. ذُقتَ الموتَ بإرادتك الطاهرة، لتخلِّصَنا من الأسر الذي وقعنا فيه منذ بدء الخليقة. لقد كانت وصيتك العظيمة أن ترفعنا من الحضيض إلى المجد، وها أنت تُعلِنَ للعالم قيامتك المجيدة، فتصبح حياتنا محطّ أنظار الجميع.
لقد تكسّرت قيود الموت بكلماتك، كما تكسّرت حواجز الظلمة بكبحك للشياطين، وظهرتَ لنا نورًا لا يُدرك، وحياة لا تنتهي. وفي ذكراك اليوم، نرفعُ إليك تسابيحنا وشكرنا، ليس فقط بألسنتنا، بل في حياتنا بأكملها. فلقد غيّرتَ موتنا إلى قيامة، وأحزاننا إلى فرح، وظلماتنا إلى نور.
نحن اليوم نحتفل ليس فقط بيوم قيامتك الجسدية، بل بعملك المستمر فينا. قيامتك لم تكن حدثًا عابرًا، بل هي الحضور المستمر في حياتنا، ترفعنا كلّما سقطنا، وتطهرنا كلّما تلونّا بالظلم. إنك زرعتَ فينا حياة جديدة، لا تقتصر على الأبدية فقط، بل تملأ أيامنا بالحياة الحقيقية الآن.
أيها المسيح الحي، في ذكرى قيامتك المجيدة، نسألك أن ترفع بيعتك المقدسة، أن تقدس قلوبنا ونفوسنا، أن تملأها بسلامك الذي يفوق كل عقل، وأن تجعلنا أدواتٍ لفداء العالم، نورًا في الظلمات.
إليك نصعد المجد والشكر، لأنك الحي الذي لا يموت، ونباركك في كل زمان، إلى الأبد. آمين.
صلاة:
أيها الرب الصالح، يا من انحدرتَ من العلاء لتمحو آثامنا وتُحيينا من جديد، نرفع إليك قلوبنا شاكرين من أجل قيامة حياتنا بيدك القدوسة. نشهد لك اليوم، أيها المسيح، لأنك خَلَّصتَنا من قبضة الموت وكسرتَ قيوده، وأعطيتَنا الحياة الأبدية في نورك. يا من رأيتَ ضعفنا، وجئتَ لرفعنا، استجب لصلواتنا ونحن نعيش فرحة قيامتك. اجعلنا أدواتٍ لحبك في هذا العالم، نعيش نورك في كل لحظة، ونعكس حضورك القدوس في أعمالنا وأقوالنا. طهرنا من كل خطيئة، وامدحنا فيك في هذا العيد المقدس، كما قدستَ كل شيء بحلولك في عالمنا البشري. دعنا نكون شعبًا مختارًا، أمةً مُقدَّسة، نُعلن فضائلك في كل مكان، نُبشّر بالقيامة، ونُحيي الرجاء في قلوب جميع الذين يرزحون تحت أثقال الظلام. أيها المسيح، اجعلنا نعيش حياتنا في نور قيامتك المجيدة، فتكون حياتنا شهادة لصالحك، وأعمالنا تمجيدًا لاسمك المقدس. نرفع إليك هذه الصلاة، في ذكرى قيامتك المباركة، طالبين منك أن تملأ قلوبنا بالمحبة، والسلام، والأمل الأبدي. آمين.
(صمت…)
٤-“قيامة النور: انتصار الحياة على الموت”
تأمل:
في غلس يوم الأحد، عندما خرجت مريم المجدلية إلى القبر، كانت متشوقة للبحث عن الجسد الذي أُخذ. إنها صورة من الحزن والخوف والضياع. لكن مفاجأة عظيمة كانت في انتظاراها: الحجر مرفوع، الباب مفتوح، والرب غائب! وبكل تعبير يملؤه الألم، صرخت: “أخذوا ربي ولا أعرف أين وضعوه!” فظنت أن القوي قد اختطف الجسد، تمامًا كما يسرق الضعيف.
لكن، يا مريم، مَن يستطيع أن يسرق النور؟ من يجرؤ أن يخبئ الشمس في ظلمة، أو يُخفي بحرًا في ضيق؟ من يقدر أن يأخذ اللهب ويحجبه في يديه دون أن يظهر؟ إن القوي الذي قام من بين الأموات لم يُسرق، بل قهر الموت وغلبه بقوة عظمى.
أيها الطوباوية، لا تخافي! الرب الذي قطَّع رباطات الموت وقام من القبر هو الحي إلى الأبد. لا يمكن للظلام أن يحجب نوره، ولا للموت أن يوقف حياته. قيامته ليست مجرد حدث عابر، بل هي انتصار حي ومستمر في كل لحظة من حياتنا.
إنه الفجر الجديد الذي أشرق على العالم بعد الظلمة. فكما قهر الموت وانهزم، كذلك ينتصر النور في قلوبنا، وتُفتح أبواب الحياة الأبدية أمامنا. لا خوف بعد اليوم، لأن الذي مات وقام هو الحي الذي لا يموت.
إلى المسيح القوي المنتصر، نرفع تسابيحنا، شكرًا له على قيامة الحياة. آمين.
صلاة:
أيها الرب الحي، يا من قمتَ منتصرًا على الموت، يا من قهرتَ القبر وظلّ الظلام، نرفع إليك قلوبنا وأفواهنا بالشكر والتسبيح. لقد انتصرتَ على الموت، فصارت حياتنا غير قابلة للموت، وأصبحنا بفضلك شركاء في قيامتك المجيدة. أيها المسيح الحي، يا من قطعتَ رباطات الموت وأعلنتَ الحياة، امكث في قلوبنا. جدد فينا روحك القدوس، وأضئ قلوبنا بنور قيامتك، حتى نعيش بفرحٍ دائمٍ وسط هذا العالم المظلم، حاملين في داخلنا وعد الحياة الأبدية التي أعلنتها لنا.
نحن اليوم نحتفل ليس فقط بيوم قيامتك، بل بالحياة التي تبثها فينا يوميًا. أنت الحي الذي لا يموت، أنت الفجر الذي يشرق في قلوبنا، والنبع الذي لا ينضب. امنحنا أن نعيش هذا النور، نعيش في فرح قيامتك، ونكون شهودًا على انتصارك في حياتنا. احفظ كنيستك المقدسة، قدس شعبك المؤمن، وامنحنا أن نكون أدوات سلام ومحبة في هذا العالم. ارفعنا من ضعفنا، وطهر قلوبنا من كل شر، حتى نكون مخلصين في محبتك، نعيش حياتنا في نور قيامتك، ونرفع إليك المجد والشكر الآن وإلى الأبد. آمين.
(صمت…)
٥-“تسبيح القائم إلى أبد النور”
تأمل:
يا مَن طبعتَ النورَ السرمديَّ في خلقتنا الأولى، ويا من سكبتَ إشراقتك في ظلمة الموت، إليك نرفعُ تسابيحنا اليوم، لأنك قهرتَ القبر، وسحقتَ شوكةَ الفناء، وأعدتَ الحياة حيث سادت الوحشة. لك نُسبِّح، لأنك جددتَ وجوهنا بنورٍ لا يُطفأ، وأعطيتَنا إيمانًا لا يتزعزع.
لقد تأنستَ يا بهاءَ الآب، وسرتَ في طريق الألم حتى الموت، لكنّكَ لم تُحتجزْ فيه، بل قمتَ ورفعتنا معك إلى الأعالي. فأصبحنا لا نعود نخاف الموت، لأنك أنتَ صرتَ لنا القيامة والحياة.
أيها الصالح، يا مَن وهبتَنا الرجاء فيك، وسكبتَ روحك في ضعفنا، امنحنا أن نحيا بقيامتك، لا بلساننا فقط، بل بحياتنا كلّها. اجعلنا أنشودةَ قيامتك الحيّة، نرنّم لك في الجسد والنفس والروح، ونشهد لك في هذا العالم المتقلّب، أنك أنتَ ربُّ الحياة.
احفظْ بيعتك المقدسة، أيها القائم، وشعبك المؤمن بك. كُن عونًا للمتألمين، ورجاءً للضائعين، وشفاءً للمنكسرين، ونورًا للمرتبكين.
إليك نرفع المجد والتسبيح، أيها الحيُّ إلى أبد الآبدين. آمين.
صلاة:
أيها المسيح القائم، يا بهاءَ الحياة وغالبَ الموت، نحنُ أمامك اليوم، نُصلّي بقلوبٍ انفتحت على النور بعد ظلمة، نرفعُ لكَ تسابيحَنا كَبَخورٍ جديدٍ في فجرِ اليوم الأوّل. لقد قُمتَ، وها الحياةُ قامت معنا، وتفتَّحَت أبوابُ الرجاءِ أمام العالم. يا من نزلتَ إلى أعماقِ القبر، وأعدتَ الحياةَ إلى التراب، تحنَّن علينا، نحن أبناءَ قيامتك، وزيِّن حياتنا بفرحِ حضورك الدائم. أَزلْ عن قلوبِنا ثِقلَ الحزن، واكسرْ قيودَ الخطايا، وأنرْ بوجهِك الساطع دروبَنا، فنعيشُ لا كالأموات، بل كأبناءِ النور. أَثبتْ فينا الإيمان، وعمّقْ فينا الرجاء، وسكُبْ فينا المحبّةَ التي لا تفنى. واجعلْ حياتَنا شهادةً حقيقيةً لقيامتك، فنحيا لكَ، ونموت فيك، ونقوم معك. لك المجدُ، أيها القائم، مع أبيك الصالح، وروحك القدّوس، الآن وكلّ أوانٍ، وإلى دهر الداهرين. آمين.