المسيحي وحياة الفرح والتسبيح
سمات الفرح الروحى ..
الفرح الروحى ثمة المسيحى…
الفرح الروحي هو سمة من سمات الإنسان المسيحي الذي يفرح ببنوته لله وبخلاص الله له من الشيطان ومن الخطية والشر حتى عندما نخطأ ونرجع لله بالتوبة فالتائب يثق في وعود الله الصادقة فى قبوله للتائبين { أقول لكم إنه هكذا يكون فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب اكثر من تسعة وتسعين بارا لا يحتاجون الى توبة } (لو 15 : 7). نعم نحن نفرح ونُسر بالرب الذى يلبسنا ثوب الخلاص { فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالهي لانه قد البسني ثياب الخلاص كساني رداء البر مثل عريس يتزين بعمامة ومثل عروس تتزين بحليها} (اش 61 : 10).هكذا نحيا فى عشرة المحبة والفرح بالمسيح { فاني اغار عليكم غيرة الله لاني خطبتكم لرجل واحد لاقدم عذراء عفيفة للمسيح} (2كو 11 : 2) . ونحيا فى فرح متبادل معه { لانه كما يتزوج الشاب عذراء يتزوجك بنوك وكفرح العريس بالعروس يفرح بك الهك} (اش 62 : 5).
لقد خلق الله الإنسان للسعادة والفرح ، وضعه في الفردوس وخلق من أجله كل شيء وأحاطه بكل وسائل الراحة وكان يعيش تحت العناية المباشرة لله وفي شركة عميقة معه حتى يعيش سعيداً، وقد تغير الامر بالخطية وتنفيذ حكم الموت فيه وطرده من الجنة، وجاء السيد المسيح ليرجعنا مرة اخرى الى السماء ولنتذوق مذاقة الملكوت وحياة الفرح والتسبيح منذ الان على الارض فنحيا حياة البر والسلام والفرح بالمسيح يسوع ربنا الذى قال {جئت لتكون لهم حياة وليكون لكم أفضل} (يو10:10) .
الفرح برعاية الله وصفاته ..
إن التأمل فى صفات ورعاية الله الخالق والمخلّص والمفرح يولد في الإنسان فرحاً دائماً. فكيف يمكن أن نتأمل فى محبة الله دون أن نفرح { اغني للرب في حياتي ارنم لالهي ما دمت موجودا. فيلذ له نشيدي وانا افرح بالرب. (مز33:104-34). بل نتشوّق الى أن { يكون مجد الرب الى الدهر، يفرح الرب باعماله} (مز 13:104). اننا اذ نتأمل عمل الله في التاريخ، يغمرنا الفرح الروحى ويصبح الفرح بمثابة عدوى ننقلها للغير وندعوهم اليه {هلموا نرنّم للرب… نهتف لصخرة خلاصنا }(95: 1).
{ لتفرح السماوات وتبتهج الارض ويقولوا في الامم الرب قد ملك }(1 اخ 16 : 31) وهكذا نحيا الفرح الدائم حتى بالرغم من الضيقات والتجارب نجد التعزية ونفرح انتظاراً لاكتمال الفرح في المجئ الثانى حتى إذا ما أتى الرب يدعونا كعبيد امناء لكى ندخل في فرحه الخاص { ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تاسيس العالم} (مت 25 : 34) ونسمع صوته ينادينا { نعما ايها العبد الصالح والامين كنت امينا في القليل فاقيمك على الكثير ادخل الى فرح سيدك} (مت 25 : 21).
افراح العالم والفرح الروحى ..
ان أفراح أهل العالم وقتية وباطلة وترتبط بالسرور الظاهر أو بلذات الجسد ومسرات الطعام والشراب والشهوات والسلطة او المال والمناصب او حتى تحقيق اشياء متصلة بالعالم الحاضر وهذا الفرح قصير العمر، وهو يفتر بعد حين، وتطوِّح به الهموم والتجارب والهزائم وخوف الغد والأمراض والوحدة وتغيُّر الأحوال واقتراب الموت. وقد نختبر شيئاً من هذا الفرح في مناسبات كثيرة في الأعياد والحفلات واجتماعات الاحباء. ونقبله ونسعد به، ولكن لا يجب ان نعوِّل عليه، لأننا نعرف أن هذا الفرح يأتي ويذهب. وإنما فرح المسيحى الحقيقي، هو ثمرة من ثمار الروح القدس الذى وهبه لنا الروح بفداء السيد المسيح وقيامته ، وهو فرح ثابت دائم نستطيع به التغلب على محن وتجارب الحياة فى ثقة وإيمان فتجارب الحياة والآمها لا تنال من المؤمن إلاَّ كما تنال الرياح من الاشجار القوية فتذيدها قوة ورسوخ وثبات ، اننا حين نمضى فى طريقنا عابرين وادى البكاء فاننا من أجل ان تهون علينا رحلة الحياة فاننا نترنم فى قلوبنا لله { عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعا ايضا ببركات يغطون مورة} (مز 84 : 6)..
ودوام الفرح المسيحي عمل فوق الطبيعة البشرية، لأنه ليس نتاج عواطف، وإنما هو عمل الروح القدس ومن ثماره. إنه فرح في الرب كتب عنه حبقوق رغم صعوبة الحالة الاقتصادية ومضايقات المضطهدين لهم { فمع انه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود. فاني ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي.الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالايائل ويمشيني على مرتفعاتي } حب 17:3-19.
+ احزان الحياة وفرحنا فى الرب …
قد يمر المؤمن باشياء محزنة لاسيما فى انتقال الاعزاء عليهم وان كنا نحزن للفراق لكن نحيا على رجاء ويدعونا الكتاب ان لا نحزن حزن من يهلك وليس له رجاء فى القيامة والفرح الابدى { ثم لا اريد ان تجهلوا ايها الاخوة من جهة الراقدين لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لانه ان كنا نؤمن ان يسوع مات وقام فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله ايضا معه. } (1تس 4 : 13-14). هكذا تقدم الشهداء قديما للاستشهاد وكأنه يوم عرس حقيقى لهم.
قد نرى بعض المتشائمين ومن لا يثقون فى نعمة الله الغنية يحيون فى كأبة وحزن وشعارهم الاية القائلة { الحزن خير من الضحك لانه بكابة الوجه يصلح القلب} (جا 7 : 3) وذلك كدعوة للحزن . ويتناسوا اننا لا ندعو الى افراح العالم الزائلة او التمتع بملذاته أو استهزاء الجهال وضحكهم ومؤامراتهم بل الى الفرح الروحى فى الرب ونحيا وفقاً تبعا لدعوة الإنجيل لنا للفرح الروحى والتعزية السمائية {ولا تحزنوا لان فرح الرب هو قوتكم }(نح 8 : 10). ونحن نعلم ان لكل شئ تحت السماء وقت { للبكاء وقت وللضحك وقت للنوح وقت وللرقص وقت (جا 3 : 4}
كما رقص داود النبى أمام تابوت العهد عندما اتوا به الى اورشليم وكما ارتكض يوحنا المعمدان فرحا فى بطن امه عندما اتت القديسة مريم لزيارتهم { فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وامتلات اليصابات من الروح القدس . وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي. فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب. (لو 1 : 41-45) وعندما نحب انفسنا محبة روحية فاننا مدعوين للفرح الروحى { احبب نفسك وفرج عن قلبك وانف الحزن عنك بعيدا }(سي 30 : 24).
ان الشى الذى يحزن المؤمن هو بعده اوخيانته لمحبة الله وعدم طاعته لوصاياة مما يفقد الانسان سلامه ويقلقه ويحزن روح الله مصدر الفرح داخله وهذا الحزن يدعونا الى التوبة والخلاص {لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا} (2كو 7 : 10).
قد نحتاج ان نعبر عن احزاننا فى الازمات التى نمر او يمر بها اهلنا وبلادنا ونزرف الدموع التى تخلصنا من التوتر وتحمينا من الانهيار فهى تغسل النفس ولكن ليس دموع العجز او اليأس فقد بكى السيد المسيح على لعازر الميت مشاركاً مريم ومرثا ولكنه ذهب الى القبر وأقامة وبكى على أورشليم لانها لم تعرف ما هو لسلامها وأعلم تلاميذه بمصيرها وخرابها القادم والذى تم فى سنة 70 م . ومع هذا فان حزننا وبكائنا يكون ممتزجاً بالرجاء والايمان ولهذا يعطى عزاء وراحة ونحيا فرحين فى الرجاء {ومفديو الرب يرجعون وياتون الى صهيون بترنم وفرح ابدي على رؤوسهم ابتهاج وفرح يدركانهم ويهرب الحزن والتنهد} (اش 35 : 10).
ان الخطية هي مصدر التعاسة والشعور بالإثم وسيادة الظلام، كما ان التمتُّع بخلاص المسيح وحضوره ورفقته وعنايته ورعايته كل الأيام، وعمل الروح القدس، هم ينبوع الفرح المسيحي ودوامه. والرب أعلن هذا لتلاميذه قبل الصليب والقيامة قائلاً { المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلد إنسان في العالم. فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم} (يو 16: 21و22). فنحن نحيا فى فرح بالله الذى وعدنا انه سيكون معنا كل الايام وحتى إنقضاء الدهر . ان أهل العالم يعيشوا خاضعين لسطوته يمنحهم افراحه لساعة ويمنعها لسنين وتراهم يحيون فى الحزن والانين .
اما المؤمن الحقيقى فلسان حاله قول القديس اغسطينوس ( جلست على قمة العالم عندما احسست انى لا اخاف شئيا ولا اشتهى شيئا). النفس التى ترتوى وتشبع بالله معه لا تريد شئيا على الارض بل يكون الله وروحه القدوس مصدر ارتوا له ويفيض منه العزاء للغير كما قال السيد المسيح { وفي اليوم الاخير العظيم من العيد وقف يسوع و نادى قائلا ان عطش احد فليقبل الي ويشرب. من امن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حي.قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين ان يقبلوه لان الروح القدس لم يكن قد اعطي بعد لان يسوع لم يكن قد مجد بعد} يو 37:7-39
الفرح في العهد القديم ..
من الله تصدر أفراح الحياة الحق، ويقدّمها لشعبة نتيجة أمانته فى عهوده لنا
ويجد إلشعب فرحه فى التسبيح لله (مز 33: 1) فقد تنازل الله وصار ملكاً وابا وراعيا ودعونا للفرح في حضرته (تثنية 12: 18)، ونفرح أيضاً بحلاوة التجمع الأخوي (مز 133). كما كانت الأعياد مجال للفرح في جوّ من الحماسة والبهجة ولتذكّر الشعب لعمل الله معهم {باليّوم الذي صنعه الرب لفرحه وسروره}(مز 118: 24). إن بعض هذه الاحتفالات قد تركت بصماتها في التاريخ، كفصح حزقيا (2 أخ 30: 21- 26)، وفصح العودة من السبي (عز 6: 22)، ولاسيما عيد المظال الذي فيه، بعد أن قرأ عزرا الشريعة على الشعب، دعاه الى مأدبة حافلة وأعلن: ” إن هذا اليوم يوم مقدّس… لا تحزنو لإن فرح الرب هو قوتكم” (نح 8: 10).
ولكي يصير هذا الفرح كاملاً، تأمر الشريعة الشعب بأن يذهب ليستقيه من الله فى هيكل قدسه ، كان الله يدعوهم للذهاب الى الهيكل فى أورشليم، في الأعياد السنوية الثلاثة الفصح والحصاد والمظال حتى ينالوا البركات الإلهية (لا 23: 40، تث16: 11 و 14- 15). من هذا المنبع يرغب الله أن تأتي وتستقي كل الأمم. إن هذا الفرح المقدّم للجميع هو نصيب المتواضعين، الذين يكوّنوا شعب الله الحقيقي (مز 149: 4-5). إنهم أسوة بإرميا يلتهمون التهاماً “الكلمة” الإلهيةّ التي هي بهجة لقلوبهم (إر 15: 16)، ويجعلون فرحهم في الله (مز 33: 21، وفي شريعته (مز 19: 9)، التي هي كنزهم (119: 14 و11، و162). إن اتحادهم الواثق بهذا السيد الذي هو خيرهم الوحيد ومنه يلمتّسوا التطلعات الى الفرح الأبدي المنتظر .
السيد المسيح ودعوته لنا للفرح الروحى..
الانجيل وبشرى الخلاص والفرح ..
ان كلمة إنجيل تعنى بشرى مفرحة ، فهو بشرى الخلاص والإيمان والدخول فى أفراح الفداء والقيامة والحياة الابدية ، فمنذ ميلاد المسيح بشرت الملائكة الرعاة بفرح عظيم { وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. واذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما.فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين. المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة } لو 9:2-14. بل ان مجئ السيد المسيح الى العالم كان شهوة الاباء والانبياء وهكذا قبل ميلاد المسيح بما يقرب من الف وتسعمائة عام اشتهى ابراهيم ان يرى الكلمة المتجسد { ابوكم ابراهيم تهلل بان يرى يومي فراى و فرح }(يو 8 : 56).
السيد المسيح مصدر فرحنا الدائم ..
في المسيح يسوع يكون ملكوت الله حاضراً فينا وهو العريس الذى يفرح نفوسنا وهو الذى حضر مع تلاميذه عرس قانا الجليل وأكمل فرحتهم ليقول لنا انا هو فرحكم ومشاركا لكم فى مختلف الظروف والاوقات وهو الذي صوته يغمر المعمدان فرحاً { فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي انت قد شهدت له هو يعمد والجميع ياتون اليه.اجاب يوحنا وقال لا يقدر انسان ان ياخذ شيئا ان لم يكن قد اعطي من السماء.انتم انفسكم تشهدون لي اني قلت لست انا المسيح بل اني مرسل امامه.
من له العروس فهو العريس واما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحا من اجل صوت العريس اذا فرحي هذا قد كمل. ينبغي ان ذلك يزيد واني انا انقص} (يو 3: 26-30). السيد المسيح علّمنا ان نفرح حتى ان تعرضنا للاضطهاد من اجل اسمه من اجل عظمة الاجر السمائى { طوبى لكم اذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من اجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا لان اجركم عظيم في السماوات فانهم هكذا طردوا الانبياء الذين قبلكم} مت 11:5-12.
وبه ينبغى ان نفرح عندما نعلم كتلاميذ للمسيح بأن أسمائنا مكتوبة في السماء {فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم رايت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. ها انا اعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا ان الارواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري ان اسماءكم كتبت في السماوات، وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح وقال احمدك ايها الاب رب السماء والارض لانك اخفيت هذه عن الحكماء والفهماء واعلنتها للاطفال نعم ايها الاب لان هكذا صارت المسرة امامك}.( لو 17:10-20). إن السيد المسيح يفرح من أجل اعلان حكمته وملكوته لشعبه المتواضع كما يفرح برجوع الخطاة اليه بالتوبة ويبذل حياته في سبيل خلاصنا بفرح { ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله }(عب 12 : 2).
لقد دعانا ان نكون أحباء له ويريد لنا الثبات فى محبته ونثمر به ثمراً كثير لنفرح { ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد ابي ان تاتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما احبني الاب كذلك احببتكم انا اثبتوا في محبتي. ان حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما اني انا قد حفظت وصايا ابي واثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يكمل فرحكم.هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم} يو 7:15-12
ان كانت ساعات الظلمة والصلب تسببت فى الحزن للتلاميذ والمؤمنين فان القيامة مصدر فرح لا يستطيع احد ان ينزعه منا { فانتم كذلك عندكم الان حزن ولكني ساراكم ايضا فتفرح قلوبكم و لا ينزع احد فرحكم منكم} (يو 16 : 22) وهكذا فرح التلاميذ بالقيامة وظهور السيد لهم { ولما قال هذا اراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ اذ راوا الرب} (يو 20 : 20).ان الله يريد ان نقدم اليه طلباتنا ليهبنا سؤل قلوبنا حسب ارادته الصالحة ليكون فرحنا كاملا (يو24:16) .
أسباب الفرح الروحي..
الفرح هو ثمرة من ثمار الروح القدس ..
وهو علامة مميزة لابناء ملكوت الله فالأمر لا يتعلّق بفرح عابر تحرمنا منه الضيقة { وهؤلاء كذلك هم الذين زرعوا على الاماكن المحجرة الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح.ولكن ليس لهم اصل في ذواتهم بل هم الى حين فبعد ذلك اذا حدث ضيق او اضطهاد من اجل الكلمة فللوقت يعثرون} مر16:4-17 . بل هو فرح وتعزية الروح القدس الساكن بنعمته فينا بثمارها الروحية من فرح ومحبة وسلام وايمان { فاذ قد تبررنا بالايمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح. الذي به ايضا قد صار لنا الدخول بالايمان الى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله. وليس ذلك فقط بل نفتخر ايضا في الضيقات عالمين ان الضيق ينشئ صبرا. والصبر تزكية والتزكية رجاء. والرجاء لا يخزي لان محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا} رو 1:5-5 .
يفرح المؤمنين لمحبة الله لهم ومحبتهم له ولبعضهم البعض وبسخائهم في العطاء ، فمغبوط هو العطاء أكثر من الاخذ ونفرح باتحادنا فى المحبة { فان كان وعظ ما في المسيح ان كانت تسلية ما للمحبة ان كانت شركة ما في الروح ان كانت احشاء ورافة. فتمموا فرحي حتى تفتكروا فكرا واحدا ولكم محبة واحدة بنفس واحدة مفتكرين شيئا واحدا} (فيلبي 1:2- 2)، وبأمانتنا على الحق { فرحت جدا لاني وجدت من اولادك بعضا سالكين في الحق كما اخذنا وصية من الاب} (2 يو: 3، 4) والمحبة تمدنا بفرح ثابت، يتغذى بالصلاة والشكر المتواصلين (1 تس 5: 16). فنشكر الآب بفرح فهو الذي نقلنا من عالم الظلمة الى ملكوت ابنه الحبيب فى النور. والصلاة المتواصلة هي منبع فرح، لأن الرجاء يحركها، وإله الرجاء يستجيب لها، غامراً المؤمن بالفرح { فرحين في الرجاء صابرين في الضيق مواظبين على الصلاة} (رو12: 12).
هكذا تتنوع مصادر الفرح المسيحى فنفرح بالرب كما يقول الرسول بولس { افرحوا في الرب كل حين وأقول ايضا افرحوا } فى 4:4. فحينما يكون الإنسان ملتصقاً بالله قريباً منه وله شركة قوية معه ، يكون سعيداً ويفرح فرحاً لا ينطق به ومجيد . ونفرح بالخلاص الثمين ، نفرح كما يفرح المريض بشفائه والمأسور بإطلاقه والسجين بخروجه للحرية ، يقول المرنم {امنحني بهجة خلاصك} كما سبحت القديسة مريم العذراء {تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي}(لو26:1) . ونفرح بعطايا الرب الثمينة فيفرح الإنسان عندما ينعم عليه الله بصحة جيدة او حتى بالمرض كتنقية وهبة من الرب. نفرح بالكنيسة بيت الله وباب السماء وبالأسرار المقدسة ووسائط النعمة التي تقوده للخلاص . ونفرح بالعبادة التي نقدمها لله ونحن نعيش الشركة مع الله والقرب منه، يقول المرنم {أغني للرب في حياتي أرنم لالهي مادمت موجودا فيلذ له نشيدي وأنا أفرح بالرب} .
الاشتراك في الفرح الأبدي..
أن التجربة سيكون لها نهاية، وسينتقم الله لدم عبيده، بادانة الشيطان واعوانه . حينئذ سيكون فرح في السماء { افرحي لها ايتها السماء والرسل القديسون والانبياء لان الرب قد دانها دينونتكم} (رؤ18: 20)، حيث سيحتفل بعرس الحمل. والذين سيكون لهم نصيب في ذلك، سيمجدون الله في فرح { وخرج من العرش صوت قائلا سبحوا لالهنا يا جميع عبيده الخائفيه الصغار والكبار. وسمعت كصوت جمع كثير و كصوت مياه كثيرة و كصوت رعود شديدة قائلة هللويا فانه قد ملك الرب الاله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطيه المجد لان عرس الخروف قد جاء وامراته هيات نفسها. واعطيت ان تلبس بزا نقيا بهيا لان البز هو تبررات القديسين. وقال لي اكتب طوبى للمدعوين الى عشاء عرس الخروف وقال هذه هي اقوال الله الصادقة} رؤ5:19-9.
فى السماء ستكتمل فرحة المؤمنين الذين جاهدوا وانتصروا على الشيطان والخطية وتتجلّي فرحتهم بحياة التسبيح الدائم لله وهو منذ الآن نصيب أبناء القيامة ومجال شكرهم { مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الاموات. لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لاجلكم . انتم الذين بقوة الله محروسون بايمان لخلاص مستعد ان يعلن في الزمان الاخير. الذي به تبتهجون مع انكم الان ان كان يجب تحزنون يسيرا بتجارب متنوعة. لكي تكون تزكية ايمانكم و هي اثمن من الذهب الفاني مع انه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح. ذلك وان لم تروه تحبونه ذلك وان كنتم لا ترونه الان لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد. نائلين غاية ايمانكم خلاص النفوس. الخلاص الذي فتش وبحث عنه انبياء الذين تنباوا عن النعمة التي لاجلكم} 1بط 3:1-10.
التسبيح تعبير عن فرحنا بالرب ..
أن الحمد والشكر والتسبيح تعبير عن الشعور بالشكر على النعم التي يغدقها الله على الإنسان عرفاناً منه بالجميل والاعتراف بعظمته ومحبته لله ونحن عندما نتقدم فى الروح نقدم التسبيح لله لا من اجل عطاياه بل كانجذاب وتسبيح لذاته وعظمته وابوته ، هكذا نرى الكلمات تخرج من قلب متهلل بالروح فى التسبحة اليومية فى الكنيسة القبطية وكأننا صرنا مع جوقات الملائكة نسبح تسبحة الشاروبيم والسيرافيم قائلين{ قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض} اش 3:6. ونتغنى بطيبة الهنا وعدالته مز 6:145،7 وبعمله معنا عبر التاريخ لخلاصنا من الشيطان ونجتنا من بحر هذا العالم كما عبر بالشعب قديما البحر الاحمر ونسبحه مع داود النبى ومع الفتية لنجاتهم من اتون النار بحضوره معهم وبينهم ، ولسان حالنا قول داود النبى جزنا فى الماء والنار واخرجتنا الى الراحة .
ان حمدنا وتسبيحنا لله إنما يعنى تعظيمنا إياه (لو1: 46، أع 10: 46)، والإعتراف بسموه الذي لا يدانى منه ، ما دام هو الساكن في أعلى السموات والناظر الى المتواضعين ، وما دام هو القدوس. وينطلق الحمد من الشعور بقدسية الله، الذي يملأ النفس بهجة (مز 30: 5)، وهذا الإبتهاج والتسبيح يحملنا على الاتحاد العميق بالله. وينطلق الحمد من الاتصال بالله الحي، فيوقظ الإنسان كله (مز 57: 8، 108: 2- 6) ويقوده نحو تجديد حياته فهو بمثابة بعث لحياة جديدة وينقلنا من الموت الى الحياة الحقيقية .
ان التسبيح هو شركة فى عمل الملائكة فى السماء { باركوا الرب يا ملائكة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور} (دا 3 : 58). والتسبيح مجال عملنا فى السماء ونقوم به منذ الان عرفانا وشكرا لقائد نصرتنا ومخلص نفوسنا ومنقذ حياتنا من الفساد { وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق انت ان تاخذ السفر وتفتح ختومه لانك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وامة. وجعلتنا لالهنا ملوكا وكهنة فسنملك على الارض. ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات والوف الوف. قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح ان ياخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الارض وتحت الارض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان الى ابد الابدين} رؤ 9:5-13.
حياة الرسل كنموذج للفرح والتسبيح …
بعد أحداث الصلب كان التلاميذ مجتمعون معاً، خوفاً من اليهود فى ذعر ورعب والأبواب مغلقة، وفى جـو من الحزن والكآبة، وعـدم الطمأنينة، وذلك بعد أحداث الجمعة الحزينة؛ ولكن عندما ظهر الرب لهم منحهم سلامه. {ففرح التلاميذ عندما أبصروا الرب} فتحول حزنهم الى فرح وشكهم الى ثقة، وخوفهم الى طمأنينة وسلام، ويأسهم الى رجاء.
لأن الرب القائم حاضر فى وسطهم. وهذا ما حدث مع توما الرسول عندما رأى شخص الرب ولمس حضوره بطريقة شخصية فاحدث تغيير فى حياتة من الشك للأيمان فقد صرخ قائلا “ربى وإلهـى” ان حضور الرب الدائم يعطى فرح وسلام ورجاء ويبدد الشك. الرب الاله حاضراً فى كنيسته كما كان فى الماضى فهو أمس واليوم والى الأبد، من خلال لاهوته وروحه القدوس وكلمته واسراره . ولكن لماذا يعيش بعض المؤمنين حياة الحزن أو القلق والانقسام والتشتت، حتى أن هذا الداء أصاب بعض خدام المسيح وكأنهم اجراء او موظفين مجبرين على القيام بعملهم وليسوا خدام للرب الاله المحب يعيشون بدون فرح فى حياتهم .
ربما إن ذلك ناتج عن قلة أو ضعف الإيمان او النظر إلى الظروف المحيطة بنا وصعوبتها دون التطلع إلى السماء ومعونتها . وربما يتأتى الحزن من الانانية التى يحيا فيها الانسان وعدم القناعة والرضا بما لدينا فالقناعة كنز ومصدر للسعادة كما ان الطمع مصدراً للتذمر والضيق. ربما ياتى الحزن كنتيجة للانقسام وعدم السلام داخل الانسان او في علاقته مع الله أو الاخرين وهذا يدعونا الى التوبة والمصالحة والصدق مع الله والنفس . وربما يحيا البعض التدين المرضى باخطاء الإنسان العتيق ويزعمون انهم يعرفوا الله . أن السلام هو عطية الله لنا ولا يعرفه الأشرار ولا يستطيع العالم أن يعطيه {سلاماً أترك لكم، سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا}(يو 14: 27).
القديس بطرس يحثَّ المؤمنين على الفرح الحقيقي في الروح حتى ولو كانوا يجتازون التجارب { ذلك وإن كنتم لا ترونه (أي الرب) الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد} (1بط 1: 8). كما ان القديس يعقوب يدعونا للفرح حتى فى التجارب {احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة} (يع 1: 2).اما القديس بولس الرسول الذى تعرض لكل اشكال الآلام والاضطهاد وسوء التقدير بالاضافة الى شوكة المرض نرى الفرح الروحى لا يفارقه فى حياته وكتاباته حتى فى السجن { فوضعوا عليهما ضربات كثيرة والقوهما في السجن واوصوا حافظ السجن ان يحرسهما بضبط. وهو اذ اخذ وصية مثل هذه القاهما في السجن الداخلي وضبط ارجلهما في المقطرة.
ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما. فحدث بغتة زلزلة عظيمة حتى تزعزعت اساسات السجن فانفتحت في الحال الابواب كلها وانفكت قيود الجميع} أع 23:16-26. ان فرح القديس بولس الرسول لا يعتمد على الظروف بل على تعزية الروح القدس والايمان الواثق المشارك فى الآم السيد المسيح وهو يُصارع الآلام والاضطهادات {كحزانى ونحن دائماً فرحون} (2كو 6: 10). {لذلك أُسَرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح} (2كو 12: 10). {الآن أفرح في آلامي لأجلكم،وأُكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة} (كو 1: 24).