لاهوت أدبي: الوصية السادسة والتاسعة
“لا تزن… لا تشته زوجة أحد”
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس
الارتباط بالوصية الأولى:
تأمر الوصية السادسة: “لا تزن” (تث 18:5).
وتأمر الوصية التاسعة: “لا تشته امرأة قريبك” (تث21:5).
ننطلق كالمعتاد من الوصية الأولى الأساسية: “أنا هو الرب إلهك”. الله محبة. وفي محبته، خلق الإنسان على صورته ومثاله، فأعطاه العقل والقلب والإرادة، للفهم والحب والحية. وفي هذا تقوم صورة الله أساسياً.
والهدف من الوصية السادسة والتاسعة، هو عدم تشويه صورة الله داخل الإنسان، بما يمس نقاء الحب والحرية.
وكما صنع المسيح باقي الوصايا، رفعنا هنا أيضاً إلى روح وكمال الشريعة فأوصى: “سمعتم أنه قيل لأبائكم: لا تزن. أما أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة فاشتهاها، زنى بها في قلبه” (مت27:5-28)… ليست كل نظرة خطيئة، وإنما كل نظرة قائمة على الشهوة خطيئة.
لا يقف المسيح عند الفعل الخارجي وحده. إنه يقودنا إلى باطن القلب حيث بداية ومنطلق الخير والشر فيطلب تطهير القلب. ومتى كان الينبوع صافياً كانت المياه صافية والأعمال طاهرة نقية. فالباطن هو الذي يقود ويدفع إلى العمل الخارجي، الذي يأتي من نوعه. فمتى كان الباطن نقياً، سوف أحكم على ما أراه أنه من الله ويمجد الله.
أما الشهوة واللذة الشريرة فتشوهان الكرامة والحب والحرية داخل الإنسان، فيفقد الثقة في العلاقة مع الآخر.
بالوصايا لا يريد الله أن يقيّد حرية الإنسان، بل أن يحقق له التمتع الحقيقي بالحرية والحب، اللذان أوجدهما الله دخل الإنسان.
ولكن عندما تتشوه المبادئ الإنسانية السامية داخل الشخص، يفقد العلاقة الصحيحة مع الله والقريب.
الطاقة الجنسية وارتباطها بالحب
الطاقة الجنسية نعمة من الله:
يعلن كتاب التكوين: “خلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكراً وأنثى خلقهم. وباركهم الله، فقال لهم: انموا واكثروا واملأوا الأرض” (تك27:1-28).
كانت عطية الحياة عطية من حب الله للبشر. ودعا الله الإنسان أن يشاركه في هبة الحياة عن طريق النمو والتكاثر. نقل الحياة البشرية هو إذن عطية حب، وأعظم نعمة من الله.
الطاقة الجنسية طاقة حب:
وفي رواية أخرى عن الخلق، يقول كتاب التكوين: “وقال الرب الإله: لا يحسن أن يكون آدم وحده، فأصنع له مثيلاً يعينه” (تك18:2).
اهتمام الله بالإنسان وبسعادته، دليل حب خاص له… ويكمل الكتاب: “فأوقع الرب الإله آدم في نوم عميق، وفيما هو نائم، أخذ إحدى أضلاعه وسد مكانها بلحم. وبنى الرب الإله امرأة من الضلع التي أخذها من آدم، فجاء بها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي، هذه تسمى امرأة، فهي من امرئ أُخذت. لذلك يترك الرجل أباه وأمه، ويتحد بامرأته، فيصيران جسداً واحداً” (تك21:2-24).
كما أشرك الله الإنسان في الحب على صورته ، أشركه أيضاً في عطية الحب. الحب الذي أوجده الله داخل الإنسان،
يجب أن ينطلق إلى الآخر.
من فيض حب الله للإنسان، أوجد لآدم معينة نظيرة، ليتبادلا الحب بطريقة تمجد الله، وتشاركه في نقل الحياة. الطاقة الجنسية هي إذن طاقة حب وعطاء كامل للآخر.
وهذا ما يعبر عنه الكتاب، عندما يقول آدم عن حواء: “هذه لحم من لحمي، وعظم من عظمي” (تك 21:2-24).
الشهوة والزنى:
عندما يستخدم الإنسان الطاقة الجنسية استخدماً خاطئاً يشوه ويبدد النعمة العظيمة، التي منحها الله له.
وهذا ما يحدث في الشهوات الشريرة، وكل أنواع الملذات الجسدية الفاسدة. الزنى وأشكاله هو استخدام الآخر، لتحقيق متعة جسدية شخصية خاطئة فاسدة وشريرة.
وهذا العمل شرير من 3 نواحي، فهو:
1- ضد ترتيب الله الخالق، ويدنس ويشوه عطية الحياة الإلهية.
2- ضد الإنسان الآخر، وضد كرامته الأساسية، لأنه ضد الحب الصحيح الكريم.
3- ضد الشخص ذاته، لأنه يهدم صورة الله داخله، ويدنس الجسد الذي صار عضواً للمسيح وهيكله للروح القدس.
وهذا ما يعلنه بولس الرسول بقوة ووضوح: “جسد الإنسان ما هو للزنى، بل هو للرب، والرب للجسد… أما تعرفون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ فهل أخذ أعضاء المسيح وأجعل منها أعضاء امرأة زانية؟… اهربوا من الزنى,فكل خطيئة يرتكبها الإنسان هي خارجة عن جسده، ولكن الزاني يزني إلى جسده. ألا تعرفون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس ، الذي فيكم هبة من الله ؟ ” (1كور 12:6-20).
لذلك ينذر بولس بشدة:
“لا تخدعوا أنفسكم، فلا الزناة… ولا الفاسقون ولا الفجار، ولا المبتلون بالشذوذ الجنسي، ولا السكيرون… يرثون ملكوت الله” (1كور 9:6-10).
الحب عطاء وبذل للتكامل: الحب هو القيمة الروحية السامية، التي تمنع الإنسان عن العلاقات الخاطئة وغير السليمة مع المحبوب . الحب ينقي الطاقة الجنسية باطنياً، وينطلق إلى الشخص الآخر ليلتقي به ككل في شموليته لا ليتمتع بجسده فقط، وهكذا لا يحكمه الميل الغريزي، بل تدفعه طاقة العطاء، التي تعطي العلاقة الجسدية قيمتها العظمى، ومعناها الحقيقي وتحقق هدفها الصحيح.
هكذا يكون التقاء الطرفين مشاركة كاملة في الشمولية الشخصية، من جميع النواحي. من أجل اكتمال متبادل. اجتماعياً، لا يتصرف أي طرف بما يجرح أو يشوه صورة الطرف الآخر.
والحب يساعدني أن أنطلق تجاه الآخر قانونياً، أي رسمياً أمام الآخرين. وروحياً، انظر إلى الطرف الآخر في شموليته، وليس لمظهره أو للإعتبارات المادية والمالية، أتجه إليه بصفته شخصاً مثلي لا من أجل الجنس وحده.
العفة: الحب يجعلني أدخر طاقتي، لكي أعيش العطاء في دعوتي الخاصة. وهذا يختلف كل الاختلاف عن الكبت، الذي يولّد بالضرورة الانفجار.
أما الحب فيعطيني الأساس والدافع، لأعيش عفيفاً، حسب مقتضيات دعوتي الخاصة، بما فيها الزواج. ومن هنا أكون سعيداً في العطاء، الذي أمجد به الله، ينبوع كل عطاء.
والعفة لا تعني الهروب من واقع الجنس. بل النضج النفسي والروحي. من الطبيعي أن أدرك الجنس أتكلم عنه متى لزم، أعرف وأبيّن قيمته ، وأواجه مشاكله، بتعقل واتزان وكرامة وحشمة. لا نخاف من التجارب الجنسية. فمجرد ظهورها أو ورودها بالفكر، ليس خطيئة. الخطيئة في التوقف عندها وقبولها. علينا مقاومتها بالوسائل الروحية، وبالاعتماد على رحمة ونعمة الله.
وهنا نرجع إلى الفضائل الثلاثة، التي يقوم عليها تحقيق كل ذلك. بالإيمان، أذكر الله الخالق، ولاأنسى أبداً أن الإنسان على صورته . وبالرجاء ، أعيش الثقة في نعمة الله ، أثناء التجارب التي تواجهني .
وبالمحبة ، أتجاوب مع دعوة الحب التي يوجهها الله لي، لكي أمجده في جسدي وفي إخوتي.
Discussion about this post