العذراء الباكية التي نادت شعبها من خرائب الإيمان
عذراء سيلفوا
اعترفت الكنيسة الكاثوليكية بالظهور سنة 1775
في قلب ليتوانيا، بين تلال بلدة صغيرة تُدعى Šiluva، حصل في عام 1608 واحد من أقدم الظهورات المريمية الموثّقة في أوروبا الشرقية. وسط التحولات الدينية التي عصفت بالمنطقة خلال الإصلاح البروتستانتي، برزت العذراء مريم في صورة أم حزينة تبكي على خراب الكنيسة واختفاء الإيمان. كان ظهورها نداءً نبويًا، يعيد تذكير الشعوب بجذورها الإيمانية، وبدعوتها الأولى إلى بيت الله.
1. المسيحية في ليتوانيا
- ليتوانيا كانت آخر دولة أوروبية تعتنق المسيحية رسميًا في القرن الرابع عشر.
- بُنيت كنيسة مكرسة للعذراء في سيلفوا سنة 1457 على يد النبيل بيتراس جيارسكاس، وكانت مركزًا روحيًا حيًّا.
2. الإصلاح البروتستانتي
- في النصف الثاني من القرن السادس عشر، اجتاحت الموجات البروتستانتية المنطقة، وتحوّلت الكنيسة الكاثوليكية في سيلفوا إلى بروتستانتية.
- مُنع الكاثوليك من العبادة هناك، وتم التخلي عن الذبيحة الإلهية، وأُهملت الكنيسة.
- قبيل إغلاقها، قام الكاهن المحلي بدفن صندوق معدني في الأرض، يحتوي على:
- وثيقة تأسيس الكنيسة.
- ذخائر قديسين.
- أدوات ليتورجية.
تفاصيل الظهور – 1608
في 8 أيلول 1608، عيد ميلاد العذراء، وبينما كان مجموعة من رعاة الغنم يقودون قطيعهم قرب أنقاض الكنيسة، ظهرت لهم امرأة ترتدي ثوبًا أزرق ومنديلًا أبيض، تحمل طفلًا على ذراعيها وتبكي بمرارة.
قالت لهم:
“لماذا تُهملون هذا المكان الذي كان يُكرّس لابني؟”
دهش الأطفال، وركضوا إلى القرية يخبرون الأهالي، وتكررت الظهورات لاحقًا بحضور شهود آخرين.
بدأت الحشود تتوافد إلى الموقع، بما فيهم بعض البروتستانت الذين أصابتهم الدهشة.
لاحظ أحدهم أن الصبية تتحدث بلغة روحية لا تُدرك، وتغلب عليها الهيبة.
بموجب الرؤيا، بدأ البحث في الموقع، وتم العثور على الصندوق الحديدي المدفون تحت التراب، كما وصفت العذراء.
احتوى الصندوق على الوثائق الأصلية التي تثبت ملكية الكنيسة للكاثوليك.
التحقيق الرسمي
أجرى أسقف ساموغيتيا (شمال ليتوانيا) التحقيق الكنسي الرسمي سنة 1612.
شُهد بصحة الرواية بناءً على:
شهادة الرعاة واكتشاف الوثائق وعودة عدد كبير من السكان إلى الإيمان.
إضافة إلى الشفاءات الجسدية والروحية المرتبطة بالمكان.
في عام 1775، أكد البابا بيوس السادس صحة هذا الظهور، ومنح الإذن بتتويج الأيقونة بتيجان ذهبية في عام 1786. أصبحت شيلوفا مركزًا هامًا للحج، حيث يتوافد المؤمنون للاحتفال بعيد ميلاد العذراء مريم في 8 سبتمبر من كل عام.
لاحقًا، شُيّدت بازيليك سيدة سيلفوا التي أصبحت مزارًا وطنيًا وفي القرن الثامن عشر، وُضعت الأيقونة
المعجزيّة للعذراء الباكية في المزار.
أعاد الظهور إحياء الحياة الكاثوليكية في المنطقة بعد سنوات من الضياع اللاهوتي.
تحوّل المزار إلى مركز حج وطني في ليتوانيا، يشهد زيارات كبرى في شهر أيلول من كل عام.
أثناء الاحتلال السوفيتي، بقي المزار رمزًا للمقاومة الروحية، وأصبح مكانًا سرّيًا للصلاة.
عام 1991، بعد استقلال ليتوانيا، ازدهر المزار مجددًا، وزاره البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1993، وشجّع تكريم “سيدة سيلفوا”.
سيدة سيلفوا لا تزال تنادي شعوب العالم اليوم من حجارة النسيان:
“لماذا تهملون موضع ابني؟”
في زمن تتعرض فيه الكنيسة للاستخفاف أو التجاهل، يبقى هذا الظهور دعوة إلى العودة، إلى التوبة، إلى
دموع التقديس، وإلى استعادة الإيمان المخبوء في صناديق القلب.