
مريم العذراء والراهب
رجل تقيّ ثريّ، يدعى يوحنّا، كان لديه صعوبة في الحفظ لدرجة أنّه لم يتعلّم حتّى ولا صلاة واحدة. و في تصميمه على تعلّم الصلاة، قصد أحد الأديار، واهباً إيّاه كلّ ممتلكاته، و صار راهباً، سائلاً الآباء أن يساعدوه في طريق الخلاص. تلقّاه الآباء، بدورهم، بسرور، و أظهروا عرفانهم بالجميل و لكن رغم جهودهم لتعليمه المزامير و الصلوات، لبث غير قادر على تعلّم شيء.
أخيراً، قرأ له راهب حكيم و فاضل عدّة صلوات قصيرة واحدة فواحدة، و سأله أيّها يفضّل أن يتعلّم.
أجاب يوحنّا أنّه أحبّ بالأكثر تلك الموجَّهة إلى والدة الإله:
“افرحي يا والدة الإله الممتلئة نعمة
الربّ معك.
مبارَكة أنت في النساء
و مبارَكة هي ثمرة بطنك
لأنّك ولدت مخلِّص نفوسنا”.
استطاع الرهبان بجهد كبير أن يعلّموه هذه الصلاة، و مع الوقت، تعلّمها غيباً، و كان يشعر بسرور كبير كأنّه وجد كنزاً ثميناً، حتّى إنّه، في كلّ لحظة، لم يكن يردّد سوى: “افرحي يا والدة الإله”.
نتيجة ذلك، أعطاه الآباء لقب “افرحي يا والدة الإله”، فتقبّله بكلّ سرور، كأنّه إطراء عظيم لا يستحقّه.
بقي هذا الدائم الذكر يردّد هذه الصلاة حتّى لحظة مغادرة روحه المغبوطة جسده. وفي نهاية خدمة الجنّاز، دفنه الرهبان في مكان مخصّص، لأنّ جسده المقدّس كان يفيض طيباً.
و ما أدهشهم، بالأكثر، أنّ ذاك الطيب لم يزل بعد الدفن، بل كان يزداد، يوماً فيوماً، حاملاً للإخوة فرحاً لا يوصف.
في اليوم التاسع، بينما كانت تقام له خدمة الذكرانيّة، عاين الحاضرون، أيضاً، معجزة عجيبة أخرى أذهلتهم. فقد أفرعت زنبقة بيضاء فائقة الجمال من قبره، و على كلّ بتلة من بتلاتها، كُتبت هذه الكلمات بأحرف ذهبيّة: “افرحي يا والدة الإله”.
رائحة الزنبقة الزكيّة كانت شديدة لدرجة أنّها لا تشبه أيّة زهرة أرضيّة. إذ ذاك، قال رئيس الدير للإخوة:
“يا آبائي الأعزّاء، نستنتج من هذا الحدث العجيب درجة القداسة التي حازها هذا الرجل المبارَك، و مدى حبّه للفائقة القداسة. لكنّه يلائمنا، أيضاً، أن نرى من أين تتجذّر هذه الزنبقة، حتّى تدركوا كم يتلقّى من النعم من يحبّ الدائمة البتوليّة من كلّ قلبه”. كشفوا القبر، فانذهلوا، إذ رأوا أن عنق الزنبقة يخرج من فم هذا الرجل المجاهد البارّ.
حينذاك، أعطى رئيس الدير تعليمات للرهبان بأن يفتحوا صدره، و ما إن فعلوا هذا حتّى تسمّر الجميع في أماكنهم منذهلين، لأنّهم وجدوا أن جذور هذه الزنبقة كائنة في قلبه، حيث رُسمت أيقونة والدة الإله الفائقة القداسة.
و هكذا زيّحوا الزنبقة المقدّسة مبخّرين، ثمّ وضعوها لتُحفَظ مع البقايا المقدّسة الأخرى، مكرّمين وموقّرين يوحنّا على محبّته لوالدة الإله، فلنُحسب، نحن أيضاً، مستحقّين للنعم الإلهيّة بشفاعاتها المقتدرة، ونحن نردّد لها: “إفرحي يا عروسًا لا عروس لها”.
No Result
View All Result