من أهل الصعيد من جبس الأقباط ، ومسيرته عجيبة طويلة إذا استوفيناها شرحاً.. وانما نذكر السير من فضائله:
أنه لما توفى والده دخل إليه وتأمل وبعد تفكير عميق قال : تبارك اسم الله: اليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شئ البتة سوى توقف هذا النقس الضغيف فأين هي همتك وعزيمتك وأمرك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال. أي أرى الجميع قد بطل وتركته.. فيالهذه الحسرة العظيمة والخسارة الجسيمة.
ثم نظر إلى والده الميت وقال: إن كنت قد خرجت أنت بغير اختيار فلا أعجبن من ذلك ، بل أعجب أنا من نفسي إن عملت كعملك.
اعتزاله العالم:
ثم أنه بهذه الفكرة الواحدة الصغيرة ترك والده بغير دفن ، كما ترك كل ما خلفه له من مال واملاك وحشم ، وخرج هائماً على وجهه قائلاً : ها أنا أخرج من الدنيا طائعاً كيلا يخرجوني مثل أبي كارها.
توغله فى الصحراء:
لم يزل سائراً حتى وصل إلى شاطئ النهر حيث وجد هناك جميزة كبيرة فسكن هناك ، ولازم النسك العظيم والصوم الطويل ، وكان بالقرب من هذا الموضع قوم من العرب ، فاتفق يوم من الأيام ان إمرأة من العرب نزلت مع جواريها إلى النهر لتغسل رجليها ورفعت ثيابها وجواريها كذلك، فلما رأى القديس انطونيوس ذلك حول نظره عنهن وقتا ما ظنا منه أنهن يمضين. لكنهن بدأن فى الاستحمام فى النهر! فما كان من القديس إلا ان قال لها : يا امرأة : أما تستحين منى وأنا رجل راهب! أما هي فأجابت قائلة له : اصمت يا إنسان. من أين لك أن تدعو نفسك راهباً؟ لو كنت راهباً لكنت البرية الداخلية لان هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان.
فلما سمع انطونيوس هذا الكلام لم يرد عليها جواباً. وكثر تعجبه لأنه لم يكن فى ذلك الوقت قد شهد راهباً ولا عرف الاسم. فقال فى نفسه ليس هذا الكلام من هذا المرأة لكنه صوت ملاك الرب يوبخني وللوقت ترك الموضع وهرب إلى البرية الداخلية وأقام بها متوحداً لأنه ما كان فى هذا الموضع أحد غيره فى ذلك الوقت وكان سكناه في قرية قديمة كائنة فى جبل العربة ، صلاته تكون معنا آمين.
ملاك يسلمه الزى:
وكان يوماً جالساً فى قلايته ، فاتت عليه بغتة روح صغر نفس وملل وحيرة عظيمة ، وضاق صدره فبدأ يشكو إلى الله ويقول : يارب إني أحب أن أخلص ، لكن الأفكار لا تتركنى فماذا أصنع؟ وقام من موضعه وانتقل إلى مكان آخر وجلس. وإذا برجل جالس أمامه ن عليه رداء طويل متوشح بزنار صليب مثال الاسكيم ، وعلى رأسه
( كوكلس ) قلنسوه شبه الخوذة وكان جالساً يضفر الخوص، وإذ بذلك الرجل يتوقف عن عمله ويقف ليصلي ، وبعد ذلك جلس يضفر الخوص. ثم قام مرة ثانية ليصلى ثم جلس ليشتغل فى ضفر الخوص وهكذا.. أما ذلك الرجل فقد كان ملاك الله الذى أرسل لعزاء القديس وتقويته إذ قال لانطونيوس ” اعمل هكذا وأنت تستريح “.
من ذلك الوقت اتخذ انطونيوس لنفسه ذلك الزي الذي هو شكل الرهبنة وصار يصلي ثم يشتغل فى ضفر الخوص: وبذلك لم يعد الملل يضايقه بشدة. فاستراح بقوة الرب يسوع المسيح له المجد.
صلاته:
1 – القديس بولا البسيط
( تلميذ الانبا انطونيوس )
أقام القديس انطونيوس بالبرية الداخلية فوق مدينة اطفيح بديار مصر مدة ثلاثة أيام. وبنى له قلاتة صغيرة وهو قريب من وادي العربة.
وكان ذلك الوقت رجل علماني ، شيخ كبير ، يقال له بولا اعنى بوس كان ساكنا فى مدينة اطفيح واتفق ان ماتت زوجته وتزوج امرأة صبية وكان له خيرات وأموال كثيرة كان قد ورثها.
فدخل يوماً من الايام إلى بيته ، فوجد أحد خدامه على السرير مع زوجته فقال لزوجته مبارك لك فيه ايتها المرأة ، مبارك له فيك ، إذ اخترتيه دونى.
ثم اخذ بردته عليه ، ومضى هائما على وجهه فى البرية الداخلية ، وبقى محتاراً تائهاً زماناً طويلاً إلى أن اتفق أنه وقف على قلاية القديس انطونيوس ، فقرع باب القلابة. فلما رآه القديس عجب منه غاية العجب ، لأنه لم يكن بعد قد رأى انساناً بهذه الصفة ، فسلم على القديس وسجد له على الأرض بين يديه فأقامه القديس وعزاه وفرح به غاية الفرح ثم جلس عند القديس أربعين يوماً ملازماً الزهد الكامل والوحدة الصعبة.
فلما كمل له أربعون يوماً ، قال له القديس : يا بولس اذهب إلى حافة الجبل وتوحد ، وذق طعم الوحدة.
فمضى بولس كما أمره عمل له مثل مربك شاة وفى غضون ذلك احضروا إلى القديس انطونيوس رجلا اعتراه روح من الجن فلما نظره القديس عجب منه ، ثم قال للذى احضره : اذهب به إلى القديس بولس يشفيه لأنى عاجز عنه. وهذه هي أول تجاربه فعملوا كما أمرهم القديس واحضروه بين يدى القديس بولس وقالو له معلمك الأب انطونيوس يأمرك ان تخرج هذا الشيطان من هذا الإنسان وكان القديس بولس ساذجاً فلوقته أخذ الرجل المريض وخرج إلى خارج الجبل وكان الحر شديداً وكانت الشمس مثل وهج النار فقال: يا شيطان استحلفك كما أمرنى معلمى انطونيوس أنك تخرج.. وإذا بدا العدو الشيطان يتكلم على لسان الإنسان المريض ويضحك ويشتم ويقول : من هو أنت ومن هو معلمك انطونيوس المختال الكذاب فقال له بولس: أنا أقول لك أيها الشيطان إنك تخرج من هذا الإنسان وإن لم تخرج أنا أعذب نفسى ثم طلع القديس بولا على حجر كان يتقد كأنه جمر نار وأخذ حجر اخر على رأسه وقال : باسم الرب يسوع المسيح وباسم صلوات معلمى مار انطونيوس العظيم انى سأظل هكذا إلى أن أموت ولابد أن أعمل طاعة معلمى ، وتخرج أيها الشيطان كما أمر معلمي وبقى هكذا واقفاً والعرق ينصب منه كالمطر ونبع ( نزف ) الدم من فمه وانفه والناس حوله مندهشون فلما رأى الشيطان ذلك صرخ باعلى صوته فقال : العفو العفو! والهروب الهروب من شيخ يقسم على الله بزكاوة قلبه حقاً لقد أحرقتنى بساطتك ثم خرج من ذلك الإنسان وصرخ الشيطان ايضاً قائلاً : يا بولا لا تحسب إنى خرجت من اجل دمك وخروجه (اى نزف دمه ) لكن أحرقتنى صلاة انطونيوس وهو غائب ولما سمع الحاضرون تعجبوا بركة صلواتهم تحفظنا آمين.
2 – قصة شفاء ابن الملاك الافرنج
أخبروا عن القديس انطونيوس أن ملك الافرنج كان له ولد ، وكان وارثاً للملك بعده ، فلقحه جنون وصرع ، فجمع كل علماء بلاده فلم يقدر أحد أن يعينه ويشفيه.
ثم اتصل به خبر القديس انطونيوس الصعيدي ، فأرسل إليه رسله بهدايا جليلة ولما وصلوا إليه لم يشأن أن يقبل شيئاً من الهدايا ويفرح بالسمعة ، وكان يكلمهم بترجمان.
وقال لتلميذه : بماذا تشير على يا ابنى؟ هل أذهب أم أبقى؟ قال له: يا أبى إن جلست أنت انطونيوس وإن ذهبت فأنت انطونه ، وكان التلميذ يحبه ولا يشتهى أن يفارقه ، فقال له القديس وأنا أريد أن أكون انطوانه.
وفى تلك الليلة عمل صلاة فى الدير وسار إلى بلاد الافرنج وحملته سحابة بقوة الرب يسوع المسيح ودخل إلى مدينة الملك وجلس على باب دار الوزر كمثل راهب غريب ولما عبر وزير الملك وكان الليل قد حل أمره الوزير بالدخول إلى منزله ، وبينما هم على المائدة وإذا بخنزيرة في بيت الوزير كان لها صغار عمياء وأحدها أعرج احضرتها والقنها بين يدي القديس الذى خاطب الوزير قائلاً: لئلا تظن إن الملك فقط يريد شفاء ابنه! ثم صلب على أورد الخنزيرة ، وبصق على أعين العمياء منها وأبراها. فدهش القوم جداً وصاروا كأنهم أموات ، ووصل الخبر إلى الملك فأحضره للوقت وأبرأ ابنه وقال: أيها الملك بلغنى أنك أرسلت إلى انطونه المصرى وأنفقت مالك واتبعت رسلك ولأجل هذا انفذنى الله إليك. ثم ودعه وانصرف الى ديره.
وفى اليوم الثانى تقابل معه رسل الملك وطلبوا منه الذهاب معهم لشفاء ابن الملك. فقال لهم اسبقونى وأنا أحضر خلفكم. فرجعوا واثقين بكلامه ، وقاسوا فى عودتهم شدائد كثيرة من تعب البحر وهول السفر وعند وصولهم سمعوا بشفاء ابن الملك وان قديسا آخر قد ابراه وهكذا قصد القديس انطونيوس أن ينفى عن نفسه الفخر والعظمة ولكن السيد المسيح لم يشأ ان يخفى فضائله وتحققت اخباره فى بلاد الافرنج فتعجب الرسل جداً كيف حضر القديس من بلاده إلى بلادهم فى ليلة واحدة وتكلم بلسانهم وفى اليوم التالي كان عندهم فمجدوا الله كثيراً.
من سيرة حياته للرهبانية وقوانين نسكه
( أ ) شركته مع السمائيين:
جاءه بعض الأخوة يسألونه في سفر اللاوبين فاتجه الشيخ على الفور إلى الصحراء أما انبا امون كان يعرف عادته فتبعه سراً وعندما وصل الشيخ إلى مسافة بعيدة رفع صوته قائلاً : ” اللهم راسل إلى موصى يفسر لى معنى هذه الآية ” وفي الحال سمع صوت يتحدث اليه قال أنبا امون إنه سمع الصوت لكنه لم يفهم قوة الكلام.
( ب ) الكشف الروحى :
لما حضر أنبا ابلاريون من سورية إلى جبل أنبا انطونيوس قال له انبا انطونيوس ” هل حضرت أيها المنجم المنير المشرق فى اصلباح؟ ” أجابه أنبا ايلاريون: “سلام لك يا عامود النور حامى الخليقة “
كانت طلعته مضيئة بنور الروح القدس تنم عن نعمة عظيمة وعجيبة كان متميزاً في رصان أخلاقه وطهارة نفسه وكان يستطيع ان يرى ما يحدث على مسافة بعيدة.
فقد حدث مرة بينما كان القديس جالساً على الجبل انهتطلع لاى فوق فرأى فى الهواء روح المبارك امون راهب نيتريا محمولة إلى السماء بايدى ملائكة وكان هناك فرح عظيم.
وكانت المسافة من نيتريا الى الجبل الذى كان فيه انطونيوس نحو سفر ثلاثة عشر يوماً ولما رأى رفقاء انطونيوس انه منذهل سألوه ليعرفوا السبب باعملهم ان امون مات فسجلوا يوم الوفاة ولما وصل الأخوة من نيتريا بعد ثلاثين يوما سألوهم فعلموا أن امون قد رقد فى اليوم والساعة التى رأى فيها الشيخ روحه محمولة الى فوق فتعجب هؤلاء وغيرهم من طهارة نفس انطونيوس وكيف انه علم فى الحالة ما حدث على مسافة سفر ثلاثة عشر يوماً وانه رأى الروح صاعدة.
( جـ ) افرازه :
قيل أن شيوخاً كانوا قاصدين الذهاب إلى انبا انطونيوس فضلوا الطريق وإذ انقطع رجاؤهم جلسوا فى الطريق من شدة التعب وإذا بشاب يخرج اليهم من صدر البرية واتفق وقتئذ انه كانت هناك حمير وحش ترعى فأشار اليها الشاب بيده فاقبلت نحوه فأمرها قائلاً ” احملوا هؤلاء الى حيث يقيم انطونيوس ” فاطاعت حمير الوحش امره فلما وصلوا أخبروا انطونيوس بكل ما كان أما هو فقال لهم ” هذا الراهب يشبه مركباً مملوءة من خير ، لكني لست أعلم ، إن كان يصل إلى الميناء اما لا؟ “
وبعد زمان بينما كان القديس انطونيوس جالساً فى الصحراء مع الأخوة وقع فجأة فى دهشة ” فرأوه يبكى وينتحب يركع ويصلى وينتف شعره فقال له تلاميذه ” ماذ حدث ايها الاب ” فقال لهم الشيخ : ” عامود عظيم للكنيسة قد سقط فى هذه الساعة اعنى ذلك الشاب الذى اطاعته حمير الوحش قد سقط من قانون حايته ” وارسل الشيخ اثنين من تلاميذه اليه فلما رأى تلاميذ انطونيوس بكى وناح واهال تراباً على رأسه وسقط امامهم قائلا ” اذهبوا قولوا لانبا انطونيوس ان يطلب الى الله كى يمهلنى عشرة ايام لعلى اتوب ” لكنه قبل ان يتم خمسة ايام توفى ولم يمكث طويلاً ليقدم توبة عن خطيئته.
قال انبا انطونيوس : ” انى ابصرت مصابيح من نار محيطة بالرهبان وجماعة من الملائكة بايديهم سيوف ملتهبة يحرسونهم وسمعت صوت الله القدوس يقول : ” لا تتركوهم ما داموا مستقيمى الطريقة ” فلما أبصرت هذا تنهدت وقلت : ” ويلك يا انطونيوس ، إن كان هذا العون محيطاً بالرهبان والشياطين تقوى عليهم” فجاءنى صوت الرب قائلاً : ” إن الشياطين لا تقوى على احد ، لانى من حيت تجسدت سحقت قوتهم عن البشريين ولكن كل إنسان يميل الى الشهوات ويتهاون بخلاصه فشهوته هى التي تصرعه وتجعله يقع”. فصحت قائلا: ” طوبى لجنس الناس وبخاصة الرهبان لأن لنا سيداً هكذا رحيماً ومحبا للبشر”.
ودفعة جاء شيخ كبير فى زيارة للأنبا انطونيوس فى البرية ، وهو راكب حمار وحش ، لما رآه الشيخ قال: ” هذا سفر عظيم ، ولكنى لست أعلم إن كان يصل إلى النهاية أم لا”.
( د ) لا يوجد نظير له:
أعلن الرب لانبا انطونيوس أنه فى المدينة الفلانية يوجد رجل يماثله وهو طيب يعمل ويوزع كل ما يحصل عليه على الفقراء والمحتاجين ، ويقدم للرب تماجيد مع الملائكة ثلاث مرات يومياً.
( هـ ) يوجد من يفوقه أيضاً :
بينما كان القديس يصلى فى قلايته سمع صوتاً يقول: ” يا انطونيوس انك لم تبلغ بعد ما بلغه خياط مدينة الاسكندرية “: فقام القديس عاجلاً وأخذ عصاه الجريد بيده ووصل الى الخياط فما نظر الخياط إلى الشيخ ارتعد سأله القديس: ” ما هو عملك وتدبيرك؟” اجابه الخياط : : إننى لا أظن أننى أعمل شيئاً من اصلاح غير أنى انهض مبكراً وقبل أن ابدأ عملى يجى أشكر الله وأباركه وأجعل خطاياى أمام عينى واقول: ” إن كان الناس الذين فى المدينة سيذهبون الى ملكوت السموات لأعمالهم الصالحة أما أنا فسأرث العقوبة الابدية لخطاياى ” وأكرر هذا الكلام بعينه فى المساء قبل أن أنام.
لما سمع من القديس هذا الكلام قال:
حقا كالرجل الذى يشتغل فى الذهب ويصنع أشياء جميلة ونقية فى هدوء وسلام هكذا أنت أيضاً فبواسطة أفكارك الطاهرة سترت ملكوت الله بينما أنا الذى قضيت حياتى بعيداً عن الناس منعزلاً فى الصحراء لما أبلغ بعد ما بلغته أنت.
( و ) ترديد اسم يسوع:
قال : إن جلست فى خزانتك قم بعمل يديدك ولا تخل اسم الرب يسوع بل امسكه بعقلك ورتل به بلسانك وفى قلبك وقل : يا ربى يسوع المسيح ارحمنى يا ربى يسوع أعني وقل له ايضاً أنا أسبحك يا ربي يسوع المسيح.
من هو انطونيوس؟
قال أحد الأخوة : أرانا انباء صبيصوى مغارة الانبا انطونيوس حيث كان يسكن ” هوذا فى مغارة أسد يعيش ذئب”.
Discussion about this post