
لنقلِّد والدة الإله ولنُقلِّل الكلام البطَّال، الفارغ والثَّرثرة
والدة الإله كانت مُتواضعة جدّاً وقليلة الكلام. لنقلِّد والدة الإله ولنُقلِّل الكلام البطَّال، الفارغ والثَّرثرة…
يذكر الكتاب المقدَّس أربعةُ أحداثٍ فقط تكلّمت فيها والدةُ الإله. رُغم أنَّها كانت دائماً إلى جانب المسيح، تُساعده كأُمٍّ وتلميذةٍ، فهي بقيت قليلة الكلام.
أولاً:
تكلَّمت في البشارة، حينَ قال لها رئيس الملائكة جبرائيل إنَّها ستَلِد المسيح.
سألَتهُ:
-“كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟” فقال: “الروحُ القُدسُ يحلُّ عليكِ وقوَّة العليِّ تُظلِّلك.
فأجابت:
-” ها أنا أمةٌ للرَّبّ، ليكُن لي على حسبِ قَولك.”
لم تشُكّ ولم تعتَرض، وافَقت فوراً وأطاعت. وهو دليلٌ على تواضِع وطاعَة السيِّدة. بهذا القول صحَّحت عدم طاعة حواءِ لله، فصارت هي حوّاء الجديدة.
ثانياً:
حين ذهبت إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، لزيارة نسيبتها القدِّيسة إليصابات أُمّ السّابق المجيد، والَّتي حالما شاهَدتها قالت:
“مِن أينَ لي هذا، أن تأتي أُمُّ المخلِّص إليَّ!” وارتكض السابق في حَشا أُمِّه، دلَّ منذ تلك اللحظة أنَّه نبيٌّ وارتكض فرِحاً، فَهِمَ أَنَّه أمامَ السيِّدة العذراء الَّتي تحمل في حشاها الإله. بطريقة ما، بحركَتِه هذه، سجَدَ السَّابق للمسيح الإله. حينئذٍ قالت السيِّدة النشيد الجميل:
“تُعظّم نفسي الرَّبّ وتبتهجُ روحي بالرَّبّ مُخلِّصي، لأنَّه نظَر إلى تواضُعِ أمَته…. إلى آخره…”.
هذا نُرتِّله كلَّ صباحٍ في صلاة السَّحَر في الأودية التَّاسعة. بعدَ قول الكاهن: “لوالدةِ الإله أُمِّ النُّور بالتَسابيح نُكرِّمُها مُعظِّمين.” ثمَّ يبدأ المُرتِّل بِجُمَلِ نَشيد السيِّدة. أنشدتهُ مُمجِّدةً اللهَ على عَظمتِه وأنَّه أَهَّلَها أن تلدَ الإله فيما هي مُجرَّد فتاة من العامّة، قرويَّة وَضيعة وبسيطة. إذاً هي المرّة الثَّانية حيث تَكلَّمت والدة الإله ممجِّدة الله، ومسبِّحة الثالوث القدُّوس.
ثالثاً:
حين أضاعَت المسيح طفلاً بعمر اثنتي عشر سنة، حين ذهبت معه ومع يوسف للسُّجود في القُدس وبقي هو في الهيكل. فقداه وبحثا عنه ولمَّا وجدته وبَّختهُ قليلاً، طبعاً بمحبَّة وبتميِّيز كبيرَين. فقال لها المسيح: “ألَم تعلمي أنَّه يَنبغي أن أكونَ في بيتِ أبي؟” هُنا وضَّح لها الأمور. أنَّ أباهُ هو الله، وهذا هو مكانه الصَّحيح.
رابعاً:
في عُرسِ قانا الجليل، ذَهبت مع المسيح وفَرغ الخمر. قالت للرَّبِّ: “قد نفذ الخمرُ ” حينئذٍ قال لها الرَّبّ، مُتعَمِّداً أن يبدو كأنَّهُ منتَهِر (ليدُلَّ على أنَّ صلتهُ بها ليست جسديّة بل روحيَّة وأنَّه هو الإله) فقال: “ما لي ولكِ يا امرأة؟”. معنى قوْله “امرأة” هو: “أنا إلهٌ وأنتِ إنسان”. لكنه أطاعها فوراً بعد هذا القول، حينئذٍ قالت السيِّدة للخُدَّام: ” مهما قال لكم، افعلوا” لم تيأس، بل كانت واثقة مِن أنَّه سيصنع مُعجزة، حتَّى لو قال لها ما قاله. وفوراً بارَك المَاء فتحوَّل إلى خمرٍ واستمرَّ فرحُ العُرس.
إنَّها عبارة جميلة جدّاً، أعتقد أنَّ السيِّدة قالتها لكل البشر، لنا جميعاً: “مهما قال لكم ابني افعلوه” هكذا تقول لنا ولكلِّ واحد مِنَّا. كلماتها الأربع المقتضبة، كم لها من الأهمية! فلنضعها في صميم القلب، وفي كلِّ مرَّة نسجد لإيقونة السيِّدة، فلنسمعها تقولُ لكلِّ واحدٍ منّا:”مهما قال لكم، افعلوا، اصنعوا مشيئة ابني وستجدون الخلاص.”
لنحاول في هذه الفترة أن نقلِّد والدة الإله، خاصَّة في هذهِ الفضيلة، إذ نقع جميعنا وللأسف في هذا الفخّ ونثرثر ونُكثِر الكلام، فيكون مِراراً إدانة، وهي خطيئة كبيرة. الكلام البطّال خطيئة كبيرة، وما النّفعُ من كثرة الكلام؟ بل لا شكّ في أنّنا سنزلق في خطيئة ما. كلَّما قلَّلنا كلامنا أفضل. لنحذر إذاً في هذه الفترة، ولنُقلِّل الكلام البطَّال، الفارغ والثَّرثرة، بل لنقولَنَّ كلاماً روحيّاً مُقدّساً، كمِثلِ كلامِ سيِّدتِنا.
((من حديث للأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس))
No Result
View All Result