القراءات:
رسالة مار بولس الرسول إلى أهل أفسس (5: 3ـ 21).
أعمال الرسل (5: 1ـ 18).
الإنجيل المقدس بحسب البشير مرقس (2: 1ـ 12).«ولما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج يا بني مغفورة لك خطاياك»(مر 2: 5)طوبى لمن غفر الله خطاياه. طوبى لذلك المخلع الذي نال من الرب شفاء النفس والجسد في آن واحد.
طوبى لمن عاش في العصر الذي كان يقوم الرب بتدبيره الإلهي بالجسد على أرضنا هذه. إنه العصر الذي تنبأ عنه إشعياء قبل قرون من مجيء الرب أنه فيه تتفجّر مياه في البرية وجداول ماء في القفر، فيه تنفتح عيون العميان وآذان الصم تنفتح. فيه يقفز الأعرج كالأيل. هذا العصر الذي اجترحت به المعجزات الباهرات والذي سمعنا فيه الرب يسوع وهو يجيب التلميذين اللذين أرسلهما يوحنا إليه ليسألاه على لسان يوحنا: هل أنت هو الآتي أم ننتظر آخر. فبعد أن اجترح المعجزات الباهرات
قال للتلميذين: اذهبا وقولا ليوحنا: العمي يبصرون والصم يسمعون والبرص يطهرون والموتى يقومون، المساكين يبشرون فطوبى لمن لا يشك فـيّ.
لقد جاء لخلاص البشرية جاء لكي يعطي الحياة للهالكين جاء ليغفر ذنوبنا ويطهرنا من آثامنا ويعيد إلينا نعمه.
جاء بهذه الرسالة السامية الفريدة من نوعها، رسالة المغفرة. برهن على صدق رسالته بما عمله من المعجزات الباهرات وإحدى هذه المعجزات شفاء المفلوج أو الأعرج أو المشلول أو المخلّع.فكان ذلك في كفرناحوم التي يدعوها متى بمدينة الرب. يقول عن يسوع: أنه قد جاء إلى مدينته وكان الرب قد اجتمع في بيت. وعندما تترجم هذه الكلمة في هذه القصة يقال في البيت بال التعريف لأن البيت الواسع الذي كان الرب يسوع يجتمع فيه دائماً.
وسمع أنه كان في البيت واجتمع جمهور غفير في البيت قد جاءوا من كل فجّ عميق من أماكن عديدة، هذا الجمهور نراه دائماً في كل المجتمعات فهو من سائر الشرائح، فيه الغني وفيه الفقير وفيه أناس نالوا حظوة فكانوا ذوي مركز مرموق، وفيه البسطاء، فيه من كان يرغب أن يستمع إلى كلمات الحياة الخارجة من فم الرب يسوع، وفيه من يريد أن يتربّص بالرب، أن يصطاده بكلمة، فيه العدو وفيه الصديق،
فيه الفضولي الذي يريد أن يرى معجزة يتحدّث عنها هنا وهناك بين الناس لا لإيمانه بمن اجترحها بل لأنه يتوق أن يتكلّم في أي أمر أو شأن.
قلنا في الجمهور العدو. كان هناك الكتبة والفريسيون جاءوا ليصطادوا الرب بكلمة وكان هناك العديد من المرضى جاءوا لينالوا الشفاء. وفي كفرناحوم يقول كتبة الإنجيل الثلاثة الأولون متى ومرقس ولوقا الذين فصّلوا هذه الأعجوبة أنه كان هناك إنسان مفلوج مخلّع لسنين عديدة.
كان هذا الإنسان متروكاً ولم يكن بإمكانه أن يأتي إلى الرب ولعلّه قد سمع عن المعجزات الباهرة التي يجترحها الرب يسوع ولكن هل بإمكانه أن يأتي بنفسه؟
فإذا بأربعة من أقربائه أو أصدقائه أو جيرانه يتبرعون بأن يحملوه على سرير ويأتوا به إلى الرب يسوع، فجاءوا ولم يستطيعوا أن يدخلوا من كثرة الجمع، هل يعودون إلى البيت ثانية؟ فخطرت في ذهنهم فكرة أن يصعدوا إلى السطح ويثقبوا السقف ويدلّوا السرير أمام الرب يسوع.
يقول كتبة الإنجيل: ولما رأى الرب إيمانهم لم يقولوا إيمان المخلّع لعلّ المخلّع أيضاً، قال للمخلّع: ثق يا بني مغفورة لك خطاياك.
حينذاك ابتدأ الكتبة والفريسيون يفكرون في قلوبهم أنه يجدِّف، مَن له سلطان أن يغفر الخطايا إلا الله وحده؟ فالتفت إليهم يسوع وهو يقرأ ما في القلوب والأفكار، يقرأ أفكار الناس وقال لهم: أيهما أيسر أن يقال للمخلّع مغفورة لك خطاياك أم أن يقال قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، التفت إلى المخلّع وقال له: قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك فقام ومشى حاملاً سريره أمامهم فتعجّبوا جميعهم.
أيها الأحباء:
إننا قبل كل شيء يجب أن نعرف ما هي الخطيئة، ثم علينا أن نعرف بعدئذ من له السلطان أن يغفر الخطايا. الرسول يوحنا يقول:
“كل من يفعل الخطيّة يفعل التعدِّي أيضاً والخطيّة هي التعدّي” (1يو 3 : 4).
فالخطيّة هي التعدّي. هي التعدّي على أي شيء. دعونا نتصوّر أمامنا هدفاً ونحن نحاول أن نوجّه سهاماً إلى هذا الهدف فإذا تعدّى السهم الهدف ولم يصبه نقول انه تعدّاه.
نحن أيضاً عندنا شريعة الرب ناموس إلهنا وأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا كلها سهام توجه إلى هذه الشريعة فإذا أصبناها نكون مرضيين لدى إلهنا فنكون قد عملنا بشريعة إلهنا ولكن إن تعدّت تلك الأفكار والأعمال والأقوال شريعة إلهنا نكون قد تعدينا الشريعة
فنكون قد أخطأنا فالخطيئة كما يقول الرسول يوحنا: هي التعدّي، تعدّي على شريعة إلهنا هذه الخطيئة توجه مباشرةً إلى الرب ولئن كنا قد أخطأنا إلى أخينا ولكن علينا أن نطلب المغفرة من ربنا
مثلما قال داود: إليك وحدك أخطأت والشر قدّام عينيك قد صنعت. لذلك من له الحق أن يغفر لا الإنسان، نعم نطلب المغفرة من الإنسان إذا كنّا قد تعدّينا على الإنسان
ونطمع أن يرحمنا كما هو يطلب الرحمة من إلهه ولكن الرحمة تأتينا من الرب الذي له وحده السلطان على مغفرة الخطايا وخاصة بالنسبة إلى خطيّتنا الجدِّية التي وجهت إلى الله غير المتناهي لا يمكن أن تغفر إلا من سلطان غير متناه، الإله بالذات وهذه عقيدتنا عقيدة التجسّد الإله الكلمة الغير متناهي الذي أخذ جسداً وفدانا بدمه الكريم ومنحنا مغفرة الخطايا.
كان الحق واضحاً بقول أولئك الفريسيين أنه لا يحق لأي من البشر أن يغفر الخطايا لا سلطان إلا لله لمغفرة الخطايا.
هذا شيء حقيقي وسليم وعقيدة واضحة. ولكن أخطأوا جدّاً إذ لم يعلموا أن الرب يسوع هو ابن الله ويحق له أن يغفر الخطايا فالسلطان للمسيح يسوع أن يغفر الخطايا ولكن أيضاً عندما ننظر إلى ذلك الإنسان الذي ابتهج جداً عندما سمع كلمات الرب: ثق يا بني، مغفورة لك خطاياك.
تبدأ الشكوك تساور أفكارنا أنه إنسان مجرم بل أيضاً نضل سوء السبيل ونكون مخطئين جداً عندما نجد أي إنسان قد أصيب بمصيبة ونقول أنه قد أخطأ ولذلك عاقبه الرب.
ليست الرزايا والبلايا نتيجة للخطايا، قد تكون أحياناً عقاباً من الرب ولكن غالباً ما تكون تجارب من إلهنا الذي قيل عنه أنه يؤدّب الابن الذي يحبه، ألم تقرءوا قصة أيوب كيف جُرِّب بإذن من ربنا؟
فتنقّى كالذهب الإبريز من كل الشوائب. ألم نقرأ عن يوسف الذي تحمّل كثيراً من البلايا والمصائب والضيقات من اخوته بالذات ومن بقية الناس
ولكن يقول عنه الكتاب: أن الرب كان يرعاه كالضأن. الرب كان بإذنه قد سمح أن يجرّب يوسف ولكن كان يرعاه كخروف، كحمل وديع ويعتني به ويصونه وأظهر بعدئذ فضيلته وأنجح الرب طريقه طريق يوسف كما يقول الكتاب المقدس.
ولكن حادثة المفلوج كما نفهم من كلام الرب الذي وجّهه إليه أن مرضه كان بسبب خطيئة فشفى الرب النفس لأن النفس أفضل من الجسد وبعدئذ شفى الجسد أيضاً.
وفي هذه الحادثة بالذات أيها المؤمنون نرى أن الرب يقبل شفاعة الآخرين فقال:
نظر إلى إيمانهم.
إيمان أولئك الأربعة الذين حملوا المفلوج إلى الرب يسوع وبرهنوا على قوة إيمانهم إذ ثقبوا السقف ودلّوا السرير أمام الرب
ونحن أيضاً في الكنيسة على إيمان الوالدين مثلاً نعمّد الأطفال، الرب ينظر إلى إيمان الوالدين ويقبل هذا الإيمان كأنه إيمان الطفل بالذات، والوالدون الذين يعمّدون أولادهم على هذا الإيمان عليهم مسؤوليّة جسيمة جداً أن يهذّبوا أولادهم ويعلّموهم مبادئ الدين وينشئوهم على الفضائل المسيحية كما أنه عليهم أن يصلّوا دائماً لأجلهم، فالرب يقبل صلاة الوالدين لأجل أولادهم. عليهم أن يحملوا هؤلاء الأولاد وإن شلت أعضاء نفوسهم وإن ضلّوا عن جادّة الحق وإن ذهبوا إلى الأماكن البعيدة كالابن الضال، يأتون بهم بصلواتهم بأصوامهم عنهم أمام إلهنا، أمام الرب يسوع ليلتفت إليهم ويقول لهم: ثقوا يا أبنائي مغفورة لكم خطاياكم فينالون الشفاء، شفاء النفس الذي هو أهم كثيراً من شفاء الجسد.
أيها الأحباء:
في هذه الأيام المقدسة أيام الصيام والكنيسة أمنا ومعلمتنا تريدنا أن نتأمل بعجائب الرب، العجائب التي اجترحها ويجترحها دائماً.
إن اجترحها بالجسد أمام الناس يجترحها دائماً للمؤمنين به الإيمان المتين الثخين للملتجئين إليه في السرّاء والضرّاء. الذين يثقون به الثقة التامّة رافضين ضلالة إبليس ومن ضلّ وراء إبليس، علينا أيها الأحباء أن نواصل الصلوات والأدعية عنّا وعن أولادنا علينا أن نتأمل بكل الذين آمنوا بالرب يسوع فنالوا تطهير النفس والجسد لذا كيف أن الرب رحمنا وله سلطان أن يغفر خطايانا فننال تلك المغفرة فيه إن آمنّا به.
أسأله تعالى أن يؤهّلنا جميعاً أيها الأحباء لنفحص نفوسنا وقلوبنا ونرى إن كنّا قد تعدّينا على شريعة إلهنا ونندم تائبين على ما اقترفته أيدينا ضد ربنا، فتقبل توبتنا وننال الطوبى التي أعطيت لمن غُفِرَت خطاياه وستر الرب عن آثامه، الحالة التي أتمنّاها لي ولكم بنعمته تعالى
آمـــيــــــــــــن
Discussion about this post