أحد النازفة
إنجيل القدّيس لوقا .56-40:8
وهنا نحن أمام معجزتين متداخلتين:
1) شفاء نازفة الدم
2) إقامة إبنة يايرس
1) شفاء نازفة الدم :
كثيرون ساروا وراء المسيح وواحدة نالت الشفاء لأنها تقدمت 1) بإيمان , 2) بنفس منكسرة تتقدم فى الخفاء بإنسحاق لتتلامس مع الرب. وبحسب الناموس فنازفة الدم هى نجسة تنجس من يتلامس معها، لكن السيد القدوس لا يتنجس منا بل بتلامسه معنا يشفينا ويقدسنا. والسيد أعلن ما فعلته هذه المرأة ليعلن إيمانها فنتشبه بها وحتى لا ينخسها ضميرها لأنها نالت العطية خلسة، ولأن المسيح أعجب بإنسحاقها. ونلاحظ قول مرقس عنها، وقد تألمت كثيراً من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئناً بل صارت إلى حال أردأ.
بينما أن لوقا كطبيب يحترم مهنة الطب لا يقول هذا بل يقول أنفقت كل معيشتها للأطباء ولم تقدر أن تشفى من أحد. هذه المرأة تشير لأن العالم غير قادر على شفاءنا من أمراضنا. فقط المسيح.
والسيد بعد أن شفاها جسدياً منحها السلام لنفسها = إذهبى بسلام إن مسست ثَوْبَهُ فقط ? من لمسنى = هناك من يلمس السيد بإيمان فيشفى وهناك كثيرين يزحمونه ويلتقون حوله بلا إيمان فلا يأخذون شيئاً. وهو يشفى أمراض أجسادنا وأنفسنا وأرواحنا. ولاحظ حال المرأة قبل شفاء المسيح لها :
1) مريضة جسدياً 2) نجسة طقسياً بسبب النزف 3) بلا مال (أنفقت كل أموالها).
قوة قد خرجت منى= هذه اللمسة بإيمان تخرج قوة شافية من السيد فكثيرون يملأون الكنائس وقليون من يتلامسوا بإيمان مع يسوع فينالوا قوة. والقوة التى خرجت منه لا تعنى أن قوته نقصت بسببها، فهذا كإشعال شمعة من نار شمعة أخرى دون أن تنقص شعلة الثانية.والتحام قصتى نازفة الدم وإبنة يايرس يعنى أن المسيح هو قوة شفاء وحياة.
2) إقامة إبنة يايرس :
لاحظ أيضاً أن يايرس كان فى درجة إيمانية أقل من قائد المئة. فيايرس قال للسيد تعال وضع يدك، أما قائد المئة فقال قل كلمة فقط، لكن يايرس طلب بلجاجة = كثيراً. قام المسيح بعمل ثلاثة معجزات إقامة من الأموات تمثل عمله الإلهى فى إقامتنا من موت الخطية. ونلاحظ أن السيد قادر أن يقيمنا من أى درجة من درجات الموت.
1- بنت يايرس= كانت مازالت فى بيت أبيها = تشير للخطية خلال الفكر الخفى فى الداخل. وهذه تحتاج إلى لمسة
2- إبن أرملة نايين = هذا حُمِلَِ فى نعش إلى الطريق= وهذا يشير لأن الخطية خرجت من مجال الفكر إلى حيز التنفيذ. وهذه إحتاجت أن يوقف السيد الجنازة ويأمر الشاب أن يقوم، رمز لتدخل الله ليوقف حركة الخاطىء نحو قبر الخطايا، فلا يكمل الشرير طريق شره وتتحول الخطية إلى عادة ودفع الشاب لأمه يشير لأن المسيح يعيد الخاطىء لحضن الكنيسة.
3- لعازر= هنا حدث عفونة للجسد = الخطية تحولت إلى عادة إرتبطت بالشخص وإرتبط الشخص بها. وها نسمع أن السيد إنزعج وأمر برفع الحجر ونادى لعازر ليخرج، وطلب حل رباطاته.
ونلاحظ أن اليهود كانوا يستأجرون فى حالات الموت ندابات ومزمرون وهذا لا يرضى المسيح فأخرجهم. ونجدهنا أن المسيح يعتبر أن الموت هو حالة نوم كما قال فى حالة لعازر، وهذا يعطينا أن لا ننزعج من الموت فهو حالة مؤقتة يعقبها قيامة بالتأكيد. ونلاحظ أن قليلين هم الذين رأوا معجزة قيامة البنت، إشارة لأن قليلون هم من يتمتعوا بقوة القيامة. وقليلين (حوالى 500 أو اكثر قليلاً ) هم من رأوا المسيح بعد قيامته.وقال أن تعطى لتأكل = ليثبت أن قيامتها ليست خيالاً أو وهماً. تأمل:- الكنيسة آمنت بقول السيد أن الموت ما هو إلاّ نوم فعبرت عن هذا فى ليتورجيتها قائلة ” ليس موت لعبيدك بل هو إنتقال”
إلى اين تتوجه يا ترى وقت المحنة؟ وقت القنوط واليأس، عندما لا تجد من حل لمشكلتك عند البشر؟ هل تتوجه الى يسوع؟
ما الذي دفع هؤلاء الاثنان من التوجه إلى يسوع يا ترى؟
الأول، رجل وجيه، رئيس لمجمع يهودي، معروف أمام اليهود بمكانته الاجتماعية المرموقة. يأتي بصحبة أناس آخرين أقنعهم على مرافقته في أن يأتي ويطلب طلبا من يسوع. إنه لا يطلب مجرد طلب، بل إنه يسقط على قدمي يسوع، يرمي بنفسه عند أقدام يسوع، كدخيل لأجل آخر أمامه سوى قدرة يسوع بشفاء ابنته. ليس فقط هذا. بل إنه حتى بعد سماعه خبر وفاة ابنته، يؤمن بان يسوع قادر حتى على إرجاع ابنته من الموت! إنه لإيمان عظيم حقا؟
المرأة، لها إيمان عظيم جدا، لكن تصرفها هو فريد في الإنجيل. إنها تأتي بعد أن جربت كل محاولات الشفاء على يد البشر، إنها تأتي بهدوء، وسط الزحمة والضوضاء التي كانت تصاحب جمهور المحيطين بيسوع. تقترب بكل هدوء ومن دون أن تقول شيئا، لا تصيح بصوت كما فعل الآخرون، وهي لا تريد حتى يسوع أن يشعر بها، لأن مرضها “نزف الدم” كان معتبرا نجاسة عند اليهود، ولذا كان عليها الابتعاد، وعدم لمس أحد لئلا يتنجس، حالها حال البرص عند اليهود. ولهذا اقتربت، ولمست هدب ردائه فقط دون ان تزعجه!
إن اليأس يحارب هذين الشخصين (المنزوفة ويائيرس)، لكن الرجاء بيسوع وبقدرته الخلاصية يدفعهما لعمل المستحيل من أجل بلوغ مقصدهما والوصول إليه بأي ثمن!
لنرى لغة الحوار والمخاطبة التي بها يخاطب يسوع الاثنين، إنه يقول للمرأة: “يا ابنتي “ ويقول للرجل “لا تخف”
إن يسوع هو المخلص، أتى ليساعد الجميع، إنه ينبوع النعم والمراحم، لماذا يتوجه إليه من هو يائس يا ترى؟ أليس لعلمه بأن يسوع يعطي رجاء جديدا في الحياة، رجاء لا يملكه إنسان، بل هو رجاء إلهي. هذا الرجاء دفع رئيس المجمع يائيرس أن يمشي وراء يسوع حتى بعد سماعه خبر وفاة ابنته لا يهم فيسوع سيعمل شيئا، سيجد له حلا
لقد خاطبنا مار بولس في رسالته إلى أهل قورنثية (1 قور 13: 13) قائلا “…تبقى ثلاثة أمور: الإيمان والرجاء والمحبة، وأعظمها المحبة”.
الإيمان: هو دافع المرأة المنزفة والرجل رئيس المجمع، ولكليهما يقول يسوع “إيمانك خلصك” و “آمن..تخلص ابنتك”،
الرجاء: هو الذي جعل هؤلاء الاثنين يصممان على بلوغ يسوع رغم كل حواجز ومعوقات المجتمع.
المحبة: إنها هي الدافع الإلهي الذي من أجله جاء يسوع، إنه حب اللـه اللامتناهي الذي يعرضه يسوع لكل البشر.
لننظر دقيقة إلى الشفاءات الكثيرة التي عمل يسوع، هل يوجد شخصان متشابهان في طلبهما الشفاء من يسوع؟ الجواب هو كلا. وهل يوجد في العالم شخصان خلقهما اللـه متشابهين في كل شيء؟ الجواب بكل بساطة هو كلا! إذن علينا أن نعرف بأن للـه مخططا خلاصيا في حياة كل منا. وإن لكل منا أهمية كبيرة عند اللـه مهما زاد عدد البشر ومهما كثر المؤمنون والقديسون، فكل منا هو “عزيز في عيني الرب”.
أخيرا، نحن نعلم أن يسوع جاء لأجل خلاص البشر، وهنا في هاتين القصتين نرى أن البشر يبحثان عن يسوع وعن خلاصه، لكن يسوع لا يفوت الفرصة أيضا، بل يمنح بركته وشفائه ونعمه وخلاصه لهم، ولنا جميعا.
بقي علينا نحن ان نتوجه مثلهما (المنزوفة، ورئيس المجمع) إلى يسوع مليئين من الإيمان والرجاء، وهو يمنحنا من فيض محبته الإلهية اللامتناهية، كل ما نحتاج إليه آمين .
الخوراسقف فيلكيس الشابي
Discussion about this post