الزمن يُظهر أصالة معدن إيماننا
الوقت فقط هو من يُعلمنا ويُظهر لنا ما هو حقيقي وجذوره ضاربة في أعماق التاريخ وما هو أسطوري ومزيف، لأن بعض الأمور لا تعيش بمرور الزمن لأنها قصيرة المدى، لأنها مثل عُشب الحقل الذي يظهر قليلاً ثم يحترق من الشمس ويذبل ويموت، هكذا حياتنا فكل ما هو غير أصيل فيها وليس فيه حياة ثابتة فيه سيذبل ويموت مع الزمن.
(1) وهكذا الخطية تموت وتذبل مع الوقت ويذهب رونق جمال لذاتها، فاللذة التي فيها قوية وقت الشباب ولها قوتها وسطوتها، وتضعف وتموت على مدى الأيام ولا يبقى سوى ذكرى مرارها والحزن الدفين فيها المُحطم لكل قوى النفس الروحية، وحينما يضيع الشباب وتذبل صحة الجسد ولا يبقى سوى المشيب، تضيع المسرة ويبقى المرار في الحلق غصة ضيق ألم موجع شديد يمنع الإنسان عن التوبة إذ يرى أن العمر ولى وفات ولم يعد هناك مسرة في شيءٌ قط، لذلك مكتوب: فاذكر خالقك في أيام شبابك قبل أن تأتي أيام الشرّ، أو تجيء السنون إذ تقول ليس لي فيها سرور (جامعة 12: 1)
(2) وأيضاً هكذا هو إيماننا، فطول الزمن والأيام تُظهر معدن أصالته، فلو هو إيمان حي ضارب بجذوره في أعماق أعماقنا فسيزدهر وينمو ويُثمر غلبة على العالم وكل شرّ فيه، لأن هذه هي الغلبة التي نغلب بها العالم “إيماننا”، أما لو كان غير أصيل ففي وقت المحنة والشدة ووقت هياج العدو علينا أي الشيطان، وعند ظهور الخطايا والآثام تحاربنا، بل وعند أقل التجارب تأتي علينا ستجعلنا ننهزم بسهولة شديدة جداً، لأن إيماننا غير حي ولا فاعل وغير مزدهر ومثمر.
عموماً ظروف الحياة وطول الزمان هما بمثابة البوتقة التي تحتها نار التجارب مشتعلة لكي تكشف حقيقة المعدن داخلها، لأنه لو كان ذهب سيصير أكثر نقاوة، أما أن كان شيء آخر، فأن قوة النار وشدتها ستُبيده، لأن النار تُظهر عمل كل واحد وأصالة ما في قلبه من إيمان صادق، لأن الإيمان لا يُمتحن إلا بالنار، كما أن الذهب لا يظهر شدة لمعانة ولا يُثمن إلا بشدة النار التي محصته وأزابت منه كل الرواسب التي تجعله بلا قيمة حقيقية.
/www.difa3iat.com