تذكار الكهنة
الكاهن وكيل أسرار الله بالأمانة والحكمة
1 طيموتاوس 4: 6-16
لوقا 12: 42-48
تبدأ مع هذا الأحد أسابيع التذكارات الثلاثة: نذكر على التوالي الكهنة والأبرار والصديقين والموتى المؤمنين. إنها أسابيع صلاة وقرابين روحية أي قداسات وأعمال خير ورحمة من أجلهم، وإكراماً لهم، وتشفعاً بهم ولهم. في هذا الأسبوع نصلي من أجل الكهنة المتوفين، ومن أجل الإحياء من أساقفة وكهنة، ليكونوا خداماً صالحين ليسوع المسيح لدى الجماعة المؤمنة، ووكلاء أمناء على أسرار الله. ونصلي أيضاً من أجل الدعوات الكهنوتية لثباتها ونموها.
أولاً، القراءات المقدسة
إنجيل القديس لوقا 12: 42-48
فَقَالَ الرَّبّ: “مَنْ تُرَاهُ الوَكِيلُ الأَمِينُ الـحَكِيمُ الَّذي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُم حِصَّتَهُم مِنَ الطَّعَامِ في حِينِهَا؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي، مَتَى جَاءَ سَيِّدُهُ، يَجِدُهُ فَاعِلاً هـكذَا! حَقًّا أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيمُهُ عَلَى جَمِيعِ مُقْتَنَياتِهِ. أَمَّا إِذَا قَالَ ذـلِكَ العَبْدُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي في مَجِيئِهِ، وَبَدأَ يَضْرِبُ الغِلْمَانَ وَالـجَوَارِي، يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَسْكَر، يَجِيءُ سَيِّدُ ذـلِكَ العَبْدِ في يَوْمٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وَفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُها، فَيَفْصِلُهُ، وَيَجْعلُ نَصِيبَهُ مَعَ الكَافِرين. فذـلِكَ العَبْدُ الَّذي عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَمَا أَعَدَّ شَيْئًا، وَلا عَمِلَ بِمَشيئَةِ سَيِّدِهِ، يُضْرَبُ ضَرْبًا كَثِيرًا. أما العَبْدُ الَّذي مَا عَرَفَ مَشِيئَةَ سَيِّدِهِ، وَعَمِلَ مَا يَسْتَوجِبُ الضَّرْب، فَيُضْرَبُ ضَرْبًا قَلِيلاً. وَمَنْ أُعْطِيَ كَثيرًا يُطْلَبُ مِنْهُ الكَثِير، وَمَنِ ائْتُمِنَ عَلَى الكَثِيرِ يُطالَبُ بِأَكْثَر.
يكشف لنا كلام الرب يسوع وجه الكاهن ورسالته. إنه وكيل أسرار الله بالأمانة والحكمة، وخادم مائدتي الكلمة وجسد المسيح ودمه.
1- الكاهن وكيل أسرار الله (1كور4: 1)
الكاهن ” وكيل” اختاره الرب يسوع الكاهن الأزلي، وأقامه لتختص خدمته ” في ما هو لله”، فيقدم للناس عطايا الله التي حملها إليهم يسوع المسيح الوسيط الوحيد للخلاص: “ لا أحد يصل إلى الآب الاّ بي” (يو14/6)، و ” لا يوجد تحت السماء اسم آخر يمكن به الخلاص” ، إلاّ يسوع المسيح” (اعلان بطرس الرسول في اعمال الرسل 4/12). إنه يوزّع على الناس روحاً وحياة، بواسطة خدمة الكاهن المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير.
أعلن الرب يسوع كلام الله للناس كاشفاً الحقيقة الكاملة والنهائية عن الله والانسان والتاريخ. وسلّم الكاهن هذه الخدمة النبوية: ” انطلقوا إلى العالم كله، ونادوا بإنجيلي في الخليقة كلها. فمن يؤمن ويعتمد يخلص، ومن لا يؤمن يدان” ( مرقس16/15-16). والكاهن يعلن سرّ يسوع المسيح الكلمة الإلهي المتجسد لأجل خلاصنا، وينقل تعليمه كما تفسّره الكنيسة بسلطتها التعليمية، الناطقة باسمه: ” من سمع منكم سمع مني” ( لو10/16)، ويصوّب كل انحراف للحقيقة والعقيدة أو تحريف لها، ويندد بكل تصرف أو موقف أو تشريع أو عمل يتنافى وهذا التعليم.
قدّم الرب يسوع ذاته ذبيحة فداء للآب فكانت به المصالحة بين الله والجنس البشري، ودخلت النعمة الى العالم، وكان الانتصار على الشيطان والخطيئة، وعلى الشر والموت. وأسس سرّ القربان ليكون، من خلال الخبز والخمر، ذبيحة خلاص دائمة، وليعطي المؤمنين ذاته الإلهية وكل كنوز السماء الروحية، خبزاً سماوياً يقيت الأرواح. وسلّم الكاهن الخدمة الاسرارية ليوزّع النعم الإلهية بواسطة الأسرار التي هي ينابيع الخلاص الجارية من الحمل المذبوح.
وجمع الرب يسوع بشخصه الكنيسة يوم العنصرة بواسطة حلول روحه القدوس، وأرسلها الى العالم نواة لملكوت الله. فإنها العلامة والأداة للاتحاد العميق بالله، ولوحدة الجنس البشري. فيها يتم سرّ اتحاد كل إنسان شخصياً بالثالوث الإلهي وبسائر الناس عبر كلمة الإنجيل ونعمة الأسرار. وسلّم الرب مهمة هذا التدبير الإلهي إلى الكاهن بخدمة المحبة الراعوية.
2- الأمانة والحكمة ميزتا الكاهن
يُطلب من الكاهن ان يتميّز بالأمانة للمسيح سيده ومثاله، وللذين أوكلوا إلى عنايته، ولخدمته المثلثة: خدمة الكلمة والنعمة والمحبة. الأمانة هي تجديد القرار الأول كل يوم. فلا يسأم بداعي رتابة الزمن، ولا يتراجع أمام محن الصليب، ولا يستغيب الله بسبب صمته. “طوبى لذلك الخادم الذي يأتي سيده فيجده فاعلاً هكذا”. إن الأمين على القليل يقام على الكثير: ” إنه يقيمه على كل ما له”. وتقتضي منه المانة بالاّ يفرّط بشيء، لأنه لا يملك ما هو مؤتمن عليه.
ويُطلب منه ان يتميّز بالحكمة التي هي أولى مواهب الروح القدس وفضيلة أساسية عند الكاهن. بها يقف من جهة المسيح-الكاهن، فادي الإنسان، الذي أحب حتى بذل الذات، لينظر من منظار المسيح وبنظرته، فتعبر محبة المسيح للخراف من خلال قلب الكاهن وفكره وإرادته وقوته. لولا فضيلة الحكمة، لاعتبر الوكيل ان سيده سيتأخر في المجيء، فيبدأ يضرب عبيده، ويأكل ويشرب ويسكر. تذكّره الحكمة بوصية بطرس الرسول: ” اسهروا على نفوسكم وعلى القطيع الذي أقامكم عليه الروح القدس رعاة، لترعوا كنيسة المسيح التي اقتناها بدمه” (اعمال20/18).
الروح القدس، الذي حلّ على الكاهن ومسحه وكرّسه، جاعلاً منه أداة حية بيد المسيح الكاهن الأزلي، ليعمل باسم المسيح وبشخصه، ويواصل العمل الكهنوتي العجيب لفداء البشرية وتقديسها بقدرة الروح السامية. انه يقوم مقام المسيح، ويُعطى نعمة خاصة، تخوّله، من جهة، السعي إلى كمال من يمثل، من خلال خدمته الامينة والحكيمة، وتمكّنه، من جهة ثانية، من أن يجد الشفاء بفضلها لضعفه البشري، بقداسة من صار لاجلنا الكاهن الأسمى والقدوس والبريء، الذي لا عيب فيه، المنزّه عن الخطأ[1].
3. الكاهن خادم مائدتي كلمة المسيح وجسده ودمه
المسيح هو الذي يغذي الكنيسة وأبناءها على مائدة كلمته ومائدة جسده. والمؤمنون مدعوون “لتناول” الكلمة أولاً بالإيمان والرجاء والمحبة لكي يغتذوا حقاً من جسد الرب. فكلام الله، بما له من قوة وقدرة، يشكل عوناً للمؤمنين والكنيسة، وثباتاً في الإيمان، ونبعاً لا ينضب للحياة الروحية، وغذاءً للنفوس بخبز جسد الرب القرباني ودمه الذي يصيّرنا ما نقبل، كما يقول القديس كيرللس الأورشليمي؛ ويجعلنا أعضاء حية في جسد المسيح، ويحفظنا في الاتحاد به وفي الوحدة مع بعضنا البعض، على ما يقول القديس اغناطيوس الانطاكي؛ ويجدد، بقوة الروح القدس، الكنيسة بحيث تصبح شبيهة أكثر فأكثر بسيدها[2]. الكاهن هو خادم هاتين المائدتين: كلمة الرب وجسده.
***
ثانياً، الصلاة من أجل وحدة المسيحيين
نواكب في هذا الأسبوع الكنائس في الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، متأملين في الموضوع الذي اختير لهذه السنة: ” عن هذه الأمور، أنتم شهوداً” ( لو24: 48). إنها الشهادة للمسيح القائم من الموت، نؤديها بوحدتنا وتضامننا ومصالحتنا، فيؤمن العالم بالمسيح أساس وحدتنا، والشاهد لمحبة الله لنا، وحامل الكلمة التي توحّدنا حول الحقيقة المطلقة.
إن مسيرتنا نحو الوحدة متأصلة في إيماننا المشترك بقيامة يسوع المسيح. إنه يغني حياتنا الطبيعية، وهي هبة من الله الآب، بالحياة الجديدة التي يقدمها لنا بانتصاره على الموت. نشهد في هذا الأسبوع ودائماً لقيمة كل حياة بشرية ونصلي من أجل نموها وكمالها بالحياة الجديدة، ونقوم بمبادرات انسانية وثقافية وإنمائية، تمكن حياة الذين نعيش معهم من أن تنمو بكل أبعادها المادية والروحية والخلقية.
تقتضي شهادتنا للمسيح ولإيماننا بالله ان نتقاسم الخبرات الشخصية ونسمع بعضنا بعضاً باحترام وانتباه، بحيث نلتقي الله في الشخص الذي نعيش معه هذا التبادل. إن تقاسم بعضنا بعضاً ما أعطانا الله من إيمان ومعرفة وخبرة، هو واجب ووسيلة لكي يعرف الناس كلمة الله ومقاصده في التاريخ، كما كان الله نفسه يطلب من الأنبياء، وكما فعل تلاميذ المسيح في الكنيسة الناشئة (انظر ارميا: 1/4-8؛ اعمال 14/ 21-23).
نشهد للمسيح، شهادة تؤدي الى وحدة المؤمنين به، عندما نقدّر الارث الروحي الذي تركه ابناء الكنائس ونقلوه الى الاجيال المتعاقبة، وشكلوا منه حضارة مسيحية طبعت مجتمعاتها بقيم ثقافية واجتماعية.
إن المسيحيين، من كل الكنائس، مدعوون بمناسبة أسبوع الصلاة من أجل وحدتهم، ليعودوا إلى كلام الله في الكتب المقدسة، من أجل أن يقتربوا من بعضهم البعض، ويتصالحوا، وينظروا إلى الحقيقة المطلقة التي كشفها المسيح للعالم، حقيقة الله والإنسان والتاريخ. إذا تدارسوا معاً الكتاب المقدس، نموا سوية في الايمان. في هذا الأسبوع المخصص للتأمل والصلاة من أجل وحدة المسيحيين، نصلي نحن أيضاً لكي يسيروا بخطوات جديدة نحو هذه الوحدة من خلال سماعهم المشترك لكلمة الله، وجهدهم لفهمها وعيشها معاً.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تتناول الخطة الراعوية من النص المجمعي 22: الكنيسة المارونية والإعلام، القسم الأول من الفصل الثالث: الواقع الحالي للإعلام الزمني في لبنان، في مختلف وسائله.
واقع الإعلام المكتوب ( الفقرة 13).
ينوّه النص بدور الصحافة اللبنانية في الدفاع بأغلى الأثمان، بما فيه ضريبة الدم، عن حريتها المميّزة في العالم العربي. لكنه يشير أيضاً إلى معاناتها المتنوعة: التبعية السياسية المفرطة، النقص في القدرة على الاحتفاظ بالمسافة الموضوعية والنقدية اللازمة، الضغوط المالية عليها بسبب الضائقة الاقتصادية، التي تفقدها قسطاً كبيراً من حريتها وموضوعيتها، طغيان الاعلام المرئي، منافسة الكم الكبير من الدوريات السطحية التي تعتمد الاثارة وتتوخى أهدافاً تجارية لا غير.
2. واقع الإعلام المرئي والمسموع ( الفقرات 14-16).
يشير النص إلى أن هذا القطاع بحتاج إلى مزيد من تنظيم بحيث يتلاءم ” قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع مع ” الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية” الذي صادق عليه لبنان سنة 1972. ومعلوم أن ” القانون ” اللبناني يرقى الى العام 1994، وقد انتقدته لجنة حقوق الإنسان المولجة بمراقبة احترام هذا الميثاق من قبل الدول الموقعّة. إن ما نتج عن فانون 1994 هو توزيع تراخيص لمحطات تلفزيونية وإذاعية على أساس من المحاصصة المذهبية والزعامية.
أما ما يعني الكنيسة فهو أن تحافظ هذه المحطات على مقتضيات البث الأخلاقية، ومعالجة قضايا إنسانية مصيرية بالانسجام مع المبادىء المسيحية والقيم المدنية المعاصرة المتعلقة بحقوق الإنسان والعائلة والمرأة والولد والإعاقة وتعزيز التربية والتعليم والعدالة الاجتماعية وتنمية الشعوب والتضامن بين الشعوب والدول وصيانة البيئة وبناء السلام على قواعد الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة.
وشكّل نشوء الفضائيات تطوراً بالغ الأهمية، ما جعل الفضاء الاعلامي منفتحاً أمام الأفراد والجماعات في لبنان، وصار النتاج الإعلامي اللبناني في متناول العالم باسره. فبات من واجب الكنيسة الإفادة من هذه الوسيلة الجبّارة لنشر الثقافة الروحية والدينية والأخلاقية. وعليها أن تساعد المربين والوالدين لتوعية الأجيال الطالعة على استخدام الفضائيات بحكمة وفطنة وتمييز.
3. واقع الإعلام الالكتروني (الفقرتان 17 و18)
تشكّل الشبكة الالمترونية مصدراً كبيراً لفوائد عظيمة، ووسيلة فضلى لتبادل الخبرات بسرعة، ولإيصال أحدث المكتشفات العلمية إلى قلب كل بيت. لكن بعضاً منها يحتوي على مواقع تحضّ على الكراهية وتحقير المجموعات الدينية والأمنية، ومنها ما يمسّ الكنيسة نفسها. فلا بدّ من ضبط حرية التعبير من خلالها ضمن حدود الأخلاقية.
4. واقع قطاع الإعلان (الفقرتان 19 و20)
يشكّل قطاع الإعلان مرفقاً حيوياً في لبنان، وأحد المواقع الأكثر انتاجاً في قطاع الخدمات. إن استعماله الغالب عندنا سلبي في الشكل والمضمون إذ فيه ما يمسّ الذوق والقيم الأخلاقية.
من الضروري أن تتآزر جميع قطاعات المجتمع، العامة والخاصة، الدينية منها والزمنية، لتوجيه هذا القطاع لتقديم ما هو موضوعي للمستهلك ولتحقيق مستوى من المعيشة أكثر إنسانية للجميع، ولتعزيز الاعلانات الزاخرة بالقيم الأخلاقية والوطنية وروح التضامن والترابط.
***
صلاة
أيها الكاهن الأزلي، ربنا يسوع المسيح، قدّس الكهنة بنعمة روحك القدوس، لكي يؤدّوا بالأمانة والحكمة خدمتهم المثلثة: التعليم والتقديس والتدبير. أعطهم أن يدركوا جسامة مسؤوليتهم، فقد جعلتهم وكلاء أسرار الله، ليوزعوها خبزاً سماوياً، خبز الكلمة الإلهية، وخبز جسدك ودمك، قوت الأرواح وعربون الحياة الآتية. إننا نواصل الصلاة، التي هي صلاتك، أيها المسيح، من أجل وحدة المسيحيين، فيكتمل جسدك السرّي ويشفي من جراح الانقسامات. ألهم بانوار روحك القدوس العاملين في وسائل الاعلام والإعلان، لكي يجعلوها في خدمة الحقيقة، وتكوين عالم سليم، وفي تعزيز كرامة الشخص البشري. فنرفع المجد والتسبيح للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
[1] . راجع رسالة البابا يوحنا بولس الثاني: اعطيكم رعاة، 19-20.
[2] . رجاء جديد للبنان، 39 و42
No Result
View All Result
Discussion about this post