أحد الكهنة
الأمانة والحكمة في ممارسة السلطة
من إنجيل القديس لوقا 12/42-48
” من تُراه الوكيل الأمين الحكيم الذي يُقيمه سيّده على خدمه ليعطيهم حصتهم من الطعام في حينها؟ طوبى لذلك العبد الذي، متى جاء سيّده، يجده فاعلاً هكذا! حقاً أقول لكم: إنه يُقيمه على جميع مقتنايته. أما إذا قال ذلك العبد في قلبه: سيتأخر سيدي في مجيئه، وبدأ يضرب الغلمان والجواري، يأكل ويشرب ويسكر، يجيء سيّد ذلك العبد في يوم لا ينتظره، وفي ساعة لا يعرفها، فيفصله، ويجعل نصيبه مع الكُافرين. فذلك العبد الذي عرف مشيئة سيده، وما أعد شيئاً، ولا عمل بمشيئة سيده، يضرب ضرباً كثيراً. أما العبد الذي ما عرف مشيئة سيده، وعمل ما يستوجب الضرب، فيضرب ضرباً قليلاً. ومن أعطي كثيراً يُطلب منه الكثير، ومن اؤتمن على الكثير يُطالب بأكثر”.
**
تبدأ مع هذا الأحد أسابيع التذكارات الثلاثة: تذكار الكهنة، الأبرار والصديقين، والموتى المؤمنين، الذين سبقونا إلى بيت الآب. التذكار يعني ذكرهم بالصلاة تشفعاً واستشفاعاً، والاقتداء بمثلهم. اماالتذكار بامتياز فنجده في سرّ الأفخارستيا: عندما نحتفل بالقداس، نحيي تذكار موت المسيح وقيامته، بحيث تتحقق الآن عملية فدائنا أعني استمرارية موته على الصليب فداءً عنا، وقيامته من بين الأموات لتبريرنا، واستمرارية وليمة جسده ودمه في العشاء الفصحي للحياة الإلهية التي تجري فينا ( الرسالة العامة للبابا يوحنا بولس الثاني ” الكنيسة من الافخارستيا،11 و12)؛ في إطار هذا التذكار نذكر كل أبناء الكنيسة وبناتها الأحياء والأموات.
إنجيل اليوم ينطبق على الكهنة المقامين في الدرجة المقدسة وعلى جميع المعمدين الذين أصبحوا منتمين الى الكهنوت العام، وعلى كل مسؤول في الاسرة والمجتمع والوطن. إنه إنجيل الأمانة للمسؤولية والحكمة في السلطة: ” من تراه الوكيل الأمين الحكيم” (لو12/42). يأتي كلام الرب يسوع في معرض الحديث عن السهر لبناء ملكوت الله في مدينة الأرض، وهو ملكوت المحبة والعدل والخدمة والإخاء: ” لا تخف أيها القطيع الصغير، فقد سرّ أبوكم أن يعطيكم الملكوت” (لو12/32)، ويدعو الى الاهتمام بشأن هذا الملكوت كغاية، نسعى اليها عبر تأمين حاجات الحياة في هذه الدنيا: ” اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره والباقي يزاد لكم” (لو12/31).
1. الكاهن
الكاهن في الكنيسة رجل ائتمنه الرب يسوع على إعلان الإنجيل بالكرازة والتعليم (الخدمة النبوية اوالتعليم)، وعلى توزيع النعمة الإلهية والحياة الجديدة بالاحتفال بأسرار الخلاص وإحياء العبادة الإلهية (الخدمة الكهنوتية او التقديس)، وعلى بناء جماعة المحبة والمصالحة والتضامن (الخدمة الملوكية او التدبير). يؤدي الكاهن هذه الخدمة المثلثة بشخص المسيح وباسمه، هو الذي اشركه بكهنوته ووكّله على أسرار الله (1كور4/1). عليه أن يكون ” الوكيل الأمين الحكيم”: بوصفه وكيلاً يصنع ما صنع المسيح، ويمارس السلطات نفسها، فهو خادم ليسوع المسيح، وبه ومعه ومن أجله يصبح خادم الناس”. ومطلوب من الوكيل أن يكون أميناً لشخص المسيح الذي يمثله، فبقدر ما يكون الكاهن مرتبطاً بالمسيح يكون قادراً على خدمة الجميع؛ وكيل حكيم ينظر من منظار المسيح الى حاجات الذين أوكلوا إلى خدمته، وهم بنو بيت الله، ليعطيهم في حينه طعام الكلمة والنعمة والمحبة. الأمانة والحكمة لا تنفصلان عن كيان الكاهن المكرّس للخدمة ( مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك: رسالة راعوية الى الكهنة، 10).
الكهنوت مسؤولية يؤدي عنها الكاهن حساباً أمام الله: ” فمن استودع كثيراً يُطلب منه اكثر مما في يده” ( لو12/48). أما إهمال الخدمة فيستوجب القصاص: ” أما الخادم الذي يعرف مشيئة سيده، ولم يهيء له بحسب مشيئته يضرب كثيراً” ( لو12/47). روح الخدمة الكهنوتية المحبة الراعوية.ليس الكاهن مجرد موظف، ولا يمكن تقليص خدمته إلى نواحيها الوظيفية والطقوسية.
إن مهمته الأساسية رعاية الإيمان في نفوس الناس: يثقف الإيمان ويربيه في المؤمنين بالتعليم والعمل الكرازي في رعيته؛ يزور كأب جميع أبناء رعيته في بيوتهم ويلتقيهم في واقع حياتهم الزوجية والعائلية والاجتماعية؛
يحيط أسرار الخلاص، ولاسيما المعمودية والقربان والزواج، بعمل راعوي تحضيري وتثقيفي وأدائي يساعد على إدراك معانيها في حياة المؤمنين، فلا يكون السّر مجرد عادة اجتماعية، بل يكون عملاً إيمانياً ينال منه المؤمن ثماره الروحية.
ويدرك ما للعلمانيين من دور في حياة الكنيسة ورسالتها، فيشجع ويبارك كل المواهب والوظائف التي يوزعها الروح على المؤمنين لبناء الكنيسة، ويوليهم الثقة الكافية ويحمّلهم المسؤوليات اللازمة في خدمة الكنيسة بمقدار ما عندهم من خبرة ومعرفة وغيرة، من خلال المجلس الرعائي والهيكليات القانونية والمنظمات الرسولية، تحقيقاً للشركة في الإيمان والرسالة.
يعتبران الفقراء والصغار هم في عهدته بصورة خاصة، فيحوطهم بالعناية والمحبة ويكشف لهم عن قيمة حالتهم في سرّ آلام المسيح، ويعمل جاهداً مع ابناء رعيته على الاهتمام بهم وتقديم العون المادي والروحي والمعنوي لهم واخراجهم من فاقتهم، ” هم الذين لبسوا وجه المسيح وأضحوا أحباء الله”؛ يعتبر نفسه خادماً لجميع الناس ولكل إنسان في رعيته، أياً كان دينه أو طائفته أو انتماءاته الاجتماعية او السياسية، ذلك أن محبة الله ترسله إلى كل من يلتقيه من خلال يومه وعمله، ليكون أداة نعمة الله للجميع؛ يجتهد في بناء السلام والاستقرار في محيطه، فخدمته تشمل الشأن العام أيضاًَ في كل ما يؤمّن حقوق الإنسان والاستقرار السياسي والعدل والسلام.
كل هذه المسؤوليات التي يحملها الكاهن تستمد حافزها وقوتها من ” المحبة الراعوية” على مثال السيد المسيح، الكاهن الأسمى والراعي الصالح الذي “يبذل حياته في سبيل الخراف” (يو10/11؛ راجع رسالة البطاركة الى الكهنة،30-41).
2. المعمدون العلمانيون
المسيحيون العائشون في العالم مؤتمنون هم أيضاً على “طعام المسيح كوكلاء يعطونه لبني بيت الله”: فبفضل المعمودية اتحدوا بالمسيح وأقيموا شعباً لله، وجُعلوا شركاء في وظائف المسيح النبوية والكهنوتية والملوكية ( هوية الوكيل)، دعوا، حسب حالة كل واحد منهم لقبول الكلمة والنعمة والمحبة، والشهادة لها في محيطهم بالمسلك والقول والمبادرات، وهي رسالة أسندها الله إلى الكنيسة لإتمامها في العالم ( خدمة الوكيل). من هذه الهوية والخدمة تتحدر حقوق وواجبات تشكل مسؤولية المؤمنين المسيحيين العائشين في العالم يمارسونها في الكنيسة-السر، والكنيسة-الشركة، والكنيسة- الرسالة.
أ- في الكنيسة السر، لهم حق الاتحاد بالله، وعليهم واجب السعي إلى هذا الاتحاد وعيشه من خلال سماع كلام الله وحفظ وصاياه، والمصالحة معه بتوبة القلب، والاغتذاء بجسد الرب ودمه، والصلاة الشخصية والجماعية. هذا على صعيد الهوية والكيان. أما على صعيد الرسالة، فالواجب هو المساهمة في بناء الكنيسة، جسد المسيح السري، من خلال سعيهم إلى الكمال المسيحي ليبلغوا مقدار قامة المسيح (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية،2045).
ب- في الكنيسة الشركة، لهم الحق في الانتماء الكامل إليها، وعليهم واجب المحافظة على الشركة بالمسلك الملائم للحالة المسيحية من خلال معرفة العقيدة، والعيش الخلقي بموجب حقائق الإيمان، بطرح السؤال الدائم: بماذا أؤمن؟ وماذا يجب أن أعمل؟
ج- في الكنيسة الرسالة، لهم الحق وعليهم الواجب بالمشاركة في رسالة الخلاص، والقيام بها تجاه جميع الناس من كل زمان ومكان. هو حق أولاهم إياه الرب يسوع بحكم مسحة المعمودية، لا ينتزعه منهم أحد، وواجب ملزمون به لا يمكنهم التخلي عنه ( راجع القوانين 12،13،14،406).
إن المسيحيين العائشين في العالم موكلّون هم أيضاً، بحكم اندماجهم في الكهنوت العام، على الرسالة المنوطة بكل الشعب المسيحي وهي أن يبثوا الروح الإنجيلية في النظام الزمني أي في النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي والإداري والثقافي، كما وفي الحياة الزوجية والعائلية وتربية الأولاد. وبهذا يؤدون خدمة حقيقية للإنسان والمجتمع الوطني (الدستور العقائدي في الكنيسة،31؛ رجاء جديد للبنان، 112). عليهم أن يتصفوا بالأمانة والحكمة، لكونهم ” في الخط الأمامي من حياة الكنيسة، التي تصبح بواسطتهم العنصر الحيوي في بنية المجتمع البشري. وبالتالي لا ينتسبون فقط الى الكنيسة، بل هم الكنيسة (البابا بيوس الثاني عشر، راجع العلمانيون المؤمنون بالمسيح،9).
3. رجال السياسة: خدمة الخير العام وقضية السلام
رجال السياسة هم الوكلاء بامتياز الذين أوكل الله إليهم أن يعطوا ” الطعام لبني بيته”، على المستوى الزمني.
إنهم وكلاء الله، ” لأن لا سلطة إلاّ من الله: والسلطات القائمة هي الذي وضعها لخدمة الخير” (روم13/1-3). ولكن إذا تجاوزت السلطة السياسية حدودها، وانتهجت سياسة الظلم والكيد والاستبداد والتسلط والاستضعاف وتغليب المصالح الخاصة على الصالح العام، فيحق للمواطن اعتراض الضمير، لأن ” الطاعة لله أولى من الطاعة للناس” ( اعمال5/29).
الطعام المؤتمنون عليه هو الخير العام الذي من أجله وُجدت السلطة السياسية، وهو مبرر وجودها. إنه يشمل مجمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والوطنية والخلقية التي تمكّن الناس والعائلات والمجموعات من تحقيق ذواتهم تحقيقاً أكمل (الكنيسة في عالم اليوم، 74). وتؤمّن هذه الأوضاع من خلال مهام ثلاث: تنظيم الحياة العامة في مقتضياتها اليومية في خدمة العدالة التي تخلق أوضاع مساواة وتكافؤ فرص بين المواطنين، وتعمل على ألا يصبح الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً؛ وفي تعزيز التضامن الذي ينتصر على أنانية الأشخاص والدول ( البابا يوحنا بولس الثاني، خطاب الى البرلمانيين ورؤساء الحكومات، 10/11/2000). وتنظيم الدولة داخلياً، بحسن الإدارة وتنقيتها من الفساد ووضع المخططات في ميادين الاقتصاد والاجتماع والتشريع والثقافة الرامية إلى تأمين حقوق المواطنين الأساسية، وخارجياً بإبرام اتفاقات مع الدول توفر مصالح البلاد وشعبه.وتعزيز محبة الوطن بالمحافظة على قيمه وتراثه وكرامة شعبه، وعلى سيادته واستقلاله وحرية قراره، وبتحقيق آمال أبنائه وتطلعاتهم وإزالة هواجسهم ودرء ما يتهددهم من أخطار.
يخون رجال السياسة وكالتهم والله سيدهم كل مرة يجعلون السياسة، هذا الفن الشريف، مجرد وسيلة لتأمين المصالح الخاصة على حساب الصالح العام، ولبلوغ غايات انتخابية وكسب الانصار والاحتفاظ بالسلطة واختلاس أموال الدولة، وما هو أسوأ (المرجع نفسه، 4).
إن وكالتهم معطاة لهم من السيد المسيح ” أمير السلام” (اشعيا9/6)، لكي يخدموا قضية السلام من خلال توجيه أفكارهم وعنايتهم وقواهم لتعزيز الخير العام للجميع. فبدونه يكون السلام كلمة جوفاء. ولا سلام يبلغ إليه العمل السياسي ما لم يكن مؤسساً على الحقيقة، ومستنيراً بمبادىء العدالة،ومنطقياً بروح المحبة، ومتمماً بحرية (البابا يوحنا الثالث والعشرون: السلام على الأرض،167).
***
ثانياً، ختام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
في هذا الأسبوع يقع عيد ارتداد بولس الرسول (25 كانون الثاني)، وفيه اختتام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين.
كان ارتداد شاول إلى المسيحية سنة 43 عندما أبرق حوله نور من السماء أسقطه ارضاً، وسمع صوتاً يقول له: شاول شاول، لماذا تضطهدني؟ فقال له: من أنت؟ فأجاب: أنا يسوع الذي انت تضطهده، وكان شاول متوجهاً الى دمشق ليسوق موثقين إلى أورشليم اتباع يسوع المسيح. فتحوّل شاول من مضطهد للكنيسة إلى بولس رسول يسوع المسيح ( أعمال الرسل 9/1-22).
بدأ أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين في الثلاثينات من القرن الماضي أي منذ سبعين سنة مع الآب بول Couturier) الفرنسي في ليون، بنتيجة الحوار المسكوني الذي قاده الكردينالMercier رئيس اساقفة Malines-Bruxelles، بتشجيع من البابا بيوس الحادي عشر. من أجل وحدة المسيحيين ترك الكردينال Mercier هذه الوصية الروحية التي تبقى الأساس للصلاة والعمل المسكوني: “لكي نتوحّد يجب أن نتحاب، ولكي نتحاب يجب أن نتعارف، ولكي نتعارف يجب أن نذهب إلى ملاقاة الواحد الآخر”.
تجدر الإشارة أن مبادرة الصلاة من أجل وحدة المسيحيين بدأها سنة 1908، في عهد البابا بيوس العاشر أبوان من الكنيسة الأنغليكانية، هما سبنسر جونس ولوي-بول واتسون.
في سنة 1948 أُنشىء مجلس الكنائس العالمي في امستردام. وسنة 1960 أسس البابا يوحنا الثالث والعشرون أمانة سرّ وحدة المسيحيين في الكوريا الرومانية. وفي سنة 1961 شارك أول مراقبين كاثوليك في أعمال مجمع الكنائس العالمي في اجتماع نيو دلهي. وجاءت وثيقة المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ” القرار في الحركة المسكونية” في 21 تشرين الثاني 1964، الذي استُهل بهذه الكلمات: ” إن العمل على إعادة الوحدة بين جميع المسيحيين هو إحدى الغايات الرئيسية للمجمع المقدس المسكوني الفاتيكاني الثاني. وفي 25 آذار 1993 أصدر المجلس الحبري لتعزيز وحدة المسيحيين “ الدليل لتطبيق المبادىء والقواعد حول الحركة المسكونية” وهو معرف “ بالدليل المسكوني” الذي وُضع نصه الأول سنة 1970، وأعيد النظر فيه بالدليل الحالي بعد صدور مجلة الحق القانوني للكنيسة اللاتينية (1983)، ومجموعة قوانين الكنائس الشرقية (1990)، وكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية (1992).
نشكر الله على ما تمَّ انجازه بشأن الحوار اللاهوتي المسكوني على مستوى الشرق الاوسط، فنذكر:
1971: الاتفاق الكريستولوجي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية الذي وقعه البابا بولس السادس والبطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثالث. ثم توسع فيه سنة 1984 البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك مار اغناطيوس زكا الأول عيواص.
1973: الحوار اللاهوتي الرسمي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الارثوذكسية بعد زيارة البابا شنوده الثالث إلى الفاتيكان.
1993: وثيقة اللجنة المشتركة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الروم الأرثوذكسية في ختام اجتماع دير البلمند. وفيها مبادىء إكليزيولوجية وقواعد راعوية.
1994: الإعلان الكريستولوجي المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الآشورية الموقّع من البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك مار دنخا الرابع.
1996: الإعلان المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، الموقّع من البابا يوحنا بولس الثاني والكاثوليكوس كاريكين الأول.
ولا بدّ من التنويه بالحوار الجاري في إطار مجلس كنائس الشرق الأوسط، وقد وضعت دراسات وأبحاث حول أربعة مواضيع: لغة عربية مشتركة لسرّي الثالوث الأقدس والتجسّد؛ انبثاق الروح القدس من الآب والابن؛ قانون الإيمان النيقاوي- القسطنطيني؛ والنص الموحّد للصلاة الربية ” الأبانا”.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية
تواصل الخطة الراعوية في هذا الأسبوع التفكير معاً حول ما جاء في النص الثاني من نصوص المجمع البطريركي الماروني، وهو بعنوان: هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها، وبوجه التحديد العنصر الخامس المكّون للهوية وهو أن الكنيسة المارونية في شركة تامة مع الكرسي الرسولي الروماني.
1. الكنيسة المارونية منذ نشأتها ” جماعة خلقيدونية”، ومنذ تكوينها كنيسة بطريركية في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن، كانت متحدة اتحاداً تاماً بكرسي روما حول شخص خليفة بطرس ونائب السيد المسيح. وحافظت على هذا التقليد حتى يومنا، بفضل استقلاليتها وابتعادها عن النزاعات اللاهوتية بين اللاتين واليونان حول طبيعة الكنيسة وبنيتها التي أدّت إلى الانشقاق الكبير سنة 1054، وبفضل إيمانها بسرّ التجسّد وفق الصيغة الخلقيدونية ( فقرة 29).
تسعى الخطة الراعوية إلى إيقاظ الوعي لما للكنيسة المارونية من دور مسكوني، بحكم حالة الشركة مع الكرسي الرسولي الروماني والتراث الأنطاكي المشترك، في سبيل استعادة الوحدة في الكنيسة الجامعة من خلال الشركة التامة بين الكنائس ( فقرة 30). وتفكر الجماعات الرعوية في مبادرات لتنشيط العمل المسكوني على مستوى الصلاة معاً إفردياً وعمومياً، والتعارف، والشهادة للإيمان المسيحي، والتعاون في الحقل الاجتماعي والإنمائي والثقافي والخلقي ( راجع القرار في الحركة المسكونية، 12؛ والدليل المسكوني، 5).
2. كان للشركة التامة بين الكنيسة المارونية والكنيسة الرومانية آثار إيجابية مهمة ساعدتها على تأدية رسالتها في محيطها بحيوية وفعالية. تسعى الخطة الراعوية إلى اكتشاف هذه الآثار في ضوء النص المجمعي:
أ- الانفتاح على الغرب والإفادة من مقدراته العلمية والفكرية منذ تأسيس مدرسة روما سنة 1584، لتعريف الغرب على الشرق ولتعزيز النهضة الثقافية في الشرق.
ب- بلورة هوية لبنان الفريدة القائمة على التعددية الثقافية ( فقرة 31).
ج- الاستفادة من المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي يشكّل ربيع الكنيسة، لإطلاق ورشة التجديد في كنيستنا على مختلف الأصعدة. وقد ساعد عليها بالأكثر السينودس من أجل لبنان في الإرشاد الرسولي ” رجاء جديد للبنان”، والمجمع البطريركي الماروني (فقرة 33).
تقتضي الخطة الراعوية، في ضوء هذه الأحداث الكنسية الثلاثة، رسم خطة لرسالة كنيستنا في لبنان، والعالم العربي، مع تحديد تطلعاتها.
د- ولما كان المجمع الفاتيكاني الثاني قد تعمّق في المفهوم اللاهوتي للكنيسة- الشركة، مستعيداً التقليد البيبلي والآبائي المشترك بين الشرق والغرب في الألفية الأولى، تقتضي الخطة الراعوية تعزيز الحوار والتعاون بين الكنائس الكاثوليكية ومع الكرسي الرسولي من أجل خدمة رسولية أشمل وأنجح (الفقرة 34).
***
صلاة
نصلي مع الرب يسوع:
” أيها الآب القدوس، إن الذين وهبتهم لي، قد وهبتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحداً كما نحن واحد. أنا فيهم وأنت فيّ، ليكونوا كاملين لواحد، ليعلم العالم أنك أنت أرسلتني، وأنك أحببتهم كما أحببتني. أيها الآب أريد أن يكون الذين وهبتهم لي هم أيضاً معي، حيث أكون ليشاهدوا مجدي الذي وهبتنيه. لقد عرّفتهم اسمك وسأُعرفّهم ايضاً، حتى إن ذاك الحب الذي أحببته يكون فيهم، وأكون أنا فيهم. آمين ( يوحنا 17).
No Result
View All Result
Discussion about this post