جروح الخلاص من الموت
منذ عدة أعوام، وفي يوم من أيام الحر القائظ في الصعيد، قرَّر أحد أطفال القرية أن يتوجَّه إلى نهر النيل المتاخم لقريته ليسبح ويخفف من غلواء الحرِّ. فألقى الطفل بنفسه في النهر بعد أن خلع ملابسه وصندله وتركها على شاطئ النهر، وكانت أُمه تراقبه من بعيد.
وأخذ يسبح ويسبح متوجِّهاً إلى العمق حيث المياه الباردة، وهو لا يعلم أن هناك تمساحاً صغيراً كان يسبح هو أيضاً متوجِّهاً ناحية الشاطئ لعلَّه يجد فريسة يأكلها.
وشاهدت أُمه من بعيد الاثنين يسبحان معاً! وشاهدت التمساح الصغير يقترب شيئاً فشيئاً من ابنها!
وفي جزعها من المنظر، هرولت تجاه النهر، وأخذت تصيح في ابنها بأعلى ما تستطيع من صوت. وإذ سمع الطفل صراخها، انتبه إلى الخطر الداهم، واستدار 90 درجة ليعود إلى والدته.
ولكن كان هذا متأخراً، إذ حالما وصل إلى أُمه كان التمساح الصغير قد لحقه.
ومن على معدِّيـَّة خشبية كانت راسية على شاطئ النهر، مدَّت الأُم ذراعيها وأمسكت بيديِّ ابنها، لكن التمساح كان قد أطبق على قدميه.
وهنا، قامت معركة طاحنة بين الاثنين: التمساح وهو الأقوى من الأُم، والأم التي كانت أكثر غيرة ولهفة على ابنها من أن تدعه بين فكَّي التمساح. وصارت الأُم تشدُّ ابنها بيديها القويتين وبأظافرها التي انغرست في ذراعيه.
وتصادف مرور فلاح يحمل سلاحه (كما هو معتاد في بلاد الصعيد)، فسمع أصوات الصراخ الصاعد من أعماق الأُم. فبحركة سريعة أمسك سلاحه وصوَّبه بمهارة تجاه التمساح، وأطلق عدة أعيرة نارية عليه، فقضى عليه، مما جعل التمساح يترك قدمي الطفل؛ ولكن بعد أن اختلطت الدماء بعضها ببعض وطفت على وجه النهر.
وبعد أسابيع وأسابيع في المستشفى، استردَّ الطفل حياته بعد صراع مع الموت. وكانت قدماه ملأى بالجروح الغائرة من أنياب التمساح المفترس. بينما ذراعاه كانت ملأى بالجروح الغائرة حيث انغرست أظافر أُمـه فيها في مجهودها لشدِّ ابنها الذي تحبه من فكِّ الوحش المفترس.
والتفَّ أطفال ورجال القرية حول الطفل بعد خروجه من المستشفى مهلِّلين مهنِّئين الطفل وأُمه، وصاروا يسألونه أن يُريهم الجروح الغائرة في جسمه، وإذا بـالطفل يرفع جلبابه ويُريهم آثار فكِّ التمساح على قدميه. ثم بحركة يشوبها الفخر والإعزاز، يقول لأصدقائه وأقاربه:
“ولكن انظروا ذراعيَّ، فإنها ملأى بالجروح أيضاً. ولكن هذه الجروح هي جروح يديّ أُمي التي نقلتني من الموت إلى الحياة”.
يا للجروح المحيية ! جروح صليب المسيح.
هذه الجروح التي انغرست في جسد المسيح – ونحن كلنا كنا فيه وهو على الصليب – فهي التي أحيتنا من الموت إلى الحياة، ما دفع بالقديس بولس الرسول أن يصرخ قائلاً: «حاشا لي أن أفتخر إلاَّ بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم» (غل 6: 14). ودفعت الحكيم قديماً ليقول: «أمينة هي جروح المُحِب» (أم 27: 6).
وصارت آلامنا وجروحنا اليوم هي باختصار سمات – أي علامات جروح – الرب يسوع فينا ومحبته لنا، إذا اعتبرناها شركة في جروح المسيح، كما قال بولس الرسول: «لأني حاملٌ في جسدي سمات الرب يسوع» (غل 6: 17).
Discussion about this post