عيد الدنح أو الغطاس
يسوع ابن الله وفادي العالم
الأحد الأول بعد الغطاس
لوقا 3: 15-22
يوحنا 1: 29-34
نضمّ معاً عيد الغطاس أو الدنح والاحد الأول الذي يليه. فنحيي ذكرى اعتماد الرب يسوع في نهر الأردن من يوحنا المعمدان، وفيه ظهوره العلني للعالم، واعتلان سرّ الثالوث الاقدس. وفي الأحد الذي يلي نحتفل باعتلان الرب يسوع، بشهادة يوحنا، فادياً يحمل خطيئة العالم، ويزيلها بموته على الصليب وقيامته منتصراً على الخطيئة والموت.
أولاً، نصوص الإنجيل
1- إنجيل القديس لوقا 3: 15-22، معمودية يسوع
وفيمَا كانَ الشَّعْبُ يَنتَظِر، والـجَمِيعُ يَتَسَاءَلُونَ في قُلُوبِهِم عَنْ يُوحَنَّا لَعَلَّهُ هُوَ الـمَسِيح، أَجَابَ يُوحَنَّا قَائِلاً لَهُم أَجْمَعِين: “أَنَا أُعَمِّدُكُم بِالـمَاء، ويَأْتي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، مَنْ لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَحُلَّ رِبَاطَ حِذَائِهِ. هُوَ يُعَمِّدُكُم بِالرُّوحِ القُدُسِ والنَّار. في يَدِهِ الـمِذْرَى يُنَقِّي بِهَا بَيْدَرَهُ، فيَجْمَعُ القَمْحَ في أَهْرَائِهِ، وأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لا تُطْفَأ”. وبِأَقْوَالٍ أُخْرَى كَثيرَةٍ كانَ يُوحَنَّا يَعِظُ الشَّعْبَ ويُبَشِّرُهُم. لـكِنَّ هِيرُودُسَ رئِيسَ الرُّبْع، وقَد كانَ يُوحَنَّا يُوَبِّخُهُ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ أَخِيه، ومِنْ أَجْلِ كُلِّ الشُّرُورِ الَّتي صَنَعَها، زَادَ على تِلْكَ الشُّرُورِ كُلِّهَا أَنَّهُ أَلقَى يُوحَنَّا في السِّجْن. ولـمَّا اعْتَمَدَ الشَّعْبُ كُلُّهُ، اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. واذ كانَ يُصَلِّي، انفَتَحَتِ السَّمَاء، ونَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ القُدُسُ في صُورَةٍ جَسَديَّةٍ مِثْلِ حَمَامَة، وجَاءَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يَقُول: “أَنْتَ هُوَ ابْنِي الـحَبِيب، بِكَ رَضِيت”.
تنبأ يوحنا المعمدان، بفعل الروح القدس الذي كان يملاءه، عن الفرق بين معموديته ومعمودية يسوع المسيح العتيدة. معمودية يوحنا ” بالماء”، كرمز للتوبة الداخلية من دون أن تغسل النفس من الخطايا، ومن دون أن تملأها بالحياة الجديدة، خلافاً لمعمودية يسوع العتيدة التي ستتم ” بالروح القدس والنار”. ما يعني أن الروح القدس ينقي النفس ويطهّرها من خطاياها، كما تفعل النار؛ ويعطي الحياة الجديدة بحلوله على المعمّد. عن هذه المعمودية تكلّم يسوع عندما قال: ” جئت ألقي على الارض ناراً، وأودّ ان تكون اشتعلت” ( لو12: 49). ويوم معمودية الكنيسة في العنصرة، ظهر الروح القدس على الكنيسة الناشئة ” بألسنة من نار وملأ الحاضرين” ( اعمال 2: 3-4).
أراد الرب يسوع أن يعتمد من يوحنا، لا لأنه خاطىء ويلتمس التوبة لغفران خطاياه، بل لكي يتضامن مع كل الخطأة، ليحمل خطاياهم، فيكفّر عنها بموته على الصليب، ويجري المصالحة مع الله، ويستحق الغفران لكل إنسان يتوب. بهذه المبادرة أراد أن يخضع بالكلية لإرادة أبيه الخلاصية، قابلاً معمودية موته لمغفرة خطايانا. فكان حلول الروح القدس عليه، بشكل حمامة، ليعضد بشريته في عملية الفداء، وكان صوت الآب، جواباً على قبوله لإرادته: ” أنت هو ابني الحبيب، بك رضيت” (لو3: 22).
وهكذا كان ” الدنح” أو ظهور يسوع المسيح للعالم على انه ابن الله وفادي الإنسان، وظهور الآب الذي أرسله لتحقيق تصميم الخلاص، وظهور الروح القدس قدرة الله التي مكنت يسوع الإنسان من تتميم عمل الفداء بموته على الصليب.
واتسّع هذا ” الظهور” ليشمل حقائق أخرى. فالمسيح الممتلىء من الروح القدس سيصبح ينبوع عطية هذا الروح للجنس البشري بأسره. و”انفتاح السماوات” عند اعتماده يعني أن يسوع فتحها للشركة الكاملة بين الله والبشر بطاعته، من بعد أن أغلقها آدم بمعصيته. و” نزول يسوع في الماء وحلول الروح القدس” يعلنان الخلق الجديد [1].
***
2- إنجيل القديس يوحنا 1: 92-34، يسوع حمل الله
في الغَدِ رأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَال: “هَا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم. هـذَا هُوَ الَّذي قُلْتُ فِيه: يَأْتِي ورَائِي رَجُلٌ قَدْ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلي. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنِّي جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالـمَاء ِ لِكَي يَظْهَرَ هُوَ لإِسْرَائِيل”. وشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: “رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كَحَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاء، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْه. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنَّ الَّذي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدُ بِالـمَاءِ هُوَ قَالَ لي: مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه، هُوَ الَّذي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ القُدُس. وأَنَا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هـذَا هُوَ ابْنُ الله”.
هي شهادة ثانية ليوحنا المعمدان يعلن فيها سرّ المسيح أنه ” حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” ( يو1: 29)، بعد شهادته الأولى عن معمودية يسوع بالروح القدس والنار (لو3: 16). ويرفقها بشهادة ثالثة أن يسوع هو “ابن الله” ( يو1: 34).
أ- المسيح حمل الله
بوحي من الروح القدس غداة اعتماد يسوع في نهر الأردن، حيا المعمدان يسوع بأنه ” حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم” ( يو1: 29). بيسوع تكتمل المعمودية التي كان يمارسها يوحنا للتوبة، كعلامة خارجية وممارسة تقوية، لأنه ” سيعمّد بالروح القدس” ( يو1: 33) لمغفرة الخطايا والولادة الجديدة.
المسيح ” حمل الله” هو الذي يكفّر عن خطايا الجنس البشري برمّته، بقبول صليب الفداء، وكأنه الخاطىء بامتنياز ( انظر 2 كور 5: 21). لقد حمل خطايا جميع البشر مع صليبه، ومحاها بدمه، وصالح الآب مع البشرية باسرها، وأفاض بقيامته الروح القدس الذي يحقق ثمار الفداء في التائبين، فيمنحهم الحياة الجديدة بقيامة القلوب. والكل بواسطة خدمة الكهنة التي تسلّمتها الكنيسة يوم أحد قيامة الرب من بين الأموات: ” ظهر على التلاميذ في مساء الأحد، ونفخ فيهم وقال: خذوا الروح القدس من غفرتم خطاياهم غُفرت لهم، ومن أمسكتم خطاياهم اُمسكت عليهم” ( يو 20: 19 و22 و23).
ب- بالمسيح تمت المصالحة مع الله
الانتماء إلى الكنيسة يجعل المسيحيين، بحكم دعوتهم ورسالتهم، ” سفراء المسيح للمصالحة” ( 2 كور 5: 20). إنها مبادرة إلهية حرة ومجانيّة يقوم بها الله تجاه البشر أجمعين، من أجل ترميم الشركة معهم، من بعد أن جرحتها الخطيئة وكسرتها وافسدتها. فكانت نتيجتها، على ما يقول بولس الرسول في رسالته هذا الأحد، الكبرياء الذي يحول دون معرفة الله وطاعة المسيح، والمعصية التي تنكر الطاعة لله ولوصاياه، والأفكار الخاطئة (انظر 2 كور 10: 4-6).
المصالحة هي ثمرة الفداء الذي أجراه يسوع ابن الله بآلامه وموته على الصليب تكفيراً عن خطايا جميع الناس. وهي الغفران الجاري من صدر يسوع المطعون بالحربة، والمرموز اليه بالدم والماء، علامة الافخارستيا والمعمودية ( يو19/35)، وها يوحنا المعمدان الذي أعلن أن يسوع هو ” حمل الله” الذي يرفع خطيئة العالم” ( يو1: 29)، عاد وأضاف أنه ” ابن الله” ( يو1: 34). هكذا تكتمل بشريته بألوهيته. ” فلو لم يأخذ المسيح الإله الطبيعة البشرية، لَما تمّ الخلاص لنا. فلا فائدة لنا من القول إنه إنسان بدون الألوهية، كما أنه لا خلاص لنا، إذا فصلنا الطبيعة البشرية عن الألوهية” ( القديس كيرللس الاورشليمي، العظة 12، 1).
هذه المصالحة الإلهية هي عمل الله الثالوث: فالآب أبو المراحم أرادها لأنه أمين لعهده الخلاصي ولذاته، والابن، المرسل من الآب، استحق بموته غفران الخطايا، والروح القدس، الذي أفاضه الآب، حققها في التائبين الآن وهنا. وقد سلّم الله كنيسته خدمة الكهنوت لتمنح الحلّ والغفران للتأئبين.
إن ” ظهور” الله الثالوث عند معمودية يسوع من يوحنا في نهر الأردن، جعل المعمدان يشهد ان يسوع ” هو الذي سيعمّد بالروح القدس” ( يو 1: 33)، ما يعني أنه يجري، بقوة الروح القدس، ولادة الإنسان الجديدة، بالموت عن الخطيئة والقيامة لحياة النعمة. هذا ما أكدّه بولس الرسول: ” من كان في المسيح، فهو خليقة جديدة: لقد زال القديم، وصار كل شيء جديداً. والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح، وأعطانا خدمة المصالحة” ( 2كور 5: 17-18).
من يختبر المصالحة يصبح أداتها وسفيرها. اختبرها الرسل أولاً يوم قيامة الرب يسوع، إذ اعطاهم ” سلام” الخلاص ونفخ فيها الروح القدس، روح القيامة، مبدأ الحياة الجديدة (يو20/19 -21). ثم منحهم خدمة المصالحة ليوزّعوها كسفراء له ( 2 كور 5: 20). ومن ينالها من الله ملزم بمنحها للمسيء اليه شخصياً، كما علّمنا الرب يسوع في الصلاة الربيّة: ” اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا، كما نحن نغفر لمن خطىء إلينا” ( متنى6: 12).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
نبدأ اليوم بتقبّل النص المجمعي الثاني والعشرين: الكنيسة المارونية والإعلام. يتألف النص من مقدمة وأربعة فصول. يتناولالفصل الأول تعليم الكنيسة بشأن وسائل الإعلام، والثاني تاريخ الإعلام في الكنيسة المارونية، والثالث واقع الإعلام الديني والزمني،والرابع الرؤية المستقبلية.
1- تحدد المقدمة التمهيدية وسائل الإعلام وأنواعها وأهميتها. الأنواع الأربعة:
أ- الإعلام المكتوب: الصحافة وتشمل الجرائد والمجلات والدوريات.
ب- الإعلام المسموع: الإذاعات والموسيقى.
ج- الإعلام المرئي: التلفزيونات والسينما والمسرح والوسائل البصرية السمعية.
د- الإعلام الكتروني: الانترنت والمواقع الالكترونية.
أما أهميتها فكبيرة: إنها تنشر الثقافة المسيحية، وتؤثر في أنماط التفكير والانفعالات والمسلك، على كل من المستوى الشخصي والاجتماعي والسياسي والروحي والاخلاقي. انها اداة المعرفة والترفيه. بفضلها صار الكوكب الأرضي قرية عالمية وفضاء مفتوحاً وتواصلاً بين الأمم والشعوب. ولها الدور الأساس في تكوين الرأي العام، الوطني والعالمي، وفي دفعه باتجاهات مصيرية. كما أنها تمارس دوراً اعلامياً ورقابياً على السلطات العامة في معظم الدول (التمهيد والمقدمة). إنها عطية من الله والاريوباغوس الأول في الأزمنة الحديثة (الفقرتان 4 و5).
2. أدركت الكنيسة هذا الدور المتعدد الوجوه، فأسس الكرسي الرسولي المجلس الحبري لوسائل الاعلام الاجتماعي، وخصص المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني سنة 1963 وثيقة عنوانها ” وسائل الاعلام الاجتماعي”. ودعا إلى تكريس يوم عالمي سنوي للاعلام، تحدد في الأحد السابق لعيد العنصرة، ومنذ سنة 1967 درج البابوات على إصدار رسالة حبرية للمناسبة (الفقرتان 2 و3).
3. للكنيسة تعليم واسع بشأن الإعلام، صدر بعد وثيقة المجمع الفاتيكاني الثاني. فنذكر على التوالي: اتحاد وتقدم (1971)، الإباحية والعنف في وسائل الاعلام (6 ايار 1989)، قواعد التعاون المسكوني والتعاون بين الأديان على الصعيد الإعلامي ( 4 تشرين الاول 1989)، عهد جديد (22 شباط 1992)، اخلاقيات الاعلان (22 شباط 1997)، أخلاقيات الإعلام الاجتماعي (2 حزيران 2000)، أخلاقيات الانترنت ( 22 شباط 2002)، الكنيسة والانترنت ( 22 شباط 2002).
اعتبرت الكنيسة أن المسيحي لا يستطيع أن ” يحسب نفسه وفياً لوصية المسيح، إن هو أهمل الاستعانة بهذه الوسائل لايصال العقيدة والتعاليم الإنجيلية إلى أكبر عدد ممكن من الناس” ( اتحاد وتقدم، 126).
في الأرشاد الرسولي ” رجاء جديد للبنان”، أوصى البابا يوحنا بولس الثاني بتنشيط برامج البثّ الديني والبرامج الإعلامية التربوية، وبتهذيب الحسّ النقدي لدى الراشدين والشبان في استعمال وسائل الاعلام، وبضرورة تنشئة أشخاص من ذوي الكفاءة لإدراك الرهانات التي تنطوي عليها وسائل الإعلام ( عدد111) (الفقرات 4-6).
***
صلاة
أيها الرب يسوع، بدنحك أعلنت بنوتك الإلهية وألوهيتك، واعتلن لنا سرّ الثالوث الاقدس، وبشهادة يوحنا المعمدان انكشفت لنا معموديتنا بالروح القدس والنار. نشكرك لأنك اشركتنا في البنوة لله الآب وفي الحياة الإلهية. ساعدنا لنعيش مقتضيات هذه البنوّة والحياة الجديدة. أنت، يا رب، حمل الله الذي كفرّ عن خطايانا، اعطنا نعمة التوبة عنها، والسعي الدائم إلى التماس المصالحة والغفران، واجعلنا شهوداً للمغفرة والمصالحة بممارستهما مع جميع الناس. بارك العاملين في شتىّ وسائل الإعلام، لكي يجعلوها أداة تقارب وتضامن، ومنبراً لإعلان سرّ الكلمة التي تنير كل إنسان وتقود إلى الحقيقة التي تجمع وتحرر. فنرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
[1] . التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 536.
Discussion about this post