زيارة مريم لاليصابات
أفسس1/1-14
لوقا 1/39-45
بداية الزمن المسيحاني: بركة الله الخلاصية
إن تفاعل الجنينين يسوع ويوحنا في بطن مريم واليصابات، وحلول الروح القدس في بيت زكريا، يشكلان بدء الزمن المسيحاني، زمن الخلاص. منذ ذاك اللقاء البشري بدأت تعمل القوة الفادية النابعة من حضور ابن الله بين البشر. اليصابات عاينت زيارة مريم، والجنين يوحنا السابق عاين مجيء المخلص، فتحرّك له في بطن امه.
***
أولاًً سنة يوبيل القديس بولس وشرح نصيّ الرسالة والإنجيل
1. بولس الرسول وتقليد الكنيسة الحي[1].
لم يكن الإنجيل مكتوباً عندما راح بولس يعلن إنجيل يسوع المسيح. أي إنجيل هو” هو سرّ المسيح الذي تلقاه بعد ارتداده من الرسل في أورشليم وتحديداً من بطرس ويعقوب ويوحنا الذين سماهم ” أعمدة الكنيسة” (غلاطية 2/9). فقد أعلن في الكرازة ما سلّم من الرسل الذين عاشوا مع الرب. هذا هو تقليد الكنيسة الحي.
في الرسالة الأولى إلى أهل كورنتس يتحدث عن الأفخارستيا كعنصر محوري كوّن التقليد المسيحي والذي منه ولدت الكنيسة واعتذت كل يوم.
الأفخارستيا ( 1كور13/23-26).
” أنا تسلّمت من الرب ما سلّمته إليكم، هو أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها، أخذ خبزاً، وشكر وكسر وقال: هذا هو جسدي الذي يُكسر من أجلكم. اصنعوا هذا لذكري. كذلك بعد العشاء أخذ الكأس أيضاً وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. فكلما شربتم منها، اصنعوا هذا لذكري. فكلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تبشرون بموتي حتى مجيئي”.
هذه الكلمات كانت دوماً غذاء الكنيسة، وكشفت قيمة موت المسيح وقيامته. إنها تنير لعنة الصليب وتحولّها الى بركة: ” فالمسيح افتدانا من اللعنة، إذ صار لعنة من أجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علّق على خشبة. وذلك لكي تصير بركة ابراهيم إلى الأمم في المسيح، فننال بالإيمان الروح الموعود به” ( غلاطية 3/13-14).
وبالنسبة الى بولس كان لهذه الكلمات تأثير عميق في علاقته الشخصية مع المسيح، فحوّل “من أجلكم” إلى ” من أجلي”. وهذا ما ينبغي ان يعيشه ويختبره كل مؤمن ومؤمنة: ” إن كنت أنا الآن حياً في الجسد، فإني حيّ بإيمان ابن الله، الذي أحبني وبذل نفسه من أجلي” ( غلاطية2/20).
ثم يحوّل ” من أجلكم” إلى ” من أجل الكنيسة“: ” المسيح أحب كنيسته، فبذل نفسه من أجلها، لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء والكلمة” ( افسس5/20).وأخيراً يصبح من ” أجل الجميع”: ” الجميع قد خطئوا. لكنهم يُبررون مجاناً بنعمة الله، بالفداء الذي تمّ في المسيح يسوع. وقد جعله الله كفارة عن الجميع بدمه، وبذلك أظهر الله برّه، إذ تغاضى عن الخطايا السافلة، ليبرر من هم على إيمان يسوع” ( روم3/23-26).
2. شرح الرسالة الى أهل أفسس 1/1-14
مِنْ بُولُس، رَسُولِ الـمَسِيحِ يَسُوعَ بِمَشِيئَةِ الله، إِلى القِدِّيسِينَ الَّذِينَ هُم في أَفَسُسَ والأُمَنَاءِ في الـمَسِيح يَسُوع: أَلنِّعْمَةُ لَكُم والسَّلامُ مِنَ اللهِ أَبِينَا والرَّبِّ يَسُوعَ الـمَسِيح! تَبَارَكَ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، الَّذي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ في السَّمَاوَاتِ في الـمَسِيح؛ فإِنَّهُ اخْتَارَنَا فيهِ قَبْلَ إِنْشَاءِ العَالَم، لِنَكُونَ في حَضْرَتِهِ قِدِّيسِين، لا عَيْبَ فينَا؛ وقَدْ سَبَقَ بِمَحَبَّتِهِ فَحَدَّدَنَا أَنْ نَكُونَ لَهُ أَبْنَاءَ بِالتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الـمَسِيح، بِحَسَبِ رِضَى مَشِيئَتِهِ، لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا في الـحَبِيب؛ وفيهِ لَنَا الفِدَاءُ بِدَمِهِ، أَي مَغْفِرَةُ الزَّلاَّت، بِحَسَبِ غِنَى نِعْمَتِهِ، الَّتي أَفَاضَهَا عَلَيْنَا في كُلِّ حِكْمَةٍ وَفَهْم؛ وقَدْ عَرَّفَنَا سِرَّ مَشِيئَتِهِ، بِحَسَبِ رِضَاهُ الَّذي سَبَقَ فَجَعَلَهُ في الـمَسِيح، لِيُحَقِّقَ تَدْبِيرَ مِلْءِ الأَزْمِنَة، فَيَجْمَعَ في الـمَسِيحِ تَحْتَ رَأْسٍ وَاحِدٍ كُلَّ شَيء، مَا في السَّماوَاتِ ومَا عَلى الأَرْض؛ وفيهِ أَيْضًا اخْتَارَنَا مِيرَاثًا لَهُ، وقَدْ سَبَقَ فَحَدَّدَنَا بِحَسَبِ قَصْدِهِ، هُوَ الَّذي يَعْمَلُ كُلَّ شَيءٍ بِقَضَاءِ مَشِيئَتِهِ، لِنَكُونَ مَدْحًا لِمَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ سَبَقْنَا فجَعَلْنَا في الـمَسِيحِ رجَاءَنَا؛ وفيهِ أَنْتُم أَيْضًا، بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُم كَلِمَةَ الـحَقِّ، أَي إِنْجِيلَ خَلاصِكُم، وآمَنْتُم، خُتِمْتُمْ بِالرُّوحِ القُدُسِ الـمَوعُودِ بِهِ، وهُوَ عُربُونُ مِيرَاثِنَا، لِفِدَاءِ شَعْبِهِ الَّذي اقْتَنَاه، ولِمَدْحِ مَجْدِهِ.
يؤكد بولس الرسول أن بركة الله بلغت إلينا بالمسيح، وأنها تشملنا كل يوم: ” تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في السموات بالمسيح” (افسس1/3).
ما هي البركة؟
إنها عمل الله الذي يعطي الحياة النابعة من الآب. وهي في آن كلمة توحي (eu-logia)، وكلمة تعطي خيراً ( bene-dictio): ” الله باركنا بكل بركة روحية”؛ وهي من جهة تسليم الإنسان عبادة وتسليم لله الخالق في فعل شكر ” تبارك الله”. كل ما صنع الله منذ الخلق حتى نهاية الأزمنة هو بركة إلهية عظيمة. في ليتورجيا الكنيسة تنكشف البركة الإلهية تماماً وتُعلن للمؤمنين: فالآب يُعبد لأنه ينبوع كل بركات الخلق والخلاص وغايتها. ويُعبد الابن، كلمة الله المتجسّد الذي مات وقام من أجلنا، لأن به يفيض الآب علينا بركاته. ويُعبد الروح القدس لأن بواسطته وبشخصه يسكب عطية الحياة الإلهية فينا (كتاب التلعيم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1078-1082).
يحدد بولس الرسول في رسالة اليوم مضمون البركة الإلهية الحاوية خمسة خيور:
الاختيار (4-5): اختيار الآب لنا منذ الأبد لنكون مقدسين في المحبة وأبناء له بالمسيح، ونكون نشيد التسبيح بمجد نعمته.
الافتداء ( 6-7) أعطانا الآب الفداء بدم ابنه الحبيب، صافحاً عن خطايانا بمقدار نعمته الوافرة.
الإطلاع على سرّ ارادته ( 8-9): أطلعنا الرب على تدبير الخلاص الذي أعدّه وحققه بالمسيح، ويواصل تحقيقه في الكنيسة وبواسطتها، ليسير بالازمنة إلى كمالها وجمعها تحت رأس واحد هو المسيح.
الميراث الموعود (11-12): جعلنا الله ورثة السماء، أرض الميعاد، التي نضع فيها رجاءنا، ونحن ناشطين على أرضنا.
موهبة الاروح القدس (13-14): ختمنا الروح القدس على هديه نسمع كلمة الحق أي بشارة الخلاص، وبه ننال عربون الميراث الأبدي.
والكل للتسبيح بمجد الله الذي تتحقق مشيئته ويتحقق في التاريخ تدبيره الخلاصي لجميع الناس (افسس1/12،6 و14).
3. بركة الله المتجلية في زيارة مريم لاليصابات (لو1/39-45).
كشفت الزيارة حضوراً إلهياً وحملت رسالة نبوية.
الحضور الإلهي
مريم تزور اليصابات بكل بساطة لكي تؤدي لها خدمة، هي العجوز الحامل في شهرها السادس، مترجمة بالفعل وعلى الفور جوابها للملاك: ” أنا أمة الرب “ . وهذا ما ستفعله في عرس قانا الجليل حيث انصرفت للخدمة، فاكتشفت فراغ الخمر، استحقت من ابنها يسوع إجراء آية تحويل الماء إلى خمر فاخرة بكمية كبيرة، وبهذا أدّت الخدمة العظمى. مريم الخادمة هي صاحبة الحضور وسط الجماعة وفي الكنيسة.
امتلأت اليصابات من الروح القدس بسبب حضور مريم. يقول القديس امبروسيوس : ” الولد (يوحنا) تحرك وتهلل والأم امتلأت من الروح القدس. لم تسبق الأم طفلها إلى الامتلاء من الروح القدس ، ولكن عندما امتلأ الابن من الروح القدس ، أسبغه على أمه” (انظر انجيل الحياة،45).
الروح اذن هو عطية الابن لأمه. يقول كتاب ” الأولاد ربيع العائلة والمجتمع ” : ليس صحيحاً أن الطفل لا يقدم شيئاً للعائلة والمجتمع. ان الذين لا يدركون أن الحياة هبة من الله، ويرون فيها فقط معطيات إحصائية، يعتبرون أن الطفل يطّل ليحتل مكاناً، في حين ان العالم يبدو أضيق يوماً بعد يوم. ولانهم يرون في ولادة طفل تعباً للاهل مرتقباً ، وعبئاً اقتصادياً، ومتطلبات عملية، فهم يرفضون ولادة أخرى(انظر المحور الاول : هبة الحياة).
حيث المسيح، هناك الروح القدس: المسيح ” يجود بالروح ” على الكنيسة ليقدسها ويقودها إلى الحقيقة ويشددها في المحن والمصاعب، ويجدد شبابها، ويوحي إليها بالمواقف النبوية. وحيث مريم، هناك الوساطة لدى المسيح ابنها. في بيت اليصابات جعلته حاضراً إذ حملته جنيناً في حشاها، وفي الكنيسة تشفع بنا لديه ليفيض نعمه علينا.
ليست حياتنا مجرد وجود بل هي مدعوة لتكون حضوراً. فكن صاحب حضور. الحاضر يعطي بدون حساب، يبني، يشهد، يساهم في إنماء الإنسان والمجتمع. أطفالنا في بيوتنا أصحاب حضور: يعطون سعادة وفرحاً لوالديهم ولكل أفراد أسرتهم. الكبار مدعوون ليكونوا هم أيضاً اصحاب حضور. هناك فرق كبير بين الوجود والحضور: قد يكون الوجود عبئاً على الآخرين، ووسيلة للاستفادة على حسابهم. أما الحضور فهو خدمة لهم واحترام وإنماء. هذا من حيث المفهوم المنطقي. ولكن مطامع الناس تحوّل الحضور إلى عبء في كل ابعاده، يستفيد منه البعض أو يستقوون على حساب غيرهم، فتقع الفتنة الداخلية والانقسام، ويتحول الخير الذي بدأ اساساً مع الوجود والحضور، إلى شرٍ، والصداقة الى عداوة.
اللبنانيون أصحاب حضور في هذا الشرق العربي بثقافتهم: ثقافة الحرية والديموقراطية والحوار بين الثقافات والأديان والعيش معاً ، ثقافة الانفتاح على الشرق والغرب، ثقافة السلام مع الجميع. المسيحيون أيضاً أصحاب حضور في هذا الشرق. لقد توسع مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في هذا الموضوع في الرسالة الراعوية المشتركة التي عنوانها الحضور المسيحي في الشرق شهادة ورسالة. واعتبروه حضور إيمان وصلاة، حضوراً متجسداً في الثقافة والحضارة، حضور خدمة الإنسان في شتى المجالات، حضوراً مسكونياً ، حضور حوار، حضوراً من أجل الإنسان ، وحضوراً ذا بُعد عالمي”.
الرسالة النبوية
كانت الزيارة للتأمل في السّر العجيب فإذا بها تتحول إلى رسالة نبوية.
سافرت مريم من الناصرة إلى بيت كارم، فاستغرق سفرها حوالي عشرة أيام لبعد المسافة، من أجل أن تخدم اليصابات اولاً، وتتأمل معها في سرّ الله العجيب المتجلي بواسطتهما.في السفر الطويل راحت تتأمل في السّر الذي أوحاه لها الملاك، وفاضت في نفسها مشاعر العرفان لعظمة جودة الله. وحين دخلت بيت اليصابات قبل يوحنا، وهو في حشاها، الروح القدس، وشهد بلسان أمه التي تنبأت بالأسرار الكبيرة المتممة من الله في مريم (لو 1/42-43): إنها المباركة بين جميع النساء والممتلئة من نعمة الله والحامل بالمبارك الذي هو القدوس، ووالدة الإله الذي هو المسيح المنتظر، وصاحبة الإيمان المطلق بالله
عبر عناصر هذه النبوءة يظهر سرّ الكنيسة ،كما نقرأ في رسالة البابا يوحنا بولس الثاني ” أم الفادي “: فالبركة التي غمر الله بها الكنيسة في المسيح تلفّ البشرية كلها وتحمل الملء والشمولية . وباتت الكنيسة خميرة البركة للبشرية المفتداة. مريم هي النموذج والتحفة لهذه البركة الإلهية التي جعلتها ابنة الآب وأم الابن وعروسة الروح. ونحن الذين ننال البركة الروحية من السماء، بواسطة خدمة الكنيسة، خدمة الكلمة والنعمة، تصبح فينا هذه البركة واقعاً يصيّرنا ” أبناء الله بالتبني في المسيح”، و” جماعة المفتدين بدم الحبيب”. إن أمومتها للمسيح التاريخي، أصبحت أمومة للمسيح الكلي الكنيسة.
4. العائلة مربية على كرامة كل شخص بشري واحترامه
يظهر من حدث الزيارة أن الجنينين هما شخصان معروفان في هويتهما ومنتظران، يسوع ويوحنا. ما يعني أن كل جنين هو شخص بشري بكل معنى الكلمة، وله كرامته واحترامه.
استعداداً للقاء العالمي السادس للعائلات مع قداسة البابا في مكسيكو (16-18 كانون القثاني 2009)، نعرض اليوم الموضوع ” العائلة مربية على كرامة كل شخص بشري واحترامه“. وهو الموضوع الثالث من سلسلة المواضيع العشرة التي أعدّها المجلس الحبري للعائلة، لهذه الغاية.
تقول الوثيقة ” إن الأولاد المنتظرة ولادتهم هم أشحاص منذ لحظة الحبل بهم. ولا يمكن أن تتلف حياتهم بالإجهاض أو بالاختبارات الطبية العلمية. إتلاف حياة ولد في مرحلة الجنين، بريء كلياً إنما هو فعل عنف جسيم، وله مسؤولية خطيرة أمام الله.
ترى الكنيسة في كل إنسان الصورة الحيّة لله نفسه. وفيما المسيح يكشف لنا وجه الله في حقيقته، فإنه يكشف الإنسان للإنسان، وما له من كرامة لا مثيل لها وغير قابلة للانتهاك. ذلك أنه خلق على صورة الله ومثاله، ومعدّ ليكون ابناً لله بالتبني، بالابن الوحيد. ولهذا ليس الكائن البشري شيئاً ما، بل هو شخص بين أشخاص أخرين. وهو شخص مدعو ليدخل في علاقة شخصية مع الله، ويعيش معه.
***
ثانياً، البطاركة الموارنة ولبنان
البطريرك يوسف اسطفان (1766-1793)
هو ابن الخوري جرجس اسطفان من غوسطا، وله أربعة أخوة سلكوا كلهم طريق الكهنوت ومن بينهم شقيقه المطران بولس. وكان له عم مطران. درس في مدرسة روميه. وكان انتخابه بطريركاً في 9 حزيران 1766، فثبّته البابا اكليمنضوس الثالث عشر ( 1756-1769) في نيسان 1767)[2]. دامت ولايته 27 سنة.
سكن في دير سيدة قنوبين، لكنه اضطر إلى مغادرته قاصداً كسروان، بسبب مظالم الحكام. فجعل دير مار يوسف الحصن مقراً له، وأقام فيه كل أيام حياته.
صبّ البطريرك جهده على إيفاء الديون المترتبة على الكرسي البطريركي وتنظيم الشؤون الكنسية وعقد مجمع طائفي.
1. بشأن الديون كتب الى مجمع نشر الإيمان طالباً وساطة قداسة البابا لدى ملك فرنسا لتسديد الديون المترتبة على الكرسي البطريركي في قنوبين الذي دُمّر وخربت أرزاقه، وترتبت عليه اكلاف ميرة وظلم ومصاريف[3].
2.بالنسبة إلى تنظيم شؤون الكنيسة، كتب البطريرك إلى مجمع نشر الإيمان طالباً تثبيت المطالب المختصة بتنفيذ أحكام المجمع اللبناني، وهي تتعلق بالأبرشيات ومطارنتها والرهبان والراهبات. فأثبتها البابا ببراءة في 2 آب 1767.
3. أما المجمع الطائف فعقده البطريرك في دير مار يوسف الحصن بغوسطا من 16 إلى 21 أيلول 1768 بحضور قاصد رسولي لتنفيذ المطالب المذكورة التي أثبتها الحبر الروماني. وأصدر قانوناً يتعلّق بالولاة المدنيين، يضع حداً لتدخلهم في الشؤون الكنسية، دفاعاً عن استقلالية الكنيسة وحريتها في إدارة شؤونها, أثبت الكرسي الرسولي هذا المجمع في 11 كانون الاول 1769، في أحكامه المتوافقة مع رسوم المجمع اللبناني واهمل تلك المتباينة معها.
واجهت البطريرك يوسف اسطفان احداث حالت دون إمكانية ما كان يصبو إليه بغيرته النهضوية. نذكر منها:
1) قسمة الرهبانية الى بلدية وحلبية، وتثبيتها من البابا اكليمنضوس الرابع عشر (1769-1774) ببراءة مؤرخة في 19 تموز 1770، من بعد أن فشلت كل المحاولات للحؤول دون اجراء هذه القسمة.
2) المظالم والتعديات التي كانت تتعاظم في لبنان وقبرص وحلب على يد المنشقين عن الكنيسة الكاثوليكية والحكام المسلمين. كتب البطريرك عنها الى ملك فرنسا لويس الخامس عشر، طالباً الحماية في 13 حزيران 1767، وإلى الكرسي الرسولي في 2 كانون الثاني 1771[4].
3) قضية الراهبة هندية وجمعيتها، وقد شغلت الطائفة المارونية والكرسي الرسولي.
4) تحامل بعض المطارنة والرهبان على البطريرك وعقد مجمع وترتيب شكاوى ضد البطريرك رفعوها إلى الكرسي الرسولي في 29 تشرين الاول 1769 والامير يوسف شهاب[5]. وهي احداث دامت من سنة 1769 حتى 1762، وشلّت عمل البطريرك بالكلية.
5) الطلب من قبل الكرسي أن يسافر البطريرك الى رومية لبحث موضوع الشكاوى. وفيما كان مسافراً عن طريق حيفا وتوقف في دير الكرمل بسبب مرضه الشديد، عقد النائب البطريركي ميخايل الخازن والقاصد الرسولي مجمعاً طائفياً في دير سيدة ميفوق في 21 تموز 1780 دام خمسة أيام. لكن المطارنة الثلاثة الذين لم يحضروا كتبوا رسائل احتجاج الى الكرسي الرسولي، وكذلك فعل البطريرك وكانت أجوبة[6].
بعد عودة البطريرك، وقد غاب عن البطريركية اربع سنوات (1780-1784)، عقد مجمع شقيققرب وطا الجوز في 6 تموز 1787، حضره المطارنة والرؤساء العامين والاكليروس ومشايخ آل الخازن وحبيش والدحداح والحواقل وبيطار والخوري وصالح والشلفون وجرجس باز وغيرهم. لم يثبّته الكرسي الرسولي لأن بعض احكامه مجحفة بحرية الاساقفة وحقوقهم. فأمر بعقد مجمع آخر، عقده البطريرك في بكركي في 13 كانون الاول 1790، وهو من اهم المجامع المارونية بعد المجمع اللبناني الشهير. كانت الغاية منه تطبيق اعمال هذا المجمع، وتقرر فيه تعيين دير بكركي كرسياً بطريركياً. ثبّت الكرسي الرسولي اعماله. أما قرار جعل دير بكركي كرسياً بطريركياً فقد ثبّته الكرسي الرسولي في 10 حزيران 1793.
ثم كتب البطريرك الى ملك فرنسا لويس السادس عشر طالباً منه أن يمنح الشيخ غندور سعد الخوري قنصلة بيروت، جزاء الخدم والمساعي الحسنة التي بذلها في سبيل الطائفة وانجاح مجمع شقيق (وطا الجوز)، وأن يجدد الحماية للطائفة المارونية. فلبّى الملك طلب البطريرك المزدوج بفرمان عال في 4 آب 1887.
وفي سنة 1789 حوّل البطريرك دير عائلته مار انطونيوس عين ورقه، الذي كان للعبادات، إلى مدرسة اكليريكية للطائفة المارونية، بعد التشاور مع اخيه المطران بولس اسطفان وأفراد عائلته، وذلك بطلب ملّح من قنصل فرنسا في بيروت الشيخ غندور سعد الخوري، نظراً لحالة الكهنة الثقافية الضعيفة[7].
توفي البطريرك يوسف اسطفان في دير مار يوسف الحصن مقرّه البطريركي في غوسطا، وله من العمر 64 سنة، ودُفن في كنيسة الدير.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتقبل النص المجمعي الماروني
تتقبل الخطة الراعوية الفصل الرابع من النص المجمعي 12: الليتورجيا، وهو بعنوان: تجديد الليتورجيا المارونية. إنه يتناول ضرورة التجديد ومبادئه (الفقرات 25-27).
1. التجديد الليتورجي ضروري، لأن الليتورجيا هي صلاة الكنيسة الحيّة وعليها أن تخاطب إنسان اليوم، معانيها ورموزها، ويشارك فيها بطريقة واعية وفعّالة ومثمرة. يقوم التجدد على العودة الى التقاليد الثابتة مع القراءة للواقع الراعوي والتطور ضمن الخط الليتورجي السليم، وفي كل ذلك تجب المحافظة على العمق اللاهوتي والأصالة الروحانية.
2. أما مبادىء التجديد فهي:
أ- الانطلاق من الأصالة الليتورجية الانطاكية السريانية المارونية وحفظ هويتها من كل دخيل يتعارض معها.
ب- استحداث صيغ طقسية بالعودة الى جذورها وثوابتها الكتابية واللاهوتية وتطويرها ضمن الخط التقليدي لتلبية حاجات اليوم، وتطلعات الجماعات المؤمنة المتنوعة.
ج- جعل الرتب الطقسية رعوية وشعبية من أجل مشاركة واعية ومثمرة في كل أزمنة الدورة الطقسية المرتكزة على سرّ المسيح.
د- استخدام لغة طقسية سهلة الصيغة وواضحة المعنى وغنية بالروحانية الكتابية واللاهوتية، تساعد الجماعة على الدخول في دينامية الصلاة.
***
صلاة
أيها الرب يسوع، انت القائم من الموت، حيّ معنا في الكنيسة وبواسطتها، وحاضر فعلياً ودينامياً في سرّ القربان، في استمرارية ذبيحة الفداء عن خطايانا، ووليمة الحياة الإلهية فينا، باركنا بكل بركة روحية من السماء، اطلعنا بروحك القدوس على سرّ مشيئة الآب السماوي، وقد اختارنا لنشيد باسمه بين الشعوب ونشهد لمحبته. يا مريم، كوني في زيارة دائمة لنا في العائلة والمجتمع والكنيسة، واحملي لنا ثمار الخلاص بابنك يسوع، ولتمتلىء بيوتنا من أنوار الروح القدس والفرح الروحي. اجتذبنا يا رب إلى لقائك والاتحاد بك في الليتورجيا المقدسة، فتمتزج أصواتنا مع أجواق ليتورجيا السماء في نشيد المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
***
[1] . خطاب البابا بندكتوس السادس عشر في المقابلة العامة الاربعاء 24 ايلول 2008.
[2] . انظر براءة التثبت في ” بطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن 18 ً للاباتي بطرس فهد، صفحة 276-278.
[3] انظر الرسائل بهذه الشأن في المرجع نفسه، صفحة 279-280.
[4] . انظر الرسائل في المرجع المذكور، صفحة 285-289.
[5] . انظر بشأنها وبالرسائل المتبادلة بين المعترضين والكرسي الرسولي وافعال الامير ومراسلات البطريرك في المرجع نفسه، صفحة 290.
[6] . انظر الرسائل وجواب الكرسي في المرجع نفسه، صفحة 319-354.
[7] . انظر فرمان الملك في المرجع نفسه، صفحة 457.
Discussion about this post