عظة في الصوم والاعتزال
القديس ثيوذوروس الستوديتي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
أيها الآباء والإخوة، يمكن تشبيه موسم الصيام، مقارنةً بالسنة كلها، بميناء خالٍ من العواصف ينعم فيه كل الذين يبحرون معاً بهدوء روحي.
فالموسم الحالي هو موسم خلاص، ليس فقط للرهبان بل أيضاً للعلمانيين، للنبلاء والفقراء، للحكام والمحكومين، للأباطرة والكهنة، لكل جنس ولكل جيل.
فالمدن والقرى تخفف صخبها وهيجانها، فيما يحلّ محلهما ترتيل المزامير والتسابيح والصلوات والتضرعات التي بها يُستعطف إلهنا الصالح فيقود نفوسنا إلى السلام ويصفح عن خطايانا، هذا إذا ارتمينا أمامه بقلب صافٍ بخوف ورعدة ودموع واعدين بمستقبل أفضل.
لكن فليتكلّم رؤساء الكنائس عمّا هو مناسب للعلمانيين، إذ كما يحتاج العداءون للدعم بالأصوات من المتبارين، كذلك الصائمون بحاجة لتشجيع معلميهم.
لكن أنا، كوني أُقمتُ متقدماً عليكم أيها الإخوة المشرّفون، سوف أكلّمكم باختصار. الصوم هو تجديد الروح لأن الرسول يقول ” وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا.” (2كورنثوس 16:4). وهو إذ يتجدد يصير بالتأكيد أكثر جمالاً بحسب جماله الأصلي، يصير جميلاً بكونه مجذوباً بمحبة إلى الذي قال: أنا والآب نأتي ونصنع عنده مسكناً.
إذا كانت هذه هي نعمة الصيام التي تحوّلنا إلى مسكن لله، فعلينا أن نرحّب بها أيها الإخوة بفرح، فلا نحزن لقساوة النظام الغذائي، لأننا نعلم أن الرب قادر على أن يطعمنا بسخاء، فقد أقام من الخبز والماء وليمة للآلاف في البرية.
كما أن ما هو غير اعتيادي يصير بالحماسة مقبولاً وغير مؤلم. لا يُحدَّد الصوم بالمأكل فقط، بل بكل امتناع عن الشر، بحسب ما شرح لنا آباؤنا الإلهيون.
هذا وأرجوكم، أن نمتنع عن القنوط، الكسل، البلادة، الحسد، النزاع، الحقد، تدليل النفس والثقة بها. فلنمسِك عن الرغبة المدمرة التي تفرشها أمامنا الحيّة المتعددة الأشكال.
فلنستمع إلى القائل: “إن الثمرة التي قتلتني كانت حسنة المنظر ومشجعة على الأكل”.
لاحظوا أنه يقول “حسنة المنظر” وليس “حسنة بالطبيعة”.
إذ كما أنّ مَن يأخذ رمانة ذات قشرة قرمزية سوف يجد أنها منتنة، بالطريقة نفسها تلفِّق الشهوات حلاوة لا توصَف، لكن عندما تُقطَف توجد أكثر مرارة من العلقم، أو بالأحرى من السيف ذي الحدين الذي يفترس الروح التي اعتقلها.
هذا ما عاناه جدنا آدم عندما خدعته الحية، إذ ما أن لمس الطعام المحرَّم حتى وجد الموت بدل الحياة. هذا هو ما عاناه كل الذين خدعهم التنين، منذ آدم إلى اليوم.
إذ كما أنه، وهو ظلام، يحوّل نفسه إلى ملاك نور، هكذا أيضاً يعرف كيف يحوّل السيئ إلى حسن، المرّ إلى حلو، الظلام إلى نور، البشع إلى جميل، المائت إلى معطٍ للحياة.
وهكذا فالكلي الشر لا يتوقف عن تضليل العالم في كل مناسبة.
أما نحن أيها الإخوة فلا نضلّن بهذه الخدائع المتعددة الأوجه، ولا يكن مصيرنا مثل الطيور التي تقترب مما يبدو طعاماً فتسقط في فخاخ الصيادين.
بالأحرى فلنتطلّع إلى الأغطية الخارجية للشر على أنها مثل الروث حتى إذا رأينا الشر في فكرنا معرّى نهرب منه مباشرة. إلى هذا، لنرحب بأوقات ترنيم المزامير، لنكن متحمسين للترتيل، منتبهين للقراءات، مقيمين السجدات كما هو محدد في كل ساعة، عاملين بأيدينا، لأن العمل جيد ولأن مَن لا يعمل لا يستحق أن يأكل.
لنحمل أعباء بعضنا البعض، فالواحد ضعيف والآخر قوي، مستعملين الأكل والشراب وغيرهما من الضروريات باعتدال، حتى لا نثير الحسد في الناس الشريرين، بل الصلاح في البِر.
كونوا صالحين لبعضكم البعض في كل شيء رحيمين عاقلين مطيعين مملوئين بالشفقة والثمار الحسنة و” وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.” (فيليبي 7:4).
والآن فليجدكم الرب مستحقين وبلا دينونة لأن تصلوا إلى يوم القيامة الأسمى، لكن في الدهر الآتي في قيامة الأموات لتكسبوا ملكوت السماوات بيسوع المسيح ربنا الذي له المجد والقدرة مع الآب والروح القدس الآن وإلى الأبد، وإلى أبد الآبدين، آمين
Discussion about this post