
هل العذابات وقعت على الابن بمفرده، أم على الآب والابن والروح القدس..؟
نحن نؤمن باللَّه الواحد المُثلث الأقانيم – فوحدانية اللَّه ليست وحدانية جامدة مُصمدة، إنما هيَ وحدانية جامعة، فيها الأبوة والبنوة والانبثاق، الآب والابن والروح القدس. عندما نبحث عن اللَّه نجده واحدًا لا شريك له، وعندما نتأمل في اللَّه الواحد نجد فيه الوجود والعقل والحياة، مثلما نتأمل في الشمس وهيَ شمس واحدة ونجد فيها قرص الشمس والضوء والحرارة، والشعاع يتولد من القرص كما أن الابن مولود من الآب، نور من نور، إله حق من إله حق، والحرارة منبعثة من القرص كما أن الروح القدس منبثق أو منبعث. الابن في الآب والآب في الابن والروح القدس هو روح الآب والابن.
فالآب والابن والروح القدس ليسوا ثلاثة آلهة، إنما هم ثلاثة أقانيم، والأقنوم هو ما يتمايز عن غيره بدون انفصال، مثل الجسد والروح والعقل في الإنسان الواحد. والآب والابن والروح القدس لهم لاهوت واحد، طبيعة إلهيَّة واحدة، كيان إلهي واحد، جوهر إلهي واحد، وعندما يسأل الناقد هل العذابات وقعت على الابن بمفرده أم على الآب والابن والروح القدس؟ نقول له من جهة اللاهوت هو منزَّه عن الألم، فلم تقع العذابات على الآب ولا على الروح القدس، ولا على الابن بحسب لاهوته، إنما وقعت على الابن من جهة ناسوته، لأنه أتخذ له طبيعة بشرية، وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، فهكذا تألم ابن اللَّه الكلمة بحسب الناسوت وليس بحسب اللاهوت، فهو تألم ولم يتألم في آن واحد، جميع الآلام التي جاز فيها كانت محسوسة بحسب الناسوت وليس بحسب اللاهوت .
اذن عند السؤال من الذي تحمل هذه الآلام الناسوت أم اللاهوت؟.. الذي تحمل هذه الآلام الناسوت المتحد باللاهوت، مع إدراكنا التام أن اللاهوت منزَّه عن الألم، وأمام أعيننا تشبيه البابا كيرلس الكبير بالحديد المحمي بالنار، فهذا الحديد يحمل طبيعتين طبيعة الحديد وطبيعة النار، فمن يقترب من هذا الحديد إلاَّ ويكتوي بناره، وعندما يطرق الحداد على الحديد فإن الذي يتأثر ويتشكل هو الحديد وليس النار، فالحديد المحمي بالنار رمز لاتحاد الناسوت باللاهوت.
ويقول “القديس أغناطيوس الأنطاكي”: “نحن نؤمن أن اللَّه تألم بالجسد كالإنسان، وهو غير متألم كالإله، وذاق الموت بالجسد وهو غير مائت كالإله. فإذا سمعت أن اللَّه تألم عنا وأن المسيح اللَّه الكلمة مات لأجلنا، فافهم أننا نؤصّل الطبائع إلى وحدانية اللاهوت والناسوت، ونسميها بهذا الاسم الواحد اللائق باللَّه، كما أنك أنت أيضًا من طبيعتين هما نفس وجسد، وتُسمى بهذا الاسم الواحد اللائق بالإنسان، ونفسك غير مائتة بالطبع” (239).
ويقول “البابا أثناسيوس الرسولي”: “أنا أعرفه أنه إله بالحقيقة من السماء غير متألم، وأنا أعرفه أنه من زرع داود بالجسد الناسوتي من الأرض المتألم، ولا أسأل بأي مثال هو متألم وغير متألم، هذا هو الواحد فقط مع اللَّه وهو إنسان” (240).
ويقول “البابا كيرلس الكبير”: “كيف يصبح الواحد نفسه غير متألم ومتألم في نفس الوقت؟ عندما يتألم في جسده لم يؤثر الألم في ألوهيته. هذا التدبير فائق ولا يستطيع عقل أن يسبر عمقه ومجده.. نؤمن أنه تألم في جسده دون أن يتألم في لاهوته.. فقطعة من الحديد أو أي معدن آخر إذا اتصلت بنار مشتعلة تتحد بالنار، وإذا طُرِقت يترك الطرق آثارًا على المعدن، أما طبيعة النار فهيَ تظل بعيدة عن التأثر. وهكذا نعتقد بأن الابن تألم بالجسد دون أن يتألم بلاهوته”(241).
كما يقول “القديس كيرلس الكبير” أيضًا: “إنه بسبب اتحاده بالجسد تألم بكل الإهانات، لكنه احتفظ بما له من عدم الألم، لأنه ليس إنسانًا فقط بل هو نفسه اللَّه. وكما أن الجسد هو جسده هكذا آلام الجسد ورغباته غير الدنسة وكل الإهانات التي وجهها البعض. كل هذا احتمله هو لأنه كان موجهًا ضد جسده الخاص به. وقد تألم دون أن يتألم.
No Result
View All Result