الفصل الخامس والأربعون
في إنه لا ينبغي أن نصدق جميع الناس
وفي سهولة الزلل في الكلام
1 – التلميذ: هب لي يا رب نصرة على الضيق، فإن تخليص البشر باطل1. (1) مزمور 59: 13.
ما أكثر ما أخطأت وجود الأمانة، حيث ظننت أني أُصيبها! وكم من مرةٍ عثرت عليها، حيث لم أكن أتوقعها!
فباطلٌ إذن التوكل على البشر! “أما خلاص الصديقين، فهو فيك أنت يا الله1“. (1) مزمور 36: 39.
تباركت أيها الرب إلهي في كل ما يحل بنا! إننا لضعفاء ومتقلبون، وسرعان ما نضل ونتغير.
2 – من هو الإنسان الذي يستطيع أن يتحفظ، متحذراً ومحتاطاً لنفسه في كل شيء، بحيث لا يقع أحياناً في خديعةٍ أو حيرة؟
أما الذي يتوكل عليك يا رب، ويلتمسك بقلبٍ سليم، فإنه لا يزل بمثل تلك السهولة.
وإن وقع في ضيق، فأيَّاً كان ارتباكه فيه، فإنك تنقذه أو تعزيه سريعاً، لأنك لا تخذل حتى المنتهى، من يتوكل عليك1. (1) يهوديت 13: 17.
نادرٌ الصديق الأمين، الذي يثبت على الولاء لصديقه في جميع مضايقه.
أنت يا رب، أنت وحدك الأمين جداً بين جميع الأصدقاء، وليس مثلك آخر غيرك.
3 – آه! ما أعظم حكمة تلك النفس القديسة القائلة: إن عقلي ثابتٌ وموطدٌ في المسيح2! (2) القديسة أغاثي.
فلو كنت أنا كذلك، لما كان خوف البشر يقلقني بهذه السهولة، ولما كنت أتأثر جداً لسهام كلامهم.
من يمكنه أن يرى جميع المستقبلات، أو أن يتلافى الشرور قبل وقوعها؟
وإذا كانت الشرور نفسها التي سبقنا فتوقعناها، كثيراً ما تؤذينا، فكيف يمكن للضربات المفاجئة، أن تحل بنا من غير إيلامٍ شديد؟
ولكن لِمَ لم أكن أكثر احتياطاً لنفسي، أنا الشقي؟ ولم صدقت الآخرين بتلك السهولة؟
غير أننا بشرٌ، بشرٌ ضعافٌ ليس إلاَّ وإن كان الكثيرون يحسبوننا ويدعوننا ملائكة.
فمن أصدق يا رب؟ من أُصدق غيرك؟
أنت هو الحق الذي لا يغش، ولا يمكن أن يغش.
وعلى عكس ذلك، ” فكل إنسانٍ إنما هو كاذبٌ1“، ضعيفٌ متقلب، سريع الزلل ولا سيما في الكلام، حتى إنه لا يسوغ، إلاَّ بالجهد، أن نصدق لأول وهلة، ما يبدو لنا مستقيماً في كلامه. (1) مزمور 115: 2
4 – ما أعظم الفطنة التي بها سبقت فنبهتنا إلى الحذر من الناس، وإلى أن “أعداء الإنسان أهل بيته2“، وإلى عدم التصديق إن قال أحد:” هوذا المسيح هنا أو هناك3” ! (2) متى 10: 36 (3) متى 24: 23.
لقد تعلمت ذلك بالاختبار، وعسى أن يأول إلى ازدياد تحفظي، لا غباوتي!
يقول لي أحدهم: تحفظ! تحفظ! تحفظ! أُكتم في نفسك ما أنا قائلٌ لك. وفيما أنا صامتٌ وحاسبٌ سره في الكتمان، إذا به، هو نفسه، لا يستطيع الصمت عما طلب عنه الصمت، بل يخونني في الحال، ويخون نفسه، ويمضي.
إحفظني، يا رب، من مثل تلك الخزعبلات، ومن مثل أُولئك القوم القليلي التحفظ، لئلا أقع في أيديهم، أو أقترف أبداً مثل تلك الخيانات.
ضع في فمي كلاماً صادقاً لا يتبدل، وأقص عني لسان المخاتلة.
فإن ما لا أٌريد احتماله من قبل الآخرين، عليَّ أنا أيضا أن أتجنبه بكل احتراز.
5 – آه! كم يعود على الإنسان بالخير والسلام، أن يصمت عن شؤون الآخرين، ولا يصدق كل شيءٍ دون ما تمييز، ولا يذيع كل شيءٍ بسهولة، ولا يكشف ضميره إلاَّ للقليلين، بل يلتمسك أنت دوماً فاحصاً لقلبه
ولا يتقلب لكل ريح كلام، بل يتمنى أن تتم جميع الأُمور، في داخله وخارجاً عنه، وفق مسرة مشيئتك!
ما آمنها طريقةً لحفظ النعمة السماوية، أن يهرب الإنسان من الظهور بين الناس، ولا يشتهي ما قد يستجلب إعجابهم به في الخارج، بل أن يتطلب، بكل نشاط، ما يولي الحرارة وإصلاح السيرة!
ما أكثر من ضرهم اشتهار فضيلتهم وامتداحها قبل الأوان! وكم كان مفيداً، حقاً، كتمان النعمة في هذه الحياة المعرضة للأخطار، التي ليست كلها كما يقال سوى تجربة وجهاد!
Discussion about this post