إن البرايا بأسرها تفرح بكِ يا ممتلئة نعمة
تاريخها
كلمات ترتيلة إن البرايا بأسرها
إن البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئةً نعمة. محافلُ الملائكة
وأَجناسُ البشر لك يعظِّمون . أَيها الهيكلُ المتقدّسُ
والفردوسُ الناطق وفخر البتولية، التي منها تجسد الإلهُ
وصار طفلًا، وهو إلهنا قبلَ الدهور. لأنه صنع مستودعَك
عرشًا، وجعل بطنَك أَرحبَ من السماوات. لذلك، يا ممتلئةً
نعمةَ، تفرحُ بك كلُّ البرايا وتمجِّدُكِ.
تاريخ الترتيلة:
كانت الأيقونة المدعوّة ” ثلاثة أيدي ” للسيدة العذراء، الجوهرة الثمينة للقديس يوحنا الدمشقي، وقد حفظها بشكل خاص بتضرعاته وصلواته داخل بيته في دمشق. هذا كان في بداية القرن الثامن، حيث كان الوليد خليفة العاصمة دمشق 705- 715 م و قد اتخذ في قصره “يوحنا الدمشقي” أميناً استشارياً، أي يشغل مهمة جابٍ، نظراً لمعاشرته الحسنة و البارزة في إطار صلاحيته التي تولّتها عائلته تقليدياً،و نشأت في بداية القرن الثامن هرطقة حرب الأيقونات في مركز القسطنطينية على يد الملك لاون الثالث ملك بيزنطة؛ فتحرك القديس الدمشقي، الذي كان وقتئذٍ علمانيّاً، وانبرى للردّ على كل هرطقة لمحاربي الأيقونات المقدّسة، وكتب كثيراً كما شفهياً، وأنشأ بموقف شجاع ثلاث خطابات ضدّ هؤلاء، ولم يكن أحدٌ غيره يجاهد في هذا الأمر. ولما وصل الأمر لمحارب الأيقونات الملك لاون الذي كان معروفاً بأنّه مخادع و لئيم، وشى بخطاب عند الخليفة ادّعى فيه أنّه من عمل القديس، في حين أنه أمرَ خطّاطاً كان موضع ثقة عنده بتقليد خط القديس في رسالة بُعثت إلى الخليفة الأموي مرفوقة بأخرى بخط الملك ليكشف بها خداع القديس كما ادّعى. ويقول في المزوّرة: “إنّ القديس مستعدٌ أن يساعده ضدّ الخليفة الوليد وأن يسلّم له العاصمة دمشق” ولما وصلت الرسالتان إلى الخليفة، و الخليفة كان يحبّ القديس فاستدعاه وحقّق في أمرالرسالة فأجاب القدّيس: “الخط مشابه لخطي ولكنّي لم أكتب هذا و لم أرَ هذه الرسالة إلّا الآن، لم يصدقّه الخليفة و لم ينتبه أو يشعر بالمكيدة التي حيكت له بالرغم من محبته للقديس؛ فأمر أن تقطع يد القدّيس اليمنى و تعلّق في وسط مدينة دمشق لتكون عبرةً للكلّ.
نفِذَ الأمر مباشرةً، وعندما انتهى ذلك اليوم كان القدّيس يلتمس إلى الخليفة أن يرجع له يده المقطوعة. وعندما أذن له الخليفة أمسك القدّيس يده المقطوعة باليد اليسرى وعاد إلى بيته و سجد أمام أيقونة العذراء التي في غرفته، وبقي على هذه الحالة من خشوع و سجود جاثياً على ركبتيه طوال الليل باكياً يطلب شفاعة العذراء لتشفي يده و تكشف براءته، إلى تعب و نام فرأى في حلمه السيدة العذراء التي في أيقونته تقول له: “من الآن و إلى الأبد ستشفى يدك ولن تحزن مطلقاً، فقط تمّم الود الذي قطعته بأن لا تنقطع عن الكتابة ضدّ كل من يحارب الأيقونات.” استيقظ القديس و رأى الحلم حقيقة، يده كانت قد شفيت و عادت كما كانت؛ أمّا ما بقي فهو ذلك الخط الأحمر الرفيع ليكون شاهداً لتذكار أعجوبة العذراء مع القدّيس. ويقال أنّه بعد حصول الأعجوبة و نهوضه من النوم أنشد في الحال ترنيمة: ” إنّ البرايا بأسرها”.
وكما يفعل المؤمنون عادةً عند طلب الشفاعة و الشفاء لأيّ عضوٍ من أعضاء الجسم، ينذرون نذوراً مختلفة من الذهب والفضة ويضعونها على الأيقونات، كذلك صاغ القدّيس كفّاً من الفضة ووضعه على الأيقونة شكرا منه على العجيبة التي حصلت معه، ومنذ ذلك الحين سميّت الأيقونة ذات ” ثلاثة أيدي “، وبعد عجيبة الشفاء هذه التي حصلت مع القدّيس قرّر أن يغادر حياته العلمانيّة ليترهّب. علم الخليفة بهذه العجيبة و اندهش من القوّة الإلهية و طلب من القديس مسامحته على العقاب غير العادل الذي أصدره بحقّه، فأعاد له كرامته كوزيرٍ سابق، ولكنّ القديس أخبره بطله الرهبنة، فأذن له ان ينفصل عن حياة العالم. ترك القديس يوحنا سوريا و ذهب ليترهّب في دير اللافرا الشهير للبارّ سابا المتقدّس الذي رقد في القرن السادس و كان يحمل معه أيقونته ” أيقونة ذات ثلاثة أيدي ” و بقيت هذه الأيقونة في الدير بعد رقاد القديس.
كيف أعتمدت هذه الترتيلة في قداس باسيليوس الكبير حسب الطقس البيزنطي؟
القدّيس يوحنا كوكوزاليس سلافيّ الأصل، أُتِيَ به صغيرًا إلى مدرسة الموسيقى في القسطنطينيّة. كان يتمتّع بصوت ملائكيّ مميّز. أصبح أبرَزَ المغنّين في القصر الملكيّ والمفضّل عند الإمبراطور. أراد الإمبراطور تزويجه سِرًّا، ففرّ إلى الجبل المقدّس حيث التحق بدير اللّافرا الكبير مدّعيًا أنّه راعي غنم. اكتشفه أحد الرّهبان مرّة يرنّم فأُخِذَ بصوته الملائكيّ ونقل الأمر إلى رئيس الدير، فاضطرّ يوحنّا إلى كشف هوّيته، لكنّ الرئيس أبقى عليه في الدّير رغم أنّ الإمبراطور كان يبحث عنه في كلّ مكان. أقام بالقرب من اللّافرا في قلاية مكرّسة لرؤساء الملائكة حيث كان يبقى في خلوة ستّة أيّام في الأسبوع، ولا يعود إلى الدير إلّا يوم الأحد، ليرتّل في الكنيسة.
وحدَثَ ذات مرّة، في السبت الخامس من الصّوم الكبير، أن تعِب وجلَس بقرب إيقونة والدة الإله وغفا، فظهرت له والدة الإله وقالت له: “إفرح يا ابني يوحنّا، رتّل ولا تكفّ عن الترتيل ولن أتخلّى عنك”. ثمّ أعطته قطعة ذهبيّة، فلمّا استفاق من غفوته كانت يده قابضة على القطعة الذهبيّة كما أعطته إيّاها. ثمّ إنّ والدة الإله شفَته من الغنغرينا التي كانت قد أصابت ساقَيه نتيجة اضطراره للوقوف ساعات طويلة في الكنيسة. قضى بقيّة حياته في الصوم والتوبة والصلاة المستمرّة. عرَف مسبَقًا يومَ وفاته، فجمَع الإخوة واستسمحهم، رقَد في القرن الثاني عشر، وهناك من يقول أنّه عاش ورقد في القرن الخامس عشر.
القدّيس غريغوريوس كان مرتّلاً في اللّافرا الكبير في الوقت الذي عاش فيه القدّيس يوحنّا كوكوزاليس. كان البطريرك كاليستوس قد أدخل في صلب قدّاس القدّيس باسيليوس الكبير ترنيمة “إنّ البرايا بأسرها ….”، لكنّ خلَفه البطريرك فيلوثاوس استبدلها بترنيمة “بواجب الإستئهال…” حبًّا بالإختصار. فحدَث في برامون عيد الظهور الإلهيّ، مرّة، أن رتّل القدّيس غريغوريوس “إنّ البرايا بأسرها…” بحضور البطريرك غريغوريوس الإسكندريّ، فللحال ظهرت له والدة الإله وأعطَته قطعة ذهبيّة قائلة له “أنا ممنونة لك أنك رتّلت إكرامًا لي هذه الترتيلة”، ومن ذلك الوقت، كما يُقَال، ثبتت العادة أن تٌقال هذه الترنيمة “إنّ البرايا بأسرها…” في قدّاس باسيليوس الكبير. هذا وإنّ الليرة الذهبيّة التي نفحَته إيّاها والدة الإله ما تزال إلى اليوم في دير اللافرا.