كتاب امجاد مريم البتول
القديس ألفونس دي ليكوري
في أخصّ فضائل العذراء مريم
الفضيلة الثالثة: في محبَّة القريب
أن المحبة لله والمحبة للقريب قد رسمت علينا من قبل الله بوصيةٍ واحدةٍ هي نفسها: لأن هذه الوصية لنا منه، أن من يحب الله، يحب أخاه أيضاً: (يوحنا أولى ص4ع21): والسبب في ذلك، يقول القديس توما اللاهوتي، هو لأن الذي يحب الله فيحب أيضاً كل الأشياء المحبوبة منه تعالى: فالقديسة كاترينا التي من مدينة جانوا كانت يوماً ما تخاطب الله قائلةً: أيها الرب أنتَ تريد مني أن أحب قريبي، وأنا لا أقدر أن أحب آخر غيركَ. فالباري جلت رأفته قد أجابها عن ذلك بقوله لها: أن من يحبني يحب كل الأشياء المحبوبة مني. فإذاً من حيث أنه ما وجد قط، ولن يوجد أصلاً من أحب الله أو يحبه أكثر من والدته المجيدة، فهكذا لم يوجد مطلقاً ولن يكون أبداً من أحب القريب أو يحبه أكثر من حبها إياه.
فالأب كورنيليوس الحجري إذ يفسر كلمات سفر النشيد (ص3ع9) وهي: أن سليمان الملك عمل له عماريةً من خشب لبنان، فعمل عمدها من فضةٍ، ومتكأها من ذهبٍ، وجلالها من أرجوان، وباطنها مرصعاً، وذلك بواسطة محبة بنات أورشليم: فيقول:” أن هذه العمارية أي العرش هي رسم مستودع مريم البتول الذي عندما سكن فيه كلمة الله متجسداً، قد أوعب والدته هذه حباً وشفقةً، لكي تساعد هي مسعفةً كل من يلتجئ إليها”. ولذلك قد كانت هذه الأم الإلهية في مدة حياتها على الأرض ممتلئةً من المحبة والرأفة بهذا المقدار، حتى أنها كانت تسعف المحتاجين من دون أن يلتمسوا منها ذلك. كما فعلت في عرس قانا الجليل، بطلبها من ابنها أن يصنع تلك الأعجوبة، موردةً لديه احتياجهم بقولها: أن ليس عندهم خمرٌ: (يوحنا ص2ع3) فكم كانت هي سريعةً نشيطةً حارةً في الأعمال الملاحظة إسعاف القريب، حسبما يظهر عن اهتمامها في مساعدة القديسة أليصابات، حينما فهمت من زعيم الملائكة أنها كانت حبلى بابنٍ على شيخوختها لأنها قامت مسرعةً وذهبت إلى الجبل إلى مدينة يهوذا ودخلت إلى بيت زخريا: (لوقا ص1ع39) ثم أنها لم تستطع أن تظهر نحو البشر أشد حباً من أنها تقدم لله الآب من أجل خلاصهم ابنها الوحيد ضحيةً على جبل الجلجلة. كما يقول القديس بوناونتورا: أن مريم هكذا أحبت العالم، حتى أنها بذلت عنه ابنها الوحيد: والقديس أنسلموس يخاطبها قائلاً: أيتها المباركة في النساء أن طهارتكِ فاقت طهارة الملائكة، وإشفاقكِ سما على إشفاق كل القديسين.
ويقول القديس بوناونتورا عينه: أن رأفة مريم ومحبتها إيانا لم تنقص فيها أصلاً بعد إرتقائها إلى السماء حيث هي الآن جالسة، بل أن ذلك قد ازداد فيها هناك نامياً واشتد حرارةً لأنها الآن بأبلغ نوع تشاهد أحوال شدائد البشر: ومن ثم كتب هذا القديس قائلاً: إن مراحم مريم نحو المساكين المضنوكين قد كانت عظيمةً حينما هي وجدت عائشةً على الأرض، ولكن هذه المراحم هي الآن فيها أعظم في وجودها مالكةً في السماء ولذلك قال ملاك الرب للقديسة بريجيتا:” أن ما من أحدٍ يتوسل إلى والدة الإله، ولا ينال من قبل حبها النعمة التي يطلبها”. بل أن مخلصنا نفسه أوحى لهذه القديسة بقوله لها: يا لتعاسة أولئك الذين لا تتوسل من أجلهم أمي البتول:*
فهذه العذراء المجيدة تقول بلسان الحكيم، مغبوطٌ هو الإنسان الذي يستمعني والذي يسهر كل يومٍ عند أبواب مداخلي: (أمثال ص8ع34) وقد كتب القديس غريغوريوس النزينزي قائلاً:” أنه لا يوجد شيءٌ يصيرنا أن نكتسب بأفضل نوعٍ انعطافات مريم البتول بالحب نحونا بمقدار هذا الشيء، وهو ممارستنا واجبات المحبة نحو القريب”. وبالتالي أنه كما أن الله يحرضنا بقوله لنا: كونوا رحومين فإن أباكم رحومٌ هو: (لوقا ص6ع36) فكذلك مريم يبان أنها تقول نحونا جميعاً نحن أولادها: يا أبنائي كونوا رحومين فأن امكم رحومةٌ هي: فأمرٌ أكيدٌ هو أنه بمقدار الرحمة والإسعاف اللذين بهما نحن نرحم قريبنا ونسعفه، فتكون رحمة الله ورأفة والدته ممارسةً نحونا. كقوله تعالى: أعطوا تعطوا بمكيالٍ صالحٍ مملؤٍ يلقون في حضنكم. (لوقا ص6ع38) وكان القديس متوديوس من عادته أن يقول: أعطِ الفقراء وخذ الملكوت: لأن الرسول الإلهي كتب قائلاً: أما العبادة الحسنة فهي نافعةٌ في كل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والمنتظرة (تيموتاوس أولى ص4ع8) والقديس يوحنا فم الذهب إذ يتكلم عن قول الحكيم وهو: أن من يرحم مسكيناً يقرض الرب وسيكافئه على قدر عطيته: (أمثال ص14ع17) فيقول: أن من يسعف المحتاجين يصير الله مديوناً له:*
فيا أم الرحمة أنتِ مملوءةٌ إشفاقاً وترأفاً ومحبةً نحو الجميع، فلا تنسي شقاوتي ومسكنتي، لأنكِ تشاهديني وتعرفين حالي. فأوصي بي ذاك الإله الذي لا يمكن أن ينكر عليكِ شيئاً، وأستمدي لي منه النعمة في أن أقتفي نموذجكِ في فضيلة المحبة نحو الله ونحو القريب آمين.*
Discussion about this post