أحد تذكار الموتى المؤمنين
الأب انطونيوس مقار ابراهيم
راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان
من جماليات الليتورجيا المارونية أن تضع أمام المؤمنين الكثير من النصوص الكتابية التي تذكرهم بحياتهم الروحية على الارض وضرورة السعي والجهاد الروحي لنوال الحياة الأفضل. فمن الاحتفال بفرح التجسد الإلهي والظهور وما يرافق هذه الأعياد من مناسبات لأعياد القديسين، تضع الليتورجيا أمامنا ثلاثة هي أسابيع التذكارات الثلاثة:
أسبوع الصلاة من أجل الكهنة (تذكار الكهنة)
أسبوع الصلاة من أجل الأبرار والصديقين (تذكار الأبرار)
أسبوع الصلاة من أجل الموتى المؤمنين (تذكار الموتى)
لنا في هذه التذكارات وقفة تأملية حول ما ورد في النصوص الكتابية الخاصة بهذه المناسبات واليوم نتوقف مع أسبوع تذكار الموتى المؤمنين ونتامل فيما ذكره لنا القديس لوقا عن الغني ولعازر
لوقا 16\19-31
طرح يسوع هذا المثل حتى يكون لنا درس وعبرة في الحياة وعنوان هذا الدرس هو الاهتمام بالفقراء والمعوزين، المساكين والمحتاجين. فقد سبق ليسوع أن تحدث عن الأبرار والأشرار وكيف يقوم الأبرار عن يمينه يرثون الملك المعد لهم والأشرار عن شماله ويذهبون إلى النار الأبدية. هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى يكون لنا هذا المثل نموذجًا حيًّا لعيش الصوم المقدس وما يصحبه من اعمال خير وصدقة لأن من يعمل مثل هذه الأعمال ينال رحمة الرب الذي يستجيب له دائماً يوم يدعوه فيقول سفر الأمثال 19\17 من يرحم الفقير فهو يقرض الرب الذي يجازيه عن معروفه كما يشدد سفر الأمثال أيضاً على الانتباه الشديد الى احتياج الانسان المسكين فيقول ” من يسد أذنيه عن صراخ الفقير فهو أيضاً يصرخ ولا من يستجيب 21\13 فطوبى للرحماء على المساكين فإن الرحمة تحل عليهم والمسيح يرحمهم في يوم الدين ويحل بروح قدسه فيهم. يضع مثل يسوع أمامنا شخصين
الفقير واسمه لعازر |
الغني ولا اسم له |
اسمه يعنى الله يعين اي هو محمي من الله |
مجهول الاسم وربما لاعلاقه له بالله |
غارق في بحر الفقر والعوز والتسول |
غارق في بحر الغنى والبذخ والطمع |
وضعه سيئ للغاية وهو مضروب بالقروح تلحسه الكلاب |
مترفه ويلبس الأرجوان |
حالته متدهورة ومع ذلك لا يتذمر |
حالته مزدهرة ومع ذلك يتذمر |
كان مطروحا عند باب الغني يشتهي الفتات الساقط من مائدته |
كان جالساً على أفخم الكراسي والعروش ولا ينقصه شيء |
لم يمنع فقرُه قلبَه من الرحمة |
لم يفتح غناه قلبَه على الرحمة |
كان محباً لواقعه ويشفق على نفسه متأملاً في حاضره لمستقبله |
كان أنانياً محباً لذاته وينفق على نفسه عائشاً فقط لحاضره |
ربح الملكوت لقبوله وضعه وحالته |
فقد الملكوت لعدم إحسانه على الفقير |
كان غنيا في نفسه في شعوره لما أدرك رحمة الله ومرافقته له |
اكتفى بالمال واستغنى عن الله |
مات فحملته الملائكة إلى حضن ابراهيم لم يذكر لنا الكتاب إنه دفن بل حملته الملائكة حيث معشر الأبرار والصديقين ونال ما لم يفكر فيه وترك العالم ومعاناته |
مات ودفن ولم يمنعه غناه من الموت اهتم به أصحابه حملوه في نعشٍ ربما كان فاخرًا وامتدحه البعض وضاعت أماله في الأرض كلّها مات وهو غير مستعد , ولم يعمل له عملا ينفعه ولم يكنز له كنزا في السماء. تركً الأرجوان والتنعم وترك العالم ولذاته |
ماذا يقول لنا هذا المثل اليوم؟
عندما طرح يسوع هذا المثل قاله عن واقع يعيشه الإنسان في وقته فربما يمثل كلٍ منا اليوم لعازر المحتاج من جهه والغني المستغني من جهة أخرى ففي أيام المسيح كان هذا يمثل طابع فردي ولكننا اليوم ونحن في القرن الحادي والعشرين مازال ينطبق المثل على الأفراد في نطاق ضيق وعلى الشعوب في نطاق أوسع فكم هى الشعوب الغنية التي تسعى إلى أن تأكل الشعوب الفقيرة وإن كنا قد رأينا في هذا المثل حالة لعازر الفقير الذي كانت الكلاب تلحس قروح اليوم نرى الشعوب الفقير التي يموت أطفالها جوعاً ونتيجة الجوع والعوز يفقدون القدرة على الحركة وبدلاً من أن تأتي الكلاب وتفعل فيهم كما فعلت في لعازر نرى الكلاب تأكل لحم هؤلاء.
أنت يامن تعتز وتفتخر بغناك فكر قليلاً بأن الغنى لم يكمن في كثرة الأموال والمشاريع إنما في المحبة الصافية الخالصة النابعة من القلب.
لقد وجّه يسوع نظرنا صوب الخطايا التي نعيشها والتي يجب أن ننتبه إلى التخلي عنها والعودة تائبين إلى حضن الآب.وأبرزها خطيئة الإهمال، لذا نطلب في صلواتنا المغفرة من الله على الخطايا التي نرتكبها بالفكر والقول والفعل والإهمال.
ما فعله الله هنا أنّه لم يحاسب الغني على غناه بل على إهماله للقريب (أحبب قريبك كنفسك ) وعدم التوجه إليه (احبب الرب الهك من كل قلبك). تكمن المشكلة عند الغني في بعده عن الله متمركزا على ذاته وعدم اكتراثه لحاجة الآخرين وفي كون نظرته إلى الفقيرنظرة دونية، نظرة السيد إلى العبد فهو لم يفكر حتّى أن يعطيه كسرة خبز.
جعل الاتكال على المال والتمركز على حب الذات الغني غير قادر أن يفهم أن السعادة الحقيقية تكمن في سعادة الآخرين فصار إنساناً فاقدا الإيمان، فاقدا النعمة، فاقدا الخلاص
أخي كن متواضعاً أمام الرب يسوع وأمام واقعك الذي تعيشه وتذكر أنه رفع المتواضعين وأنزل المتكبرين عن الكراسي. كن نقي القلب فتعاين الله، ثق تماماً أن الله لا ينظر إلى غنانا ولا إلى فقرنا إنما ينظر إلى إيماننا ونقاوة قلبنا وعيشنا لحياة الفضيلة. يرتبط كلٌّ من خلاصنا وحياتنا الأبدية بمدى تسليمنا له والسير وفق مشيئته الإلهية.
هذا هو الغنى الحقيقي. علينا أن ننتبه لئلا تكون خطيئتنا اليوم، خطيئة الإهمال، الجمود، الكسل، غياب الوعي لحاجات الآخر.علينا أن نشترك معاً في بناء عالم جديد، عالم ملكوت الله على الأرض، أن نبني أنفسنا ونبني الأخر من خلال نشر المحبة، والتعاون. نحن مدعوون اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى الى الانفتاح والحب الكامل لنتقدم من الرب بكل استحقاق لنوال الغفران ونكون في حضنه بالتوبة، أن نعي أننا خطأة ونفهم معنى الخطيئة ونرتمي في حضن الله الغافر (توبوا فقد اقترب ملكوت الله) فهو يحبنا و ينسى لنا إهمالنا وتقصيرنا وجهلنا في كل مرة نرجع إليه،( إرجعوا اليّ بكل قلوبكم).
ربما نكون أنا وإنت كالغني ننظر حولنا ولا نشعر بأنين المحتاج، لدينا قلب من المفترض به أن يرحم ويحب لكنه جامد، علينا أن نفهم أن الفقراء هم إخوة الرب ليسوا هم المحتاجين إلى غنانا بل نحن المحتاجون إلى محبتهم فهم قدوة في المحبة المنفتحة التي لا تقف عند حد. علينا، حتى نبني عالم الملكوت، أن نشارك بعضنا البعض في ظروف الحياة كافةً وأن نزرع الأمان والمحبة في كل مكان نكون فيه لنعلن حقيقةً حب المسيح الذي لا حد له.
Discussion about this post