احد تقديس البيعة
الحوار ثقافة السلام
من انجيل القديس متى 16/13-20
قال متى الرسول: جاء يسوع الى نواحي قيصرية فيليبس، فسأل تلاميذه قائلاً: ” من يقول الناس إتي انا ابن الانسان؟”. فقالوا: ” بعضهم يقولون: يوحنا المعمدان؛ وآخرون: إيليا؛ وغيرهم: إرميا او أحد الانبياء”. قال لهم: ” وأنتم من تقولون إني أنا؟”. فأجاب سمعان بطرس وقال: ” أنت هو المسيح ابن الله الحيّ”. فأجاب يسوع وقال له: ” طوبى لك يا سمعان بن يونا?، لانه لا لَحَم ولا دَمَ أظهر لك ذلك، بل أبي الذي في السماوات . وأنا ايضاً اقول لك: انت هو بطرس، اي الصخرة، وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وابواب الجحيم لن تقوى عليها. سأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الارض يكون مربوطاً في السماوات، وما تحله على الارض يكون محلولاً في السماوات”. حينئذ أوصى تلاميذه ألاّ يقولوا لأحد إنه هو المسيح.
تبدأ مع هذا الاحد الاول من تشرين الثاني السنة الطقسية المارونية مع عيد تقديس البيعة وتجديدها في الاحد الثاني. ثم تليهما البشارات وصولاً الى ميلاد الرب يسوع. يسمى هذا القسم الاول من السنة الطقسية زمن الميلاد المجيد او زمن المجيء.
في قيصرية فيليبس اعتلن سرّ الكنيسة، على انها كنيسة المسيح المبنية على صخرة الايمان به، ” المسيح ابن الله الحي”، الصامدة بوجه قوى الشر، والحاملة سلطان الحلّ والربط، على المستوى اللاهوتي ?التعليمي، كما وعلى مستوى الولاية التشريعية والاجرائية والقضائية والادارية.
اولاً، السنة الطقسية والنص الانجيلي
1. السنة الطقسية وتقديس البيعة
تشمل السنة الطقسية ستة أزمنة: الميلاد المجيد، الدنح او الغطاس، الصوم الكبير، الآلام والموت والقيامة، العنصرة، الصليب. تسمى سنة لانها تدوم 12 شهراً من اول احد من تشرين الثاني حتى آخر احد من تشرين الاول؛ وتسمى ” طقسية” لانها ليتورجية اي تدور حول سرّ المسيح، شمس العالم، لتستمد منه النور والحرارة والحياة لنفوس المؤمنين كما تدور الارض حول الشمس، في السنة الشمسسية وتأخذ منها نورها وحرارتها باعثي الحياة في كائناتها.
السنة الطقسية مجموعة محطات مقسمة على الآحاد والاسابيع التالية، تتناول سرّ المسيح في مختلف اطوار حياته: التجسّد بدءاً من محطاته الاعدادية؛ حياته العلنية في الصوم وبشارة ملكوت الله؛ الفداء وسرّ الفصح بالموت على الصليب والقيامة؛ ارسال الروح القدس على الكنيسة الناشئة وانتشارها، وترقب عودة المسيح بالمجد في نهاية الازمنة
تقديس البيعة اعلان ودعوة.
هو الاعلان انها مقدسة بالحضور الالهي القدوس فيها، حضور الآب الذي ارادها، والابن الذي قدّم ذاته ذبيحة لتقديسها، والروح القدس الحال فيها ومحييها. في القديسين تتلألأ قداستها، وبخاصة في مريم، سكنى الثالوث التي هي ايقونة الكنيسة الكلية القداسة. ولئن تألفت الكنيسة من خطأة فهي “بدون خطيئة (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،867)، وتحمل الى الخطأة وجميع الناس الخلاص بالمسيح. لقد شبهها الرب يسوع بالحقل المزروع فيه الزرع الجيّد، والنابت معه زؤان الخطيئة (متى13/24-30).
مع الليتورجيا المارونية ننشد اليوم: ” طوبى لكِ، ايتها البيعة، لان صوت الابن فيك يدوّي، وهو يكون لك حارساً، فلا تتزعزع اساساتك. تبارك الذي ذُبح لاجلك، فوهبك جسده مأكلاً ودمه مشرباً، غفراناً لك ولاولادك”.
وهو دعوة الى المسيحيين للدخول في سرّ الكنيسة الذي يقدسهم. فالكنيسة هي ” الشركة التي تربط المؤمنين بالله، وفي ما بينهم”. والشركة حركة دينامية ذات بعدين: بٌعد عامودي يستمد منه المؤمنون القداسة من الله، وبٌُعد أفقي يعكسون به القداسة في القول والعمل والمسلك.
يعلّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ان ” الكنيسة هي في المسيح بمثابة السّر ( sacramentum)، اي العلامة والاداة للاتحاد الصميم بالله، ولوحدة الجنس البشري كله” ( الدستور العقائدي في الكنيسة، فقرة 1). ومعلوم ان مصير كل انسان يتقرر في الكنيسة التي فيها يتم سرّ اتحاده الشخصي بالثالوث الالهي وبسائر الناس. ويبدأ هذا الاتحاد في الايمان، ويتجّه الى اكتماله في كنيسة السماء، بينما هو واقع ناشىء في كنيسة الارض ( مجمع عقيدة الايمان: في مفهوم الشركة، فقرة 3).
ويلفت المجمع الفاتيكاني الثاني الى ” ان كنيسة الارض وكنيسة السماء الغنية بالنعم، يجب ألاّ تُعدّا حقيقتين، بل حقيقة واحدة مؤلفة من عنصرين بشري والهي، مرتبطين احدهما بالآخر ارتباطاً وثيقاً” (الدستور العقائدي في الكنيسة،8).
- حوار المسيح والكنيسة وثقافة الحوار
” ولما اتى يسوع نواحي قيصرية فيليبس سأل تلاميذه” (متى16/13).
يسوع يتخذ المبادرة الاولى للحوار. فهو ” الكلمة-الله الذي صار بشراً وسكن بيننا”(يو1/14)؛ وهو” الكلمة المتكلمة الى كل انسان” (القديس برنردوس)، بها مباشرة حاور الله البشرية: ” بانواع كثيرة واشباه شتى، كلّم الله منذ القديم اباءنا بالانبياء. وفي هذه الايام الاخيرة كلمنا بابنه الذي به خلق العالمين.فهو ضياء مجده وصورة جوهره”(عبر1/1-3).
كنيسة المسيح، التي تواصل رسالته، هي كنيسة الحوار، تستمده من اساسه العميق الذي هو حوار الله مع البشرية. الديانة من طبعها علاقة حوارية بين الله والانسان. والصلاة تعبير حواري لهذه العلاقة. باشر الوحي الالهي العلاقة مع البشرية، بشكل حوار، حيث كلمة الله الاقنوم الثاني من الثالوث الاقدس عبّر عن نفسه بالتجسد وبكلمة الانجيل. وعندما انقطع الحوار بين الله والبشرية بسبب الخطيئة، استعاده ابن الله بالتجسد والفداء بالشكل الرائع. ان تاريخ الخلاص يسرد مراحل هذا الحوار الطويل والمتنوع، القائم على محبة الله لنا: ” هو الله احبنا اولاً” ( 1يو4/10). هذا الحوار اقامه الله الآب بواسطة الابن في الروح القدس (البابا بولس السادس: ” كنيسته” (1964)، 72-74).
جرى حوار يسوع مع التلاميذ في نواحي قيصرية فيليبس. قد يكون يسوع اختار هذا المكان عمداً لاهميته. فهو يحمل اسم ” فيليبس” ابن الملك هيرودس الكبير، الذي انشأ القيصرية، واسم “القيصر” امبراطور روما، فكانت ” قيصرية فيليبس” التي تقع على المنحدر الجنوبي من جبل حرمون حيث ينبع نهر الاردن. كانت المحلة تدعى كما اليوم بانياس لقربها من معبد “بان” اله الجبال والرعاة. فيها اقيم هيكل من المرمر على اسم الامبراطور الروماني، فوق المكان الذي ينبع منه الاردن، وسكانها وثنيون. وكانت تمارس في حغارتها عبادة جنسية وتقدم ذبائح الماعز التي يمتزج دماؤها بالماء. وكانت المغارة ذات فوهة عظيمة تعلوها سلسلة من الصخور الشاهقة.
هناك اعلن سمعان ? بطرس ان يسوع هو ” المسيح ابن الله الحي”، الملك السماوي، ملك الملوك، لا ” القيصر”. وانه هو الاله الوحيد الحي لا ” بان” الصنم الميت. وهو الذي سبق وقدس مياه الاردن بنزوله اليها يوم اعتماده من يوحنا، لا دماء الماعز. وهناك اعلن يسوع سرّ الكنيسة الموكولة اليها رسالة خلاصية تشمل جميع شعوب الارض، بدءاً من الوثنيين، ولا مجال لقوى الشر ان تقوى عليها.
بدأ الحوار بسؤال يسوع للتلاميذ عما يقول عنه الناس: ” من يقول الناس اني انا ؟، ثم عما يقولون هم: ” وانتم من تقولون اني انا ؟ ” الحوار يحترم كل الآراء، من اجل الوصول الى الحقيقة الكاملة. قالوا له ما يقول الناس: ” البعض يقول انك يوحنا المعمدان، وآخرون ايليا، وآخرون ارميا، او احد الانبياء”. هذا جواب البشر النابع من اعتقادهم، لكنه خاطىء موضوعياً. كانت عقيدتهم التقمص، التي تعتبر ان الرجال العظام لا ينتهون في التاريخ بموتهم، بل ينبغي ان يتقمصوا.
لم يلق هذا الجواب ردة فعل سلبية من يسوع: فلا تخوين، ولا رفض, ولا اتهام. بل وجّه السؤال اليهم، هم الذين اختارهم واقامهم معه. فكان الجواب على لسان سمعان بن يونا: ” انت هو المسيح ابن الله الحي” ؟ هذا هو الجواب الصحيح: ” طوبى لك يا سمعان”. انه جواب الايمان الموحى من الآب الذي في السماء، لا الآتي من لحم ودم، من البشر ومعتقداتهم. يسوع المسيح يُعرف اولاً بالايمان، هذه الفضيلة الالهية المعطاة لكل انسان. عندما نقول: ” انا اؤمن” يعني: انا اعطي قلبي، ثقتي وحبي، لله الذي اؤمن به، للحقيقة التي تعلن. فاللفظة اللاتينية ” credo” مؤلفة من كلمتين : cor-do اي ” اعطي قلبي”.
الى هؤلاء الناس الذين يعرفونه معرفة ناقصة بالتقمص، والى الناس الذين لا يعرفون حتى الله، كالوثنيين الممثلين في ابناء منطقة قيصرية فيليبس، ارسل يسوع التلاميذ ليعلنوا البشارة. ولكن لا قبل آلامه وموته وقيامته: ” ثم اوصاهم بالاّ يقولوا لاحد انه هو المسيح” (متى16/20). ويضيف متى في انجيله: ” ومذ ذاك بدأ يسوع يبيّن لتلاميذه انه مزمع ان يذهب الى اورشليم، ويتألم كثيراً من الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم” ( متى16/21).
فالمسيح يعرف فادياً للانسان ومخلصاً للعالم، لا الهاً جباراً يسود على الخلق، ولا ملكاً ظافراً يحطم الاعداء. ان جوهر الالوهة خلق وفداء، رحمة وخلاص. وهذا ما ينبغي ان تتصف به كل ابوة وامومة، بل كل سلطة وملوكية.
كانت نتيجة هذا الحوار دعوة سمعان بن يونا الذي بدّل يسوع اسمه الى “بطرس” اي ” الصخرة ” Petros ، بالارامية Kifa وهو اسم غير مألوف؛ والاعلان عن تأسيس الكنيسة: انها جماعة المؤمنين، ” رعية الله”، القائمة على ” صخرة الايمان بالمسيح ابن الله الحي”. انها مثل بيت، هو هيكل الله الروحي، المبني على الصخر، فلا تزعزعه قوى الشر والموت، ولا تقوى عليه ولا تستطيع هدمه، لان الكنيسة هي ” المسيح الكلي”: المسيح ابن الله وفادي البشر وجماعة المؤمنين به، الذين تغمرهم محبة الآب وتحييهم قوة الروح القدس. لقد تسلّم بطرس، رأس رعاة الكنيسة والاول بينهم، “مفاتيح ملكوت السماء”، مفاتيح الكنيسة ? الشركة ببعديها العامودي والافقي، “ ليحل ويربط”، بسلطان التعليم والتقديس والرعاية، تشريعاً وتنفيذاً وقضاءً وادارة. السلطان عينه تسلّمه الرسل من ربنا (متى18/18؛28/16-20)، وهم بدورهم سلموه الى خلفائهم، بابا روما خليفة بطرس والاساقفة، وهؤلأ يمارسونه بالتعاون مع الكهنة.
لكن الكنيسة، هذه الجماعة البشرية المنظمة، هي جماعة روحية، يسميها بطرس الرسول ” بيت الله الروحي”، ويسمى المؤمنين ” حجارته الحية” (1بطرس2/4-9). ويكمل بولس الرسول هذا التعليم بالقول ان الكنيسة هي: ” بيت الله”، وان اعضاءها ” مبنيون على اساس الرسل والانبياء، وان المسيح هو حجر الزاوية، به يشاد البناء كله، فيرتفع هيكلاً مقدساًُ بالرب والمؤمنون يشادون لسكنى الله بالروح” (افسس 2/20-22).
يذكّرنا الارشاد الرسولي ” رجاء جديد للبنان” ان ميزة لبنان الحوار على مستويات ثلاثة: حوار الحياة الذي يوطد النسيج الاجتماعي من خلال التواصل والتضامن والتعاضد في العمل وفي احياء الحياة الاجتماعية والمدنية؛ والحوار الديني الذي يعزز القيم الروحية والخلقية والاحتماعية والثقافية لدى الافراد وفي حياة الجماعة الوطنية؛ وحوار العيش معاً المعروف بالحوار الوطني الذي يقوم على التربية على العيش معاً بالتنشئة في المدارس والمعاهد، وعلى التعارف بشكل افضل، وقبول التنوع والاختلاف، وعلى تكثيف التعاون في المجالات الممكنة من اجل الخير العام (فقرة 90-92). ويقوم الحوار الوطني خاصة على حسن المشاركة السياسية في بناء الدولة والوطن، على اساس من التوازن والانصاف والثقة المتبادلة.
- الكنيسة وثقافة السلام
في قيصرية فيليبس اعلن سمعان بطرس ان يسوع هو “ المسيح ابن الله الحي”، وبكلام آخر انه حضور الله وسط العالم بكل خيراته وبركاته الروحية والمادية التي يغدقها على البشرية والعالم، وتختصر بكلمة ” سلام”، كما تعني لفظة ” شالوم” العبرية. ان اول مذبح لله في تاريخ الخلاص ابتناه جدعون وسماه ” سلام الرب” ( قضاة 6/24)، ما يعني ان السلام لقب جوهري من القاب الله، وقد تجلّى ذلك في نظام الخلق الجميل والمنسجم الذي رآه الله الخالق ” حسناً” يوماً بعد يوم ( تكوين 1/4 25،21،18،12،10،)، وعندما انتهى من كل الخلق، رأى الله جميع ما صنعه فاذا هو حسن جداً” ( تك 1/31).
السلام بمفهومه البيبلي مشروع بشري موكول من الله للبشر بغية انجازه وفقاً للتصميم الالهي، وبالتالي هو عطية الله للانسان. السلام من هذا المنطلق يقوم على العلاقة الاصلية بين الكائن البشري والله، وهي علاقة استقامة، كما اوحاها الله لابرام: ” انا الله القدير، اسلك امامي وكن كاملاً” ( تك 17/1).
ان اول انتهاك لمشروع السلام كان في مخالفة نظام الخلق الالهي بخطيئة الانسان الاول: فكان الخلل بين الزوج والزوجة وامتدت بينهما اصابع الاتهام ( تك 3/12)، وكانت اللعنة على الارض ومشقة الانسان وطرده من الجنة ( تك 10/17-24). وكانت اول جريمة قتل بين اخ واخيه حسداً، فكانت اللعنة على القاتل وشرّدته على وجه الارض ( تك 4/1-14). وهكذا دخل العنف وشوه العلاقات الشخصية بدءاً من العائلة، وشوه العلاقات الاجتماعية كما جرى في برج بابل ( تك 11/1-9).
لا يستطيع السلام والعنف ان يعيشا تحت سقف واحد، وحيث العنف لا يستطيع ان يكون هناك الله. ولذا لم يسمح الله لداود ببناء بيت للرب لان يده ملطخة بالدماء، بل يبنيه ابنه سليمان، رجل السلام ( اخبار 22/8-10).
المسيح ” امير السلام” ( اشعيا 9/5)، بتأسيسه الكنيسة التي لن تقوِ عليها قوى الشر، فيما تعلن ايمانها ” بالمسيح ابن الله الحي”، وتتولى سلطان الحل والربط، انما اسند اليها مهمة تعزيز السلام في العالم. وقد جعل هذه المهمة جزءاً اساسياً من رسالتها التي تواصل بها عمل فداء المسيح على الارض.
لقد اعلن خادم الله البابا يوحنا بولس الثاني ان ” الكنيسة في المسيح سرّ (sacramantum) اي علامة واداة السلام في العالم ومن اجل العالم” ( النداء بمناسبة اليوم العالمي للسلام 2000، فقرة 20).
وهكذا راحت الكنيسة تعمل على نشر ثقافة السلام وعلى تعزيزه بين الامم والشعوب، وما زالت تغني المجتمع بتعليمها حول السلام في رسائل البابوات العامة بشأن العقيدة الاجتماعية، وفي نداءاتهم السنوية بمناسبة اليوم العالمي للسلام في اليوم الاول من كل سنة.
**
ثانياً، وجوه عاشت انجيل الحوار والسلام
تعيّد الكنيسة في الاسبوع السابق لاحد تقديس البيعة تذكار قديسين عاشوا انجيل الحوار والسلام.
عيد جميع القديسين (اول تشرين الثاني)
استعداداً للاحتفال بتقديس البيعة، تستشفع كنيسة الارض المجاهدة القديسين في كنيسة السماء الممجدة. هؤلاء هم الرسل والشهداء والمعترفون والعذارى والابرار الذين عاشوا شريعة انجيل الحوار والسلام مع الله والخلق اجمع. وقد جاهدوا الجهاد الحسن وانتصروا على التجارب وفازوا باكليل المجد الابدي. انهم شفعاؤنا لدى الله، وعون لنا في الشدائد والمحن، ومثال لنقتدي بفضائلهم ونسير على خطاهم في اعلان انجيل الحوار والسلام. اننا بتكريمنا اياهم نقدّم المجد والشكر لله الذي قوّاهم بنعمته، واهلّهم الى السعادة الخالدة ورفعهم منارة للشعوب.
يلي في اليوم التالي تذكار الموتى المؤمنين الذين يشكلّون كنيسة المطهر، من أجل هذه تصلي كنيسة الارض مستشفعة كنيسة السماء. هذا ما يسمى بشركة القديسين الذين يؤلفون كلهم جسد يسوع المسيح الواحد، كنيسته الواحدة في مراحلها الثلاث: الارض والمطهر والسماء. ان اتحاد كنيسة الارض بكنيسة السماء يتمّ بأوثق وجه في الليتورجيا عندما نحتفل مع جميع الملائكة والقديسين بتسبيح مجد الله وعمله الخلاصي (الدستور المجمعي في الليتورجيا، 104؛ والدستور العقائدي في الكنيسة، 50-51).
عيد القديس جرجس الشهيد ( 3 تشرين الثاني)
جرت العادة ان تحتفل بعض الرعايا بعيد القديس جرجس الشهيد في 3 تشرين الثاني وفي 23 نيسان. انه من مواليد اللّد بفلسطين سنة 280 من اسرة مسيحية شريفة. مات شهيد انجيل الحقيقة وسلامها، اذ حارب تنين الوثنية وخلص الكنيسة من اضاليله. انه شفيع الكنيسة المجاهدة في سبيل احلال ملكوت الحقيقة والسلام.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية
الكنيسة علامة واداة الحوار والسلام. فالحوار بدأه الله مع البشرية بانواع شتى منذ القديم، واكمله بابنه الوحيد يسوع المسيح ( انظر عبرانيين 1/1-2). والسلام هو الله الذي منه كل عطية صالحة، فقطعه عهداً مع البشرية، واضحى واقعاً في حياتنا هو ” المسيح امير السلام”. ولان الكنيسة خادمة السلام، فهي كنيسة الرجاء.
تعتمد الخطة الراعوية في زمن الميلاد النص الاول من نصوص المجمع البطريركي الماروني، بعنوان: ” كنيسة الرجاء”، وفقاً للخطة الخمسية التي وضعتها لجنة المتابعة.
تتدارس الجماعات الرعائية هذا النص، اسبوعاً بعد اسبوع، في محطاته الثلاث: مفهوم الرجاء في النصوص الليتورجية وبخاصة في صلاة الفرض الالهي، وهواجسه في الواقع الراهن، وآفاقه المستقبلية. وهي محطات تختص بالجذور (الماضي)، والواقع الراهن (الحاضر)، والانطلاقة الجديدة (المستقبل)، وتشكّل مسار جميع النصوص المجمعية في الملفات الثلاثة. فكان عنوان الملف الاول: ” هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها” (الماضي)، وعنوان الثاني: ” التجدد الراعوي والروحي في هيكليات الكنيسة المارونية” (الحاضر)، وعنوان الثالث: ” الكنيسة المارونية وعالم اليوم” (المستقبل).
جاء النص الاول ” كنيسة الرجاء” بمثابة الروح لكل النصوص وللمسيرة المجمعية باكملها، ذلك ان الكنيسة بطبيعتها مشدودة الى الامام، الى اكتمال الملكوت الذي دشّنه السيد المسيح ودعا الى بنائه في العالم بثبات وثقة بالرب وبمواعيده، فالمسيح هو رجاؤنا (الفقرة 1 و2).
بقوة هذا الرجاء نلتزم معاً في نشر ثقافة السلام وفي بنائه على قاعدة الحقيقة والعدالة، بوجه ” ثقافة” الحرب، المتنكرة لكل ما هو حق وعدل.
***
صلاة
في المسيرة المجمعية نصلي لكي نتشارك جميعاً فيها:
” ايها الرب يسوع، يا من ترافقنا في مسيرتنا المجمعية. بارك كنيستنا المارونية. وأرسل إلينا روحك القدوس، ليحّل في القلب وينير العقول، فنصغي الى إلهاماته ونعمل بإرشاداته، ونتقبل تعاليم المجمع البطريركي، ونجتهد في تطبيقها، ونعمل على عيشها ونشرها شهادة لإنجيلك وخدمة لملكوتك، لك المجد الى الابد، آمين. (الصلاة المجمعية).
الاحد 12 تشرين الثاني 2006
Discussion about this post