وليد الطيب / صحفي من السودان.
في مدينة واد مدني التقيناه.. طالب بالمرحلة الثانوية.. لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، اجتمع لديه المال والشباب والأسرة العريقة، ولكن كل هذه النعم انتهت به إلى عالم الإدمان.. هو ليس استثناء بين المراهقين السودانيين الذين يتعاطون المخدرات المحلية الشائعة والمعروفة بالبانجو، فأحيانا تشكل وفرة المال بين يدي المراهق أحد أهم الأسباب التي تدفعه للاقتراب من المخدرات، وخاصة إذا كان يعاني من مشكلات أسرية، عندها يصبح هدفا سهلا لمروجي هذه السموم.
عاد “خالد” منذ عامين إلى السودان.. (موطنه الأصلي) بمعية أسرته بعد أن قررت أن تضع عصا التسيار(الترحال) عن عاتقها، ولكنه حمل في صدره عبء الدراسة باللغة العربية بديلا عن الإنجليزية التي يتقنها.
يحكي الطالب الصغير قصته لشبكة (إسلام أون لاين) بكلمات يعتصرها الألم – بعد أن تم القبض عليه وهو يتعاطى البانجو- فيقول: “فشلت في الدراسة بسبب اللغة، سنتين متتاليتين من الرسوب بعد أن كنت طالبا متميزا في المدارس الأمريكية، نظرات الاحتقار من أفراد أسرتي كانت بمثابة الخناجر في صدري، كرهت البيت وكرهت الناس والدنيا كلها، فالفشل لم أعرفه من قبل في حياتي، حتى دلني زميلي على مهرب مما أنا فيه، ودخلت حلقة الإدمان، لكني وقعت اليوم كما تراني!”.
المدمن البريء
“أمجد” مراهق نضر الوجه، تبدو عليه سمات براءة لم يفلح البانجو في إخفائها ومحوها من لوحة وجهه الوسيم، هو أيضا من أسرة ثرية في حساب المال والممتلكات، وبرغم ذلك تحسه فقيرًا اجتماعيا ونفسيا، “فالأب” مشغول عنه بمراكمة المال وتكديس الثروة وتأمين المستقبل له ولإخوته، و”الأم” في وادٍ آخر شغلت نفسها فيه بكل شيء إلا أبناءها، ولم يجد “أمجد” غير المخدر ملجأ له، فهو إن لم يعطه الحنان الأسري، فقد يقوده لعالم ينسى فيه المرء كل همومه.
وبابتسامة مشرقة ووجه وضيء يبدأ “أمجد” حديثه: المسجد أنقذني، دخلته صدفة بعد أن قاطعته سنوات انقطعت فيها لتعاطي البانجو فكاد ينسيني ديني وربي، ولكن الرحمن كتب لي الهداية على يد جماعة إسلامية التقيت بها في المسجد.. قاموا باحتوائي وساعدوني على التوبة وأرشدوني إلى سبيل النجاة حتى عادت حياتي سيرتها الأولى.
قبلات الشيطان
ولأن بعض أنواع المخدرات لا تنتشر إلا في الأوساط الثرية، فقد ابتكر المروجون أساليب جديدة في ترويجها، تقول “عبير محيي الدين”، وهي طالبة بمدرسة ثانوية بأم درمان: سمعت في مدرستي أن بعض البنات تعلمن تعاطي المخدرات بسبب تبادل القبلات في تحية الصباح مع بعض الزميلات، فهؤلاء يستغللن هذه “التحية” في نقل المخدرات إليهن عبر وضع بعض المساحيق المخدرة على خدودهن.
ويؤكد مقدم شرطة بمكافحة المخدرات بالخرطوم، رفض ذكر اسمه، وجود هذه القبلات القاتلة، قائلا: نحن نشجع المدمنين على الاستعانة بنا في علاجهم من هذه المشكلة، وقد تضمن قانون مكافحة المخدرات للعام 1994 مواد قانونية تحمي من يقم بتسليم نفسه من الملاحقة القضائية لتتولى الشرطة علاجه.
ويؤكد المقدم أن مكافحة المخدرات والحد من انتشارها لا يتأتى إلا عبر شراكة واسعة بين الشرطة والمواطن ومنظمات المجتمع المدني، موضحا أن انتهاج سبيل التوعية هي خطة العمل التي تسير عليها إدارة مكافحة المخدرات فيما يتعلق بالتعامل مع المراهق الذي يستهدفه المروج دائما، بجانب الأدوار الشرطية التي تتعلق بالقضاء على أماكن زراعته، واستبدال محاصيل نقدية أخرى بها، ويصرح بأنهم تمكنوا من إبادة 327 فدان حشيش في جنوب دارفور خلال هذا العام وحده.
ويأخذ المقدم على القانون الحالي بعض الثغرات التي تتيح للتجار الهروب من خلالها ومعاودة الكرة من جديد، فالقانون لا يجرم المتهم في حالة إذا ما لم تكن المخدرات بحوزته لحظة المداهمة.
المراهقون يتعاطون أكثر
من جهته، كشف اللواء شرطة د.”حامد منان”، مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بالسودان، أن طلاب المرحلة الثانوية يمثلون 20% من المتعاطين بولاية الخرطوم ويقدر عددهم بخمسة آلاف طالب، وأنهم وحدهم يستهلكون حوالي “طنا” من المخدرات في العام الواحد.
ويوضح سيادته أن طلاب الجامعات يفضلون تعاطي الكوكايين، بينما يعتبر البانجو من أكثر المخدرات تداولا بين طلاب المدارس، فبالإضافة إلى أنه سهل الإعداد، فهو يعتبر رخيصا نسبيا ولا تكلف “السيجارة” الواحدة منه أكثر من 4 جنيهات سودانية بما يعادل دولارين.
ويرى الأستاذ “متوكل الفادني”، الخبير التربوي بالمدارس الثانوية، أن الأسرة في الغالب تكون السبب الرئيسي في جنوح الابن المراهق نحو المخدرات، وأحيانا أخرى تكون التجربة هي التي تدفع بالمراهق نحو الإدمان، وخاصة الطلاب الذين يدخنون، وأن المراهقين المدمنين هم ضحايا بريئة للبيت العابث، وللمدرسة التي تخشى على سمعتها، وهذا الواقع يجعل طريق مكافحة الظاهرة ينتهي دائما عند الشرطة وقاعات المحاكم، ليئول مصير المراهق إما للسجن أو الإصلاحية.
Discussion about this post