المطهر وحقيقة وجوده
للأب/ يوسف رمزي
[ عقيدة في الكنيسة نؤمن بها ]
المقدمة:
اطلعت أخيرًا على كتاب “لماذا نرفض المطهر” لقداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الارثوذكس في مصر. اتهم فيه الكنيسة الكاثوليكية باختراع تعاليم شاذة منها “ما سمي بالمطهر وهو تعليم لا أساس له من الكتاب المقدس ولا من التقليد الكنسي ولا من كتابات القديسين وأوامر المجامع”.
وإني لأغتنم هذه الفرصة لأبين لأخواتنا الارثوذكس أن الفرق بينهم وبين الكنيسة الكاثوليكية الجامعة- فيما يتعلق بالمطهر – لا يتعدى أن يكون لفظيًا. فهم يسلمون به عملًا وعقيدة وإن لم يعترفوا به لفظًا.
+ لقد شغلت هذه العقيدة أذهان العديد من المسيحين لدرجة أنها أصبحت نقطة اختلاف بينهم وللأسف نحن في الشرق نرفض أي عقيدة كاثوليكية لمجرد أنها نابعة أو أعلنها الغربيون دون أن نتقصى حقيقة إيماننا. ولذلك علينا أن نضع في الاعتبار إن هذه العقائد التي أُعلنت حديثاً ليست اختراعًا من اختراعات الكنيسة بل في الواقع هذه العقائد هي أساسات إيمانية نعيشها كل يوم في طقوسنا وعلاقاتنا بالله دون أن ندري وبمجرد إعلانها كعقيدة محددة تُقابل بالرفض. فتؤمن الكنيستان بمدى فائدة الصلاة لأجل نفوس الراقدين…. ولكن عندما تعلنها الكنيسة الجامعة في صيغة عقائدية أو في لفظة المطهر ترفضها الكنيسة الارثوذكسية.
+ وانطلاقًا من عقيدة المطهر علينا أن نضع عدّة اعتبارات:
1- إن جوهر دعوتنا هو أن نشارك الله في حياته وملكوته.
2- إذا أردنا أن نعيش هذه الشركة يجب أن نكون كلنا محبة ولا توجد فينا خطيئة.
3- لا يستطيع أي منا أثناء ساعة موته أن يقول أنه قد وصل لكمال المحبة وبالتالي يستحق الملكوت مباشرة عدا العذراء مريم.
4- المطهر ضرورة تستوجبها دعوتنا كمسيحيين لكي نكون أهلًا للمشاركة التامة في ملكوت الله وحبه. لذا المطهر وهو هدية الله وسعيه الدائم لخلاص اولاده.
ما هو المطهر؟
هو ساعة الحقيقة التي فيها يقف الإنسان مع نفسه ليدرك عظم سمو محبة وقداسة الله وفظاعة وفساد الخطيئة التي إرتكبها ومن ثم يتألم الإنسان لأنه عاجز على أن يتحد بالمحبة وهذا الألم المُطهر هو ما نسميه “بالمطهر”. وفرح الألم يساعد الإنسان أن يقترب من الله فيصبح المطهر هو نار المحبة المطهرة التي تطهرنا لكي نصبح قادرين على الحب وبالتالي يدخل الإنسان في علاقة حب مع الله.
إن حقيقة وجود المطهر تشمل ثلاث حقائق وهي:
1- الدينونة الخاصة بعد الممات.
2- وجوب صلاة الترحيم من أجل أنفس الأموات.
3- حقيقة وجود المطهر.
+ والبرهان عن واحدة من هذه الحقائق الثلاثة يبرهن بلا شك عن الجميع.
أولًا: حقيقة الدينونة الخاصة بعد الممات:
إن حقيقة الدينونة الخاصة بعد الممات يكفينا شاهد الكنيسة باعتبار أنه يوجد بها قديسون وقديسات، إذن نحن نؤمن إن هؤلاء القديسون يتمتعون في ملكوت السوات بالهناء الدائم لأنهم قد وجدوا أبرارًا وهذه البرارة لم تقرر إلا بعد دينونة خاصة، وإلا كيف دخلوا ملكوت السموات؟ لذا علينا نحن المؤمنون أن نرفض ونرذل البدعة التي تقول بأن جميع الأنفس في مكان مجهول ينتظرون الدينونة الأخيرة.
ثانيًا: الأدلة والبراهين لإثبات هذه الحقائق الثلاثة معتمدين على الكتاب المقدس، تعليم الآباء، التقليد الحي:
1- الأدلة الكتابية على وجود المطهر:
قاعدة عامة: إن مصير كل إنسان يتقرر بعد الموت مباشرة وهنا توجد ثلاث حالات
الأولى: ملكوت السموات للرسل والشهداء والقديسين.
الثانية: نار جهنم المعدّة لإبليس وجنوده والذين تبعوه( خطايا مميته).
الثالثة: من عليهم خطايا غير مميتة وهفوات. وهنا علينا أن نفرق بين الخطيئة المميتة والعرضية: المميتة هي بمعرفة كاملة وإرادة حرة وبفرح ومسرة وتخطيط سابق. أما غير ذلك من النسيان والشهوة وخطايا الإهمال والهفوات … فهي تسمى خطايا غير مميتة ومن عليهم مثل هذه الخطايا لهم مكان ثالث أو حالة ثالثة: يتطهرون فيها بألم نار المحبة ألم داخلي تبكيت يغسل الداخل ندم حقيقي بذلك يتطهرون ويستطعون الدخول في ملكوت الله مع الشهداء والقديسين. ونشير أن في الأبدية لا يوجد زمن لأننا خارج الزمن، ولا يوجد مكان بالمعنى المادي لاننا سنكون خارج المكان والزمان.
1- هناك نص في العهد القديم في سفر المكابين الثاني ( 12: 43- 46 ) كان يهوذا قائد الجيش … وقد مات منهم عدد كبير لأجل الخطيئة…فماذا فعل.. “43 جمع من كل واحد تقدمة فبلغ المجموع ألفي درهم من الفضة فأرسلها إلى أورشليم ليقدم بها ذبيحة عن الخطيئة. وكان ذلك من أحسن الصنيع وأتقاه لاعتقاده قيامة الموتى 44 لأنه لو لم يكن مترجيًا قيامة الذين سقطوا لكانت صلاته من أجل الموتى باطلًا وعبثًا. 45 ولاعتباره أن الذين رقدوا بالتقوى قد ادّخر لهم ثواب جميل. 46 وهو رأي مقدس تقوي ولهذا قدّم الكفارة عن الموتى ليُحلوا من الخطيئة “. ولعل هذا ما نسميه بصلاة الترحيم.
2- متى 12/ 32 “من قال كلمة على ابن البشر يُغفر له وأما من قال على الروح القدس فلا يُغفر له لا في هذا الدهر ولا في الآتي”. ومعنى ذلك أنه توجد خطايا تغفر على الأرض بواسطة سر التوبة وهناك خطايا يمكن أن تغفر أو لا تغفر في الدهر الآتي (بعد الموت).
3- فيلبي 2/10 “لكي تجثوا باسم يسوع كل ركبة مما في السموات وعلى الأرض وتحت الأرض” أي الذين في السموات هم الشهداء والقديسين والملائكة وعلى الأرض المؤمنون وتحت الأرض هم فئة تعي وتعرف أنه يجب أن يجثوا لاسم يسوع كل ركبة هؤلاء هم من يتطهرون بنار المحبة.
4- 1يوحنا 5/16-17 ” إن رأي أحد أخاه يرتكب خطيئة ليست للموت فليسأل فإن الحياة تعطى له كما تعطى للذين يخطئون لا للموت، ومن الخطيئة ما هو للموت ولست من أجل هذه أمر أن يطلب كل أثم خطيئة ومن الخطيئة ما ليست للموت” يوضح علماء الكتاب المقدس إن الخطيئة التي هي للموت هي التجديف على الروح القدس والهرطقة… والخطيئة المميتة بوجه عام تقود إلى فقدان الحياة الأبدية تمامًا. ولكن توجد خطيئة عرضية لا تؤدي إلى الموت الروحي التام وصاحبها مات دون أن يعترف بها، فهذا بالطبع لا يذهب إلى السماء لأنها موطن ومسكن القدوس الطاهر، ولا يدخل النار الأبدية موضع إبليس وجنوده…. زمن هنا كان لابد من وجود المطهر!
5- أمثال 24/16 ” الصديق يسقط سبع مرات، ويقوم ” أي أن الصديق البار يسقط في الهفوات دون أن يفقد الاتحاد القوي بالله هذا الاتحاد يجعله يبكت نفسه ويقوم مرة أخرى، وفي نفس الوقت لم يتصل ويتحد كاملًا بالله على الأرض. ومن ثم يجب عليه أن يمر بحالة بعد موته حالة الالم الروحي والنفسي ( حرمان من الاتحاد بالله) حتى يتطهر ويصبح أهلاً للملكوت وهذا هو المطهر.
6- بولس 1كورنثوس 3/ 13-16 “فإن عمل كل واحد سيكون بينًا لأن الرب سيظهره إذ يعلن بالنار وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو، فمن بقى عمله الذي بناه فسينال أجره، ومن احترق عمله فسيخسر إلاّ أنه سيخلص ولكن كما يخلص من يمر في النار” إذن يوم الرب ليس هو فقط يوم الدينونة الأخيرة بل هو يوم ملاقاة الرّب مباشرة بعد الممات في الدينونة الخاصة أما عن هذه الحقيقة (راجع لوقا 16/19-22، لوقا 23/42-43، 2كور 5/1-10، فيلبي 1/23، عبرانيين 9/27…..).
2- أدلة من تعليم الآباء على وجود المطهر:
أ- ق يوحنا فم الذهب(386-407م) “إن الرسل أمروا بأن يجرى ذكر المتنيحين في تلاوة الأسرار الرهيبة لأنهم يعرفون خير معرفة أنهم ينتفعون بهذا الذكر نفعًا كبيرًا” ( عظة عن رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي الأصحاح الأول ).
“لو مات أحد وعليه خطايا لم يكفرعنها ينبغي أن نسعفه على قدر ما يستطاع بالصلوات والتضرعات وبالصدقات والقرابين فإن هذه الأمور بأسرها ليست من باب المخيلة والوهم وليس الغرض من ذكر الموتى خلال الأسرار الإلهية ألاّ لكي ينالوا منها التعزية… زما نصنعه لا يعتبر معاذ الله بمثابة فصول مسرحية ولكن يتم بأمر الروح القدس فلنساعد إذت المتوفين” (شرح الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس، فائدة الصلاة للمتنيحين – ميمر 41 ).
ب- ق اغسطينوس (354-430م) “إن الكنيسة تحافظ بوجه العموم على ما تناولته بالتقليد وإن ُسئلتُ عما تناولته بالتقليد قلت: قد تسلمت أن تصنع ذكرًا للذين تنيحوا” (عظته عن أقوال الرسل).
وأيضًا قال “الكنيسة لم تملْ في تقدمة الصلوات لجميع الذين توفوا في شركتها لكن بما أنها أم حنونة تقوم بسد احتياجات من ليس لهم أقرباء ولا أصدقاء يهتمون بأمرهم” ( كتاب الاهتمام بالموتي).
وأيضًا قال “إنه لا ينبغي أن نشك في أن الصلاة التي ترفعها الكنيسة المقدسة والذبيحة الإلهية والصدقات، تسعف المنتقلين الذين تُقدم من أجلهم لكي يكثر لهم الرب رحمته غير ناظرين على ما استحقته خطاياهم”.
وأيضًا قال “ينبغي لمن أجل عمل أثمار التوبة إلى العالم الأخر بأن يطهر بالنار قبل دخوله السماء، فهذه النار وإن لم تكن أبدية فهي مع ذلك شر عظيم جداً لأنها أقسى عذابًا مما يحتمله الإنسان من الأوجاع في هذا العالم فليجتهد إذن كل منا أن يفي عن إهاناته لئلا بعد وفاته يقاصص بمثل هذا القصاص” ( من كتاب التوبة الحقيقية والتوبة الكاذبة).
ج- العلاّمة ترتليانوس (160-220م) “إننا نقدم كل عام الذبائح عن الموتى يوم تذكار وفاتهم السنوي (إننا نقدم التقادم عن الموتى في اليوم المخصص لهم من السنة” ( كتاب إكليل الجندية).
وأيضًا قال “إن كانت امرأة أرملة لا تهتم بتقدمة الذبيحة كل عام لراحة بعلها المتوفي يوم وفاته يجب أن تعد عارية من أثر الوداد والحنان لبعلها” (كتاب الإقتران بامرأة واحدة).
د- ق ابيفانيوس (اسقف سلامين قبرص القرن الرابع الميلادي)” إن الكنيسة لم تخترع تلك العادة (ذكر الراقدين) الحميدة لا بل تسلمتها من قدمائها- إن الكنيسة تحافظ من باب اللزوم والوجوب على الطقس والعبادة اللذين أخذتهما من قدمائها” (كتاب رد على الهرطقات الكتاب الخامس عشر).
هـ- ق كيرلس الأورشليمي (315-386م): “إننا نصلي أخيرًا عن الذين توفوا من بيننا معتبرين أن نفوسهم تنال جزيل الإسعاف من ذبيحة مذابحنا الرهيبة ومن الصلوات المقترنة بها” (كتاب الموعوظين).
أيضًا قال “إننا نصلي لأجل جميع الذين كانوا منّا أحياء لأن في ذلك فائدة عظيمة لتلك النفوس التي تقدم الصلوات لأجلها خاصة الذبيحة الإلهية” (نفس المرجع السابق).
و- كتاب الأعمال الرسولية (150 )” إننا نقدم التقادم عن الموتى في اليوم المخصص لهم من السنة”.
Discussion about this post