السبت العظيم – نزول يسوع المسيح إلى الجحيم – رأي الآباء القدِّيسين حول نزول المسيح إلى الجحيم
” فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُّوحِ، الَّذِي فِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ، إِذْ عَصَتْ قَدِيمًا، حِينَ كَانَتْ أَنَاةُ اللهِ تَنْتَظِرُ مَرَّةً فِي أَيَّامِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ.” ( ابطرس3: 18-20 ).
“فَإِنَّهُ لأَجْلِ هذَا بُشِّرَ الْمَوْتى أَيْضًا، لِكَيْ يُدَانُوا حَسَبَ النَّاسِ بِالْجَسَدِ، وَلكِنْ لِيَحْيَوْا حَسَبَ اللهِ بِالرُّوحِ.” ( 1بطرس4: 6 ).
إنَّ اللقاء أبرار العهد القديم مع الله بعد مماته الّذي كشف لنا عنه القدِّيس الرسول بطرس قد فُهم بشكلٍ مختلف من قبل لاهوتيي الشرق الأرثوذكسي والغرب اللاتيني.
لا يدرس الآباء القدِّيسون الشرقيون موضوع نزول المسيح إلى الجحيم على أنَّه جزءٌ ” منفصلٌ ” عن التعليم المسيحي. تطوَّر هذا الموضوع منذ القرون الأولى للمسيحيَّة في سياقٍ خلاصيٍّ واسعٍ أي في سياق انتصار المسيح على الموت والخطيئة كذلك وفي سياق استعادة الطبيعة البشريَّة الساقطة. بعد أن قضى المسيح على الموت بقيامته – ” أداة ” الشيطان هذه – وبعد أن أعاد الطبيعة البشريَّة إلى عدم فسادها الّذي كان لها في البدء، أعاد المسيح للبشريَّة عطية حياتها الإلهيَّة الّتي خسرتها عند سقوطها في الخطيئة.
لقد حصل جميع البشر دون استثناءٍ على فرصة اشتراكهم في هذه العطيَّة كما الأحياء منهم كذلك والراقدين. الأحياء بواسطة قبولهم للإنجيل المقدَّس على الأرض بواسطة الرُّسل ومن ورثهم وأمَّا الأموات ففي الجحيم بواسطة المسيح نفسه.
يُذكر في مصدرين من المصادر المسيحيَّّّّّّّة ( سفر الراعي للقديس الرَّسول إرموس وفي كتابات القدِّيس كليمنضوس الإسكندري ) بأنَّه قد بُشِّر في الجحيم من قبل تلاميذ المسيح أيضاً. إنَّه لمستحقٌّ أن نعير انتباهنا لقولٍ من أقوال القدِّيس كليمنضوس الإسكندري حول الخلاص:
” ….أؤمن بأنَّ هذا سينجزه المخلِّص، لأنَّ عمله هو أن يُخلِّص. لقد أنجزه جاذباً بعظته كلَّ واحدٍ يريد أن يؤمن به للخلاص وأينما وُجِدَ .”
تظهر هذه العبارة الأخيرة كمفتاحٍ ًلمعرفة من أخذ المسيح معه من الجحيم ” كلِّ واحدٍ يريد أن يؤمن به وأينما وُجِد ”
إنَّ الله الّذي يريد أن يصل الكلَّ إلى معرفة الحقيقة ( 1تيموثاوس 2: 4 ) قد صنع كلَّ شيءٍ ممكنٍ لخلاص البشريَّة. إنَّ ثمار الذبيحة الفدائية المقدَّمة من قبله هي ذات صبغة بشريَّةٍ مشتركة. تنتشر هذه الثمار على البشريَّة جمعاء بشكلٍ عام وعلى كلِّ إنسانٍ بشكل خاص. لقد حرِّرت الطبيعة البشريَّة بالفعل ويتعلَّق الشرط الوحيد لخلاص الإنسان برغبته الخاصَّة. وكما ينوِّه القدِّيس مكسيموس المعترف بعد أن مات وقام المسيح يتوَّقف الخلاص على إرادتنا الحرَّة.
لقد قضى المسيح على الموت والجحيم وأضعف قوة الشيطان ووحَّد الطبيعة البشريَّة مع الله وأدخلها إلى صُلب الثالوث الأقدس بدون أن يحدَّ بذلك من إرادة الإنسان. بعد نزول المسيح إلى الجحيم أُغلِقَت أبوابه ولكن من الداخل فقط أي من جهة المقيمين فيه. أو بمعنى آخر إنَّ حرِّيَّة الإنسان أي إرادة الإنسان الحرَّة هي ذلك ” الحجر ” الّذي ليس باستطاعة الله أيضاً أن يرفعه لأنَّه بعد نزول المسيح إلى الجحيم قد بقي ويبقى فيه أولئك الناس الّذين لم يريدوا أن يخرجوا منه فقط.
إنَّ القدِّيس كليمنضوس الإسكندري هو أوَّل من يُعبِّر عن هذه الفكرة ولكنَّنا نجدها فيما بعد في كتابات آباء قدِّيسين آخرين كذلك وفي نصوص الخدم الإلهيَّة للكنيسة الأرثوذكسيَّة. يدرس القدِّيس نيقولاوس كاباسيلاس( عاش حوالي القرن الرابع عشر الميلادي ) أيضاً في كتابه ” سبعة مقالات عن الحياة في المسيح ” حول من أخرج المسيح معه من الجحيم.
إنَّ سبب إقامة الخطأة ( بمن فيهم الشيطان ) في الجحيم هو إرادتهم الحرَّة إذ قالوا ” لا أريدك ” لله. لقد كان القدِّيس يوحنَّا الذهبي والقدِّيس باسيليوس الكبير والبار مكسيموس المعترف والقدِّيس يوحنَّا الدمشقي والبار إسحق السرياني وآخرون يؤمنون بذلك أيضاً وهم مقتنعين به. يقول القدِّيس إيريناوس بابا لاون على سبيل المثال:
” لقد ظهر المسيح ليس بالنسبة لأولئك الّذين آمنوا به فحسب….بل ومن أجل الناس أجمعين الّذين… رغبوا في رؤيته وسماع صوته.”
حول أنَّ غاية المسيح من النزول إلى الجحيم كانت ليس فقط أن يخرج الأبرار العبرانيين منه بل وجميع الأبرار من شعوب العالم شتَّى هو تعليم كنسيٌّ مشتركٌ.
يُسمِّي الإنجيل المقدَّس عيش النفوس الغير التائبة الّتي لا ترغب بلقائها مع الله ” بأتون النار ” ولا يقول القدِّيس اسحق السرياني عرضاً بأنَّ:” المُعذَّبين في أتون النار يتمُّ سحقهم بواسطة سوط المحبَّة الإلهيَّة.”
وهكذا لا تنظر الكنيسة الأرثوذكسيَّة إلى نزول المسيح إلى الجحيم نظرتها إلى ” حدث خاصٍّ ” لا علاقة له بالأحداث الأخرى في تاريخ خطَّة الله للخلاص على خلاف الكنيسة الغربيَّة. لا تقبل الكنيسة بأنَّه عملٌ أو فعلٌ حدث لمرَّةٍ واحدةٍ ولكنَّها في الوقت ذاته لا تعلِّمُ بأنَّ المسيح ينزل إلى الجحيم مرَّاتٍ متعدِّدةٍ. إنَّ القول الأكثر دِقَّةٍ هو أن نقول بأنَّه منذ لحظة نزوله ما يزال المسيح مُقيمٌ فيه بعمله الخلاصي وبطاقته الخلاصيَّة بدون أن يطرأ عليه تغييرٌ.
تُرجم من موقع الأرثوذكسيَّة البلغاري