شفاء مخلع كفرناحوم
المسيح شافي النفوس والأجساد
1 تيموتاوس 5/24-6/1-5
مرقس2/1-12
آية شفاء مخلع كفرناحوم، نفساً وجسداً، بمغفرة خطاياه وشفائه من شلله رمز لكل إنسان يعاني من الشلل الروحي أو الجسدي، أو الاثنين معاً. وترمز الآية أيضاً إلى أن النصف الثاني من الصوم الكبير هو زمن الشفاء من الشلل الروحي والسير في الطريق المستقيم.
رسالة القديس بولس لهذا الأحد تصف حالة الشلل الروحي، والإنجيل يعرض طريقة الشفاء منه بقوة المسيح، طبيب الأرواح والأجساد.
أولاً، يوبيل القديس بولس الرسول وشرح الرسالة والإنجيل
1- رسالة القديس بولس الرسول الاولى الى تلميذه تيموتاوس: 5/24-6/1-5
مِنَ الـنَّاسِ مَنْ تَكُونُ خَطَايَاهُم وَاضِحَةً قَبْلَ الـحُكمِ فِيهَا، ومِنهُم مَنْ لا تَكُونُ واضِحَةً إِلاَّ بَعْدَهُ. كذـلِكَ فَإِنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ هِيَ أَيضًا وَاضِحَة، والَّتي هيَ غَيرُ واضِحَةٍ فَلا يُمْكِنُ أَنْ تَبْقَى خَفِيَّة. على جَمِيعِ الَّذِينَ تَحْتَ نِيرِ العُبُودِيَّةِ أَنْ يَحْسَبُوا أَسْيَادَهُم أَهْلاً لِكُلِّ كَرَامَة، لِئَلاَّ يُجَدَّفَ عَلى اسْمِ اللهِ وتَعْلِيمِهِ. أَمَّا الَّذِينَ لَهُم أَسْيَادٌ مُؤْمِنُونَ فلا يَسْتَهِينُوا بِهِم، لأَنَّهُم إِخْوَة، بَلْ بِالأَحْرَى فَلْيَخْدُمُوهُم، لأَنَّ الـمُسْتَفِيدِينَ مِن خَدْمَتِهِم الطَّيِّبَةِ هُم مُؤْمِنُونَ وأَحِبَّاء، ذـلِكَ مَا يَجِبُ أَنْ تُعَلِّمَهُ وتَعِظَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ أَحدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيمًا مُخَالِفًا، ولا يَتَمَسَّكُ بالكَلامِ الصَّحِيح، كَلامِ ربِّنَا يَسُوعَ الـمَسِيح، وبِالتَّعْلِيمِ الـمُوَافِقِ للتَّقْوى، فهُوَ إِنسَانٌ أَعْمَتْهُ الكِبْرِيَاء، لا يَفْهَمُ شَيْئًا، بَلْ مُصَابٌ بَمَرَضِ الـمُجادلاتِ والـمُمَاحَكَات، الَّتي يَنْشَأُ عَنْهَا الـحَسَدُ والـخِصَامُ والتَّجْدِيفُ وسُوءُ الظَّنّ، والـمُشَاجَرَاتُ بينَ أُنَاسٍ فَاسِدِي العَقْل، زَائِفِينَ عَنِ الـحَقّ، يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوى وَسيلَةٌ لِلرِّبْح.
يصف بولس الرسول في هذه الرسالة الشلل الروحي الذي هو من نتائج الخطيئة في الإنسان. فيبدأ بالتأكيد أن الخطيئة بأعمالها السيئة واضحة، مثلما الاستقامة بالأعمال الصالحة واضحة ايضاً.
من كان في حالة الخطيئة فإنه يقول ويعلم ما يتنافى وتعليم المسيح، فتتبين حالته في مسلكه وتصرفاته على هذا المستوى: هو إنسان تعميه الكبرياء والجهل، مصاب بمرض المجادلات والمماحكات. مواقفه وتعاطيه مع الغير تدل على شلل أخلاقي يعدده بولس الرسول في أنواعه: الحسد والخصام والتجديف وسوء الظن والمشاجرة وفساد العقل والانحراف عن الحق.
يحثّ بولس تلميذه تيموتاوس على الكرازة والتعليم لكي يستنير المؤمنون ويشفوا من شلل العقل الذي يحول دون معرفة الحق، وشلل الارادة الذي يفسد أخلاقية التعاطي مع الناس: ” ذلك ما يجب ان نعلّمه ونعظ به” (1تيم6/2). هذا التعليم والوعظ هو واجب رعاة الكنيسة، أساقفة وكهنة، لكي يواصل المسيح شفاء النفوس من جهل الحقيقة التي أوحاها عن الله والإنسان والتاريخ، ومن سوء الأخلاق الاجتماعية.
السّر المسيحي هو الإيمان الذي نعلنه، والذي نحتفل به في الليتورجيا والأسرار، نعمةًً تقدس النفوس بالحياة الإلهية. إن حقيقة الإيمان ونعمة الأسرار تنيران أعمال المؤمنين وتعضدانها بمواهب الروح القدس والفضائل الإلهية والأخلاقية. هذا السّر المسيحي، بما فيه من إيمان ونعمة وأعمال مزدانة بالفضائل، هو أساس الصلاة.
2- شفاء المخلّع وما ينطوي عليه من معانٍ: مرقس2/1-12
بالشلل الروحي والأخلاقي الذي تتسبب به حالة الخطيئة يفقد الإنسان قواه التي هي الإيمان والرجاء والمحبة والفضائل الأخرى والقيم الأخلاقية، مثلما الشلل الجسدي يُفقد المشلول قواه الحسية والعصبية. فينحرف عقله عن الحقيقة، وتضعف إرادته في فعل الخير وتجنّب الشر، ويتعطل ضميره عن سماع صوت الله، ويميل قلبه عن المحبة لله والناس، وتتلاشى القاعدة الأخلاقية، وتنهار القيم الروحية والإنسانية والاجتماعية.
نال مخلّع كفرناحوم الشفاء الشامل من المسيح بقوة إيمانه وإيمان الرجال الأربعة الذي حملوه وثقبوا السقف ودلّوه مع سريره أمام يسوع. هي الكنيسة تلتف حول الرب يسوع في الكنيسة، مثلما التفّ حوله جمع كفرناحوم. وبإيمان تحمل إليه الكنيسة أبناءها بصلاتها وكرازتها وخدمة الأسرار، ليشفيهم. في كفرناحوم انتظر الجمع من يسوع أن يشفي المخلع، فبادر بشفاء نفسه من خطاياه، للدلالة أنه أتى ليشفي الخطأة. ثم شفاه جسدياً ليعطي البرهان على أنه صاحب سلطان إلهي ليغفر الخطايا.
آية شفاء المخلّع تبيّن أن الخطيئة، المتأصلة في نفس الإنسان، تبقى تحت سيطرة قوة الفداء الخلاصية. فالمسيح، ابن الله ووسيطه، غفر لخاطي كفرناحوم، وبذبيحته على الصليب استحق الغفران لجميع أفراد الجنس البشري، مصالحاً إياهم مع الآب، وسلّم الكنيسة خدمة هذه المصالحة بواسطة الكهنوت.
الكاهن، خادم التوبة، يعمل ” بشخص المسيح”. ما يعني أن المسيح يمنح، بواسطة خدمة الكاهن، مغفرة الخطايا، ويبدو أخاً للإنسان، حبراً رحيماً، راعياً يسعى دائماً في البحث عن النعجة الضالة، طبيباً يشفي ويقوي، معلماً أوحد يعلم الحقيقة ويرشد إلى سبل الله، قاضياً للأحياء والأموات، يحكم بالحق والواقع وليس بحسب الظواهر. هذا ما يمثلّه الكاهن، وهو في كرسي الاعتراف، ما يقتضي منه أن يتحلّى بصفات إنسانية كالفطنة وقوة التمييز، والحزم واللطف؛ وأن يكون ذا ثقافة كاملة ومتناسقة في اللاهوت والتربية وعلم النفس ومنهجية الحوار؛ وأن يسلك أمام التائبين طريق التوبة والمصالحة؛ وأن يشهد لخبرة حقيقية في الصلاة والفضائل الإنجيلية؛ وأن يكون حاضراً في كرسي الاعتراف ليوزع كنوز الكنيسة على المؤمنين أي النعمة والحياة الحق والاشعاع الروحي
” مغفورة لك خطاياك”. قالها يسوع لمخلع كفرناحوم، ويقولها بفم الكاهن لكل خاطىء تحت كل سماء. فالكاهن يرفع يمينه ويرسم إشارة الصليب على التائب ويقول: ” أنا بالسلطان المعطى لي أحلّك من جميع خطاياك باسم الاب والابن والروح القدس”. في هذه اللحظة، لحظة الحلّة السرّية، يلتقي الخاطىء النادم قوة الله ورحمته، وينال من الآم يسوع وموته وقيامته قوة خلاصية، ورحمة أقوى من الإثم والإهانة.
ثانياً، الوثيقة التعليمية ” كرامة الشخص البشري”
الإخصاب في الأنبوب وإتلاف الأجنة المتعمد (الفقرات 14-16).
هو المعضلة الثانية المتعلقة بالإنجاب.
الإنجاب في الأنبوب ينطوي على إتلاف مقصود ومتعّمد لعدد من الأجنة الناتجة من هذا الإخصاب. هذه التقنيات تتعاطى مع الجنين البشري وكأنه مجرد كتلة خلايا قيد الاستعمال والتصنيف أو الإلغاء.
معروف من إحصاءات مراكز الإخصاب الاصطناعي، إن ثلث النساء اللواتي يلجأن إلى الإخصاب الاصطناعي يحصلن على ولد، فيما عدد الأجنة التي يُضحى بها يبلغ نسبة 80٪. من المؤسف أن يقبل الأخصائيون في تقنيات الإخصاب في الأنبوب هذه الخسارات كثمن يُدفع للحصول على نتائج مرضية. ومن المقلق حقاً أن الأبحاث في هذا المجال لا تعير اهتماماً حقيقياً لحق كل جنين في الحياة، بل ترمي بنوع خاص إلى الحصول على نتائج أفضل في نسبة الأطفال الذين يولدون نظراً لعدد النساء اللواتي يبدأن علاجاً (فقرة14).
من ناحية أخرى، تُتلف فوراً الأجنة المتكوّنة في الأنبوب عندما تحمل نقصاً ما. وثمة أزواج غير عقيمين يلجأون إلى الإخصاب في الأنبوب فقط بهدف اختيار نوعية الأولاد. في بلدان عديدة، يصار إلى تفعيل المبيض للحصول على عدد كبير من البويضات للإخصاب. فينقل عدد الأجنة الحاصلة إلى الرحم، فيما الأجنة الأخرى تجمّد لاستعمالها في إخصابات مستقبلية. الغاية من نقل عدد من الأجنة هو للحصول، بقدر ما يمكن، على تعشيش جنين واحد على الأقل، وبالتالي إتلاف آخرين وتجنّب الحمْل بأكثر من واحد. وهكذا يكون التعاطي مع الأجنة البشرية كأدوات في تقنية النقل. في تقنيات الإخصاب في الأنبوب، لا يحظى الجنين بأي احترام أمام تلبية رغبة الحصول على ولد.
في كل ذلك، ويا للأسف، نشهد في الواقع تعدّيات جديدة على الحياة (فقرة15).
إن الكنيسة لا تقبل أخلاقياً بالفصل بين الإنجاب والفعل الزوجي الشخصي. فالإنجاب البشري فعل شخصي يقوم به الثنائي رجل وامرأة، ولا يقبل أي نوع من التعويض إلى آخر. والقبول الهادىء لنسبة الإجهاض المرتفعة جداً، الناتجة من الإخصاب في الأنبوب، يبين بشكل ناطق أن استبدال الفعل الزوجي يساهم في إضعاف الاحترام الضميري الواجب لكل كائن بشري، وللإنجاب الذي لا يمكن حصره في البعد الإنتاجي فقط. إن هذا الاحترام المزدوج تعززه حميمية الزوجين، وينعشه حبهما الزوجي المتبادل.
تعترف الكنيسة بشرعية الرغبة في الحصول على ولد، وتتفهم وجع الأزواج من مشاكل العقم.لكن هذه الرغبة لا تمرّ قبل كرامة الحياة البشرية، بدرجة تجاوزها. لا تستطيع الرغبة في الحصول على ولد تبرير ” إنتاجه”، وكذلك الرغبة في عدم الحصول على حَبَل لا تستطيع إهمال الجنين أو إتلافه.
إن بعض الباحثين، الخالين من أي قاعدة أخلاقية، والمأخوذين بالتقدم التكنولوجي، ينقادون إلى منطق الرغبات الشخصية فقط، وإلى الضغوط المالية الشديدة خاصة في هذا المجال.
لقد أعلنت السلطة التعليمية في الكنيسة باستمرار الصفة المقدسة وغير قابلة الانتهاك العائدة لكل حياة بشربة، من الحَبَل حتى نهايتها الطبيعية. فمحبة الله لا تميّز بين الجنين في بطن أمه والولد أو الشاب أو الرجل الناضج والمسنّ (فقرة16).
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تنقل الخطة الراعوية من النص المجمعي 14: التعليم المسيحي، تعليم المجمع حول واقع التعليم المسيحي اليوم والمرتجى (الفقرات 11-18).
1- يتأمن التعليم المسيحي اليوم في المدرسة ضمن برنامج محدد ومنظم وفقاً للصفوف. والمدرسة تشكل الإطار الأوفر والأضمن. ويتأمن نوعاً ما في المنظمات والحركات الرسولية، وعبروسائل الاعلام الكاثوليكية مثل المجلات التعليمية وإذاعة صوت المحبة وتلفزيون تليلوميار ونورسات،وفي الوعظ والاحتفالات الليتورجية، وفي مراكز التثقيف الديني.
2. لكنه ضعف جداً في العائلة بسبب قلة ثقافة الأهل، وهمومهم المعيشية، وقلة الممارسة الدينية، والروح الاستهلاكية، والبرامج الإعلامية الهدّامة (الفقرات 11-13).
3- والرعية مدعوة لتحافظ على واجبها التعليمي عبر الوعظ والإرشاد والتعليم المسيحي لمختلف الفئات والأعمار. هذا الواقع يختلف بين رعية وأخرى. لكنه خفّ بوجه العموم في معظم الرعايا، حيث يقتصر العمل الراعوي على قداس الأحد وبعض الممارسات الليتورجية (الفقرة 14).
4- تبقى الحاجة إلى تأمين تنشئة مستمرة للراشدين وفقاً لعاداتنا وتقاليدنا. ما يقتضي وجود منشّئين ذوي ثقافة متنوعة وكافية لتخاطب مختلف فئات شعبنا. أن لوسائل الإعلام دوراً كبيراً على هذا المستوى، ينبغي الاستفادة منها بأكثر ما يمكن. ولا بدّ من نشر الوثائق لهذه الغاية.
في عالم اليوم ينبغي ان تتسع تنشئة الراشدين الى القطاع المسكوني وإلى الحوار مع الأديان، فإلى الحوار الفاعل في سبيل بناء إنسانية تقبل بالتعددية واحترام هوية كل شعب (الفقرات 14-18).
***
صلاة
أيها الرب يسوع، يا طبيب النفوس والأجساد، إليك نرفع عيوننا بإيمان، طالبين الشفاء الروحي للخطأة بيننا، والشفاء الحسّي للمرضى. يحملهم ويحملنا اليك إيمان الكنيسة وصلاة أبنائها في هذا الزمن المقبول، زمن الصوم الكبير. نشكرك على أنك سلمت كهنة العهد الجديد سلطان النفوس الروحي، يمارسونه باسمك، وأنت من خلال خدمتهم تشفي النفوس من خطاياها، بفيض من محبة الآب، وبحلول الروح القدس، مانح الحياة الجديدة. ألهم الوالدين والأطباء على احترام النظام الطبيعي الذي رتّبه الخالق لنقل الحياة البشرية عبر اتحاد الزوجين روحاً وجسداً في هبة حب من شأنها أن تعطي الحياة لكائن بشري جديد، فلا يكون هذا الكائن وليد آلات تقنية بل وليد مشاعر عميقة تطبع حياته كلها. ساعد الجميع، كلاً من موقعه على نقل تعليمك الإلهي، وتعليم الكنيسة، من خلال العائلة والرعية والمدرسة ووسائل الإعلام، لكي يبلغ كل إنسان إلى معرفة الحقيقة وينال الخلاص، فنرفع المجد والتسبيح والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى أبد الآبدين، آمين.
البطريرك بشارة الراعي
Discussion about this post