السلام الداخلي
القديس ثيؤفانس الحبيس
أرغب في أن أضيف بعض التعليمات لك حول ما يجدر بك القيام به فيما تدخل الطريق الجديدة.
كلّ مَن قام بمراقبة دقيقة لما يجري في داخله ولو ليوم واحد، يدرك بشكل واضح أن الروح قد سقطت. لقد أخبرتك عن هذا منذ زمن. سوف تتذكر أنّ في داخلنا هذا الاضطراب الذي يأتي بشكل غير شرعي، وبالتالي ينبغي إيقافه.
أنتَ أيضاً كتبتَ أنك لم تستطع أن تتتبّع الحركة الداخلية غير المضبوطة. سوف أستعرض وصف هذه الحالة.
أفكار الذهن موجهة كلها إلى الأرض وليس من سبيل لرفعها إلى السماوات. فحواها عبثية وحسية وخاطئة. أنت رأيت كيف ينزل الضباب على الوادي.
هذه صورة دقيقة لأفكارنا فهي تزحف وتلاحق الأرض. إلى هذا الزحف نحو الأسفل، هذه الأفكار تزبد باستمرار ولا تهدأ في مكان واحد، إنّها تصادم بعضها بعضاً مثل سرب من الذباب في الصيف. وفوق هذا إنها دائمة الحركة.
تحت هذه يقع القلب. إن اللطمات المستمرة في القلب مصدرها الأفكار ومنها تنشأ الأعمال. مهما كانت الفكرة فإن عملاً ما للقلب يقابلها ومنها: الفرح، الغضب، الحسد، الخوف، الرجاء، الفخر، اليأس. هذه كلها تنشأ في القلب الواحدة تلو الأخرى.
إنها لا تتوقف، تماماً مثل الأفكار لا تسلسُل لها، فيما القلب دائم الارتعاش مثل ورقة الشجر، بسبب المشاعر. والأمر لا ينتهي هنا. الفكر مع الشعور دائماً يولّدان شهوة أكثر أو أقل قوة. تحت الأفكار المشوشة والمشاعر تقع الشهوات المشوِّشة عشوائياً.
هذا شخص مولع بالكَسب، وذاك يبذّر كل شيء. هذا متسامح وذاك منتقم. هذا يهرب من الجميع وذاك يسعى إلى الحشد.
وليس فقط أن هذه الأمور تجري على هذا المنوال، لكن الشكوك، الواحد تلو الآخر، تغلي بشكل مستمر في النفس. راقبْ نفسَك مثلاً وأنت جالس في عملك، فسوف ترة كل هذه تجري في داخلك كما على مسرح.
هكذا هو إذاً اضطرابنا الداخلي وتشوشنا. ومنه أيضاً يأتي الاضطراب في حياتنا وهذا الغم الذي يخيم علينا. لا تتوقعْ حياة منتظمة حتى تقضي على هذا الاضطراب الداخلي.
فهو بذاته ومن ذاته سبب لكثير من الشر. لكنه سيء بوجه خاص لأن الشياطين يقيمون فيه ويبلبلون الأمور أكثر، موجِّهين كل شيء باتجاه الأسوأ نحو دمارنا.
في مطلع الصوم، تفحصتَ نفسَك وقررتَ اقتلاع بعض الأمور وإضافة أخرى. أنت لا تستطيع إلاّ أن توجّه انتباهك نحو التشوش الداخلي وتتسلح بالحماسة اللازمة ضده. اسمحْ لي مرةً أخرى أن أركّز على العدو الداخلي. إنت حدّدت نية صارمة للعمل من أجل الرب والانتماء إليه وحده ابتداءً من هذه النقطة.
سرُّ التوبة أعطاك الغفران في كل شيء وأنتَ ظهرتَ نقيّاً أمام وجه الله.
المناولة المقدسة أتَت بك إلى أقرب شركة، أو بالأحرى جدَّدَت شركتَك، مع الرب يسوع المسيح وملأتْكَ بكل قوة نافعة. إذاً ها أنت هنا مهيئاً لهذه المهمة.
لو أنّ التمني يكفي لإصلاح حياتنا الداخلية ولجعل الأمور على أفضل حال، أو لو أنّ كلمة تكفي لتحقيق كل شيء فوراً، لانتفى كلّ سبب يدفعك إلى ولوج هذه المتاعب، ولكان كلّ شيء جرى للأفضل، ولما كنتَ لتشتهيه.
في أي حال، قانون الحياة الأخلاقية الحرّة، بالرغم من جوهرها المتأذي، هو في أن هناك مثابرة راسخة. المساعدة النافعة متوفرة، ولكن مع هذا ينبغي بك أن تقسو على نفسك وتجاهد. أن تجاهد مع نفسك قبل كل شيء.
إن حياتنا الداخلية لا تأتي إلى النظام المناسب فجأة. ما هو مطلوب دائماً وما ينتظرنا هو العمل المكثف مع النفس، النفس الداخلية، من خلال تمثل النوايا الحسنة وتفعيل النعمة بالأسرار.
هذا العمل وهذا المجهود موجهان نحو تدمير الاضطراب المسيطر في الداخل، وتثبيت الترتيب والتناغم في مكانه. هذا الترتيب والتناغم يتبعهما السلام الداخلي والمزاج القلبي المبتهج بشكل دائم.
هذا ما ينتظرك الآن! لا تفكّرْ، على أيّ حال، أن لهذا عليك أن تعيد عمل كل شيء أو ربط نفسك بكثرة من القوانين. لا مطلقاً.
قانونان أو ثلاثة، تدبيران وقائيان أو ثلاثة، هي كل ما تحتاجه.
يوجد اضطراب في الداخل وهذا تعرفه من الخبرة. يجب أن تقضي عليه، وهذا ما تريده وقد قررت ذلك. ابدأ مباشرة بإزالة سبب هذا الاضطراب.
السبب هو أن روحنا فقدت أساسها الأصلي، الذي هو في الله، وهي تعود إليه مجدداً بتذكر الله. إذاً، الأمر الأول هو هذا: ضروري أن تتعوّد على تذكّر الله بدون انقطاع، إلى جانب خوفه وتوقيره.
لقد كتبت لك عن هذا في المرة الماضية. أنت تعرف السبيل المطلوبة له، وقد بدأت بها، فليكن مباركاً. افتح الطريق لهذا العمل بدون تعويق.
كًنْ مع الله، مهما فعلت، ووجّه نحوه كل عقلك، محاولاً أن تتصرّف كما في حضرة ملك. سوف تعتاد على هذا سريعاً، فقط لا تستسلم أو تتوقف.
إذا تبِعتَ هذا القانون البسيط بضمير حي، سوف تقهر الاضطراب الداخلي، بالرغم من وجود تمزقات، أحياناً بشكل أفكار تافهة وغير مهمة، وأحياناً أخرى بشكل أحاسيس ورغبات غير مناسبة،
سوف تلاحظ هذا الخطأ فوراً وتطرد الضيوف غير المدعوين خارجاً، مسرعاً في كل مرة إلى تجديد وحدة الفكر المتعلّق بالرب الواحد.
فليلهمْك الله! باشر بهذا بحماسة أكبر، تابع بدون تقطّع، وسوف تبلغ مقصدك قريباً. الاهتمام الوقور بالله الواحد سوف يتوطّد ومعه سوف يأتي السلام الداخلي.
أقول أنه سوف يكون قريباً لكن سوف يستغرق أكثر من يوم أو اثنين. هذه الأمور تتطلب ربما بعض الأشهر، وأحياناً يستغرق سنين. أطلبْ من الرب وهو نفسه يعينك.
وللمساعدة، أضِفْ القانون التالي: لا تَقُمْ بأي عمل يعارضه ضميرك، ولا تتوانى عن أي شيء يقوله لَكَ كبيراً كان أو صغيراً. الضمير هو دائماً دليلنا الأخلاقي. الأفكار التي تقيم في الذهن، كما العواطف والرغبات التي فينا تؤدي بنا إلى نزوات غير لائقة.
هذا سببه، بشكل طارئ، أن ضميرنا فقد قوته. أعِدْه قوياً وأظهِرْ طاعةً كاملةً له. لقد ثقّفتَه الآن عن طريق معرفة ما يصحُّ فعلُه وما لا يصح. اتبعه بدون تحوّل، وبهذه المواظبة تسمح لنفسك بالقيام بأي شيء ضده حتى ولو أدّى ذلك إلى موتك.
بقدر ما تكون قاطعاً في تصرفاتك، يصبح ضميرك أكثر قوة. وبقدر ما يصبح ضميرك قوياً، يلهمك في ما هو ضروري بشكل أكثر كمالاً وأكثر قوة، ويقودك بعيداً عن غير النافع من الأقوال والأفعال والأفكار، ويصبح داخلك مرتباً بسرعة أكبر. إن الضمير الذي يتذكر الله بتوقير هو نبع الحياة الروحية الحقيقية. تذكّر كلامنا عن الروح في بداية مراسلاتنا.
ليس مطلوباً أي شيء سوى هذين القانونين. فقط غذِّهما بالصبر.
لن يأتي النجاح فجأة، يجب أن تننتظر وتكدح بثبات. يجب أن تكدح وأهمّ من ذلك لا تستسلم لإرضاء نفسك أو العالم. سوف يكون هناك مقاومة مستمرّة لِما قد بدأت.
يجب أن تتخطّى ذلك، يجب أن تبذل بعض القوة وبالتالي أن تصبر. ألبِسْ نفسَك هذا الدرع الكلي القوة ولا تترك معنوياتك تهبط عندما تعترضك المحنة.
كل شيء سوف يأتي مع الوقت. تشجّع بصبرك في هذا الرجاء. إن خبرات كل الذين سعوا إلى الخلاص وحقّقوه تحتم أن هذا ما سوف يحدث.
إذاً، هذا كل شيء. تذكّرْ الله بتوقير، أطِعْ ضميرَك، وتسلَّحْ بالرجاء في طريق الصبر. ليباركك الرب حتى تنحو إلى هذا الفكر وتكون فيه.
المصدر مدونة كتابات الاباء القديسين
No Result
View All Result